عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

الرحلات البحرية المصرية عبر البحر الأحمر لاكتشاف السواحل الإفريقية 

د. إسماعيل حامد اسماعيل
د. إسماعيل حامد اسماعيل

شهدت سواحل البحر الأحمر منذ أقدم العصور التاريخية العديد من الرحلات البحرية، والمحاولات التي قام بها الإنسان بهدف الكشف عن غموض هذا البحر وأسراره، وكذلك بهدف الحصول على منافع اقتصادية من خلال عمليات التبادل التجاري بين الأسواق القريبة من ساحل البحر الأحمر. 



ومن اللافت أن تلك المحاولات كانت تبدأ من مصر، إن لم تكن كلها، حيث اهتم ملوك مصر القديمة بهذا البحر وحرصوا على إرسال الأساطيل التجارية لاكتشافه منذ قرون بعيدة لعل أقدمها رحلة تجارية مصرية تؤرخ لأكثر من 46 قرنًا، بل إن من الفراعنة المصريين من أرسل أسطولًا بحريًا هائلًا ليطوف حول سواحل البحر الأحمر، ومنها إلى سواحل شرق إفريقيا، ثم أكمل البحارة المصريون والفينيقيون الطواف حول كل السواحل الإفريقية في حدث فريد من نوعه آنذاك، وهو ما يعني أنهم كانوا يعرفون طريق رأس الرجاء الصالح، قبل المستعمرين البرتغاليين بقرون بعيدة. 

 

 

وقد كان من أهم تلك الرحلات البحرية القديمة لاكتشاف أسرار البحر الأحمر وسواحله وغموضه، وكذلك التعرف على أسواقه التجارية منذ العصور القديمة:

 

 

أُسطول ساحورع إلى بلاد بونت (القرن 26 ق.م):

يُعتبر الملك "ساحورع"  Sahura(2553-2539 ق.م)، وهو ثاني ملوك "الأسرة الخامسة" (2494-2345 ق.م) في مصر القديمة، أول الملوك المعروفين في التاريخ الذين حاولوا- فيما يبدو- الكشف عن أسرار "البحر الأحمر"، وكذلك معرفة أحوال التجارة عبر موانئ وثغور هذا البحر الغامض بالنسبة لهم في ذلك الوقت. 

 

ومن اللافت أن تلك الفكرة الخاصة بمعرفة البحر الأحمر تؤرخ إلى هكذا حقبة زمنية عتيقة، وترجع إلى أكثر من 46 قرنًا، ولهذا أرسل الملك "ساحورع" السفن التجارية إلى "البحر الأحمر" للذهاب إلى "بلاد بونت" Land of Punt التي تقع فيما يعتقد بالقرب من بلاد القرن الإفريقي حاليًا، لا سيما أرض الصومال، وكانت من أهداف تلك الرحلة التجارية أن يحضر المصريون من هذه البلاد أصنافا من العطور والبخور التي كان الكهنة يستخدمونها في الطقوس الدينية داخل المعابد المصرية آنذاك، وكذلك لإحضار الذهب والفضة والأخشاب النادرة. 

 

 

أسطول سنوسرت الأول إلى بلاد بونت (القرن 20 ق.م):

 

تذكر المصادر المصرية القديمة أن الملك "سنوسرت الأول" (1970-1938 ق.م)، وهو من ملوك الأسرة الثانية عشرة (1985-1795 ق.م) من أسرات عصر الدولة الوسطى (2055-1795 ق.م) أعد أسطولًا تجاريًا حتى يقوم بالإبحار عبر سواحل البحر الأحمر بهدف الذهاب إلى بلاد بونت، وقد عثر على نقش في منطقة شمال منطقة "القُصير" تدعى "وادي الجاسوس" يتحدث عن هذه الرحلة البحرية عبر البحر الأحمر. 

 

 

ويقول هذا المتن القديم: "ملك مصر العليا والسفلى، خبر كا رع، محبوب خنتي ختي بن رع، سنوسرت، محبوب حتحور، سيدة بونت، منجم بونت، الذي يصله في سلام، ويعود في أمان..". 

 

 

ويذكر المستشرق الفرنسي "داجنت" أن الملك "سنوسرت الأول" كان قد أوكل قيادة ذلك الأسطول البحري لعدد من البحارة من الفينيقيين، نظرًا لما كان لديهم من الخبرات بالملاحة عبر البحار. 

 

ومن المعروف أن العديد من الرحلات البحرية المصرية القديمة كانت تتم بقيادة البحارة الفينيقيين، تحت إشراف وقيادة مصرية.

 

 

أسطول حتشبسوت إلى بلاد بونت (القرن 15 ق.م):

تُعتبر حملة الملكة المصرية الشهيرة حتشبسوت (ماعت- كا- رع) (1473-1458 ق.م) وهي من ملكات عصر الأسرة الثامنة عشرة (1550-1295 ق.م) التي هي بدورها من أسرات عصر الدولة الحديثة (1550-1069 ق.م)، من أشهر الرحلات التجارية البحرية التي ذاع صيتها في أرجاء العالم القديم، والتي قامت بها السفن المصرية عبر سواحل وثغور البحر الأحمر متجهة جنوبًا صوب سواحل شرق إفريقيا حيث تقع بلاد بونت. 

 

 

وترجع أهمية هذه الحملة البحرية إلى أنها ربما تكاد تكون من الحملات التجارية النادرة جدًا التي وثقتها الآثار والكتابات المصرية القديمة، وتوجد تفاصيلها على جدران معبد الملك حتشبسوت بمنطقة الدير البحري، على الضفة الغربية من طيبة القديمة (الأقصر حاليا).

 

 

أسطول رمسيس الثالث لبلاد بونت (القرن 12 ق.م)

يُشير بعض المؤرخين إلى أن الملك رمسيس الثالث (1184-1153 ق.م) كان يريد غزو بلاد العرب، ويُقصد بها بالطبع شبه الجزيرة العربية، ثم أقام أسطولًا بحريًا أرسله إلى البحر الأحمر ومن ثم إلى بلاد بونت (أو بلاد الفنط حسب البعض) بهدف التبادل التجاري، كما كانت الغاية من هذا الأسطول تسهيل الطريق التجاري البحري بين مصر وبلاد الشرق. 

 

 

وتمكن الملك رمسيس الثالث أن يقيم طريقا تجاريا بريا يربط بين كل من قفط على نهر النيل وميناء القصير على ساحل البحر الحمر، ومن ثم كان الأسطول المصري يبحر فيما بين البحر الأحمر وسواحل شبه بلاد العرب، وكذلك سواحل المحيط الهندي والموانئ والمرافئ التجارية المهمة التي كانت تطل عليه في ذلك الوقت.  

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز