عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية إمارة دهلك الإسلامية في إريتريا

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

تقع "جزيرة دهلك" Island of Dahlak، أو بالأحرى "أرخبيل دهلك"، في الطرف الجنوبي الغربي لسواحل البحر الأحمر، غير بعيدة عن سواحل بلاد الطراز الإسلامي، أو "بلاد الزيلع". 



وقد اشتهرت هذه البلاد خلال العصر الوسيط باسم "إمارة دهلك" الإسلامية، أو "سلطنة دهلك"، لأن حكامها وما يتبعها من الجزر كانوا يحملون لقب "السلطان"، أو "سلطان دهلك"، وهو ما يبدو جليًا من خلال شواهد القبور العديدة التي كشف عنها في الجبانة الملكية الخاصة بحكام هذه الجزيرة. 

 

 

وارتبطت "جزيرة دهلك" بالعديد من الهجرات العربية والإسلامية القادمة من جزيرة العرب إلى ساحل شرق إفريقيا عبر البحر الأحمر، وذلك منذ القرون الأولى للدعوة الإسلامية، بل إن أرخبيل دهلك ارتبط بالهجرة الأولى التي قام بها المسلمون إلى بلاد الحبشة بناء على أمر من النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- بسبب اضطهاد المشركين لهم، بعد أن أمر بإعلان دعوته للناس، وأنها لم تعد سرية. 

 

 

ومن الراجح أن المسلمين الأوائل، وتحديدًا الصحابة رضي الله عنهم توقفوا بجزيرة دهلك خلال عبورهم إلى سواحل البحر الأحمر وهم في الطريق إلى بلاد الحبشة. 

 

 

ويُحدد بعضُ العلماء العام الذي غادر فيه المسلمون جزيرة العرب على متن إحدى السفن لعبور البحر الأحمر بحوالي سنة 615م، وكانت السفينة التي أقلتهم قد انطلقت من منطقة اسمها: "العشيبة"، نواحي جدة. 

 

 

وحكام بلاد الحبشة كانوا يستخدمون "جزر دهلك" باعتبارها قاعدة لهم من أجل القيام بالاعتداءات على سواحل الدولة الإسلامية والموانئ والمرافئ الموجودة بها على "جزيرة العرب"، ومن اللافت أن بعض تلك الهجمات قام بها الأسطول الحبشي في حياة النبي (ص). 

 

 

وبسبب توالي الاعتداءات الحبشية على سواحل جزيرة العرب والموانئ الإسلامية، أرسل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (13-23هـ) أسطولًا بحريًا محدودًا، وقد كان هذا الأسطول يضم أربع سفن فقط، وحوالي مائتي رجل إلى "جزيرة دهلك" بهدف إيقاف الاعتداءات الحبشية على بلاد المسلمين.

 

 

تأسيس إمارة دهلك الإسلامية: يُحدد المؤرخون بدايات القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي بأنها الحقبة الزمنية التي تأسست خلالها إمارة دهلك الإسلامية، التي كانت تتمتع بالاستقلال فيما يبدو، ولعبت دورًا مهمًا في حركة التجارة البحرية عبر سواحل وموانئ البحر الأحمر، ويبدو أنها نالت الأهمية التجارية التي كانت لميناء "أدوليس" (عدول)، وكان هذا الميناء من أهم الموانئ التجارية على ساحل البحر الأحمر لمملكة أكسوم الحبشية. 

 

 

وكانت الأسواق التجارية في إمارة دهلك الإسلامية تشكل محطة ترانزيت تجاري مهمة على الطريق التجاري القادم من أسواق مصر وشمال إفريقيا، وكذلك الأسواق الأوروبية من جانب وحتى بلاد الشرق الأقصى حيث بلاد الصين والهند، وكذلك إلى بلاد ساحل شرق إفريقيا. 

 

 

وكشف العلماء عن العديد من الأدلة المهمة التي تؤكد ازدهار الحركة التجارية في إمارة دهلك الإسلامية، لعل من أهمها وثيقة تؤرخ إلى عصر الدولة الفاطمية (358-567هـ)، ويقول عنها المستشرق إنيركو تشيرولي: "وتوجد أدلة على النشاط التجاري لسلطنة دهلك في وثيقة يهودية عربية ترجع إلى العصر الفاطمي، عثر عليها في جنيزة كنيس بالقاهرة، وتبين هذه الوثيقة أن تاجرًا من منطقة طرابلس في ليبيا توقف في دهلك لأغراض تجارية وهو في طريقه من مصر إلى بلاد الهند، وذلك في عام 490هـ/ 1097م..". 

 

 

وعن أهمية جزر دهلك التجارية منذ العصور القديمة يقول المستشرق الفرنسي "جان كلود جارسان": "إن المنسوجات والجلود والمعادن المشغولة ومختلف العقاقير سواء كانت مشتراه من شمال إفريقيا من جانب تجار القاهرة أو قادمة من مصر نفسها، كانت تمر عبر عيذاب إلى أسواق دهلك وعدن أو المحيط الهندي، والتي كان يرجع منها الصمغ والفلفل وأنواع التوابل كافة، وكان يطلبها بلاط الخلفاء أو التجار الإيطاليون..". 

 

 

أسرة آل الشداد الحاكمة في جزيرة دهلك: أما بخصوص سلاطين وحكام إمارة دهلك، وهم الذين اشتهروا باسم "أسرة أبي الشداد"، فقد تم العثور على عدد كبير من النقوش الكتابية، وكذلك شواهد القبور Tomb Stelaes التي حملت أسماء سلاطين دهلك، ويشير البعض إلى أن عدد نقوش دهلك تزيد على المائتي نقش، وكان قد عثر عليها في الجبانة الكبرى في جزيرة دهلك الكبرى، وهذه النقوش توجد حاليًا في العديد من المتاحف الدولية. 

 

 

ويرجع تاريخ أقدم النقوش التي عثر عليها في جزر دهلك إلى حوالي سنة 298هـ، بينما تؤرخ أحدث تلك النقوش إلى سنة 946هـ، وتتميز بأنها دونت بلغة عربية صحيحة وتتضمن آيات قرآنية، وهي تذكر العديد من أسماء سلاطين دهلك وألقابهم، خاصة منذ القرن الخامس الهجري: الحادي عشر الميلادي. 

 

 

ويشير بعض المؤرخين لوجود علاقات بشكل أو بآخر بين كل من سلاطين دهلك والفرس، ويعتقد البعض أن سلاطين دهلك استعانوا ببعض المهندسين من بلاد فارس لعمل مشروعات خاصة بتخزين المياه في جزر دهلك، نظرا لشهرة الفرس بمثل هذه المشروعات المائية. 

 

 

كما ارتبطت إمارة دهلك الإسلامية بحكام وسلاطين مصر، لا سيما خلال عصر المماليك (648-923هـ/ 1250-1517م)، وكانت دولة المماليك أقوى سلطنة في ذلك الوقت وتسيطر على تجارة البحر الأحمر، وكان سلاطينها يسيطرون على مصر وبلاد الشام وجزيرة العرب، في حين كانت جزر دهلك تشكل مركزًا تجاريًا مهمًا بحكم موقعها الجغرافي المتميز.

 

وقد تحدث المصادر عن علاقات الشد والجذب بين سلاطين دهلك وأمراء المماليك في مصر والشام، ومن أبرز تلك الأحداث أنه خلال حكم السلطان الظاهر بيبرس (658-676هـ) أرسل سفارة إلى سلطان دهلك يحتج فيها على ما يقوم به حكام دهلك من مصادرة ممتلكات التجار الذين توافيهم المنية في بلادهم خلال توقفات أو إقامات في بلادهم. 

 

 

ومن الواضح أن سلاطين المماليك كان يهمهم استقرار حركة التجارة البحرية عبر موانئ البحر الأحمر، وألا تحدث أمورًا تضر بها وبازدهارها على غرار تلك التي قام بها حكام دهلك من استيلائهم على مملكات التجار المتوفين في بلادهم، ما سوف يؤثر سلبًا على الاقتصاد والموارد الخاصة بسلاطين دولة المماليك.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز