عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية قبيلة البوشمن الإفريقية

د. إبراهيم محمد مرجونة
د. إبراهيم محمد مرجونة

قد يظن البعض أن القبائل الإفريقية لهم صفات وطبائع واحدة، وفي ذلك خطأ كبير، لأن الحقيقة هي أن كل قبيلة في إفريقيا (وهناك أكثر من 3000 منها) لديها تقاليدها الغنية ولغتها وثقافتها، وفي حين أثر المجتمع الحديث على طريقة حياتهم إلى حد كبير، إلا أن الانتماء القبلي لايزال مصدر فخر كبير للسكان الأصليين. 



ومن بين هذه القبائل قبيلة البوشمن، التي تتوزع بين بتسوانا ونامبيا و جنوب أنجولا، وحتى عام 1950 لم يكن العالم يعلم عنهم شيئا حتى كتب (لورانس فان در بوست) كتاب مملكة كالاهاري المفقودة.

 

يبلغ عددهم الأن حوالي 82 آلف نسمة، وتشير الدلائل إلى أن مجموعات البوشمن عاشت في مناطق جنوب إفريقيا منذ حوالى 22 آلف عام، مما يجعلهم من أقدم المجموعات العرقية إن لم تكن الأقدم على الإطلاق في إفريقيا، ويمتازون ببشرتهم البنية المصفرة، وقاماتهم القصيرة، وجباههم البارزة وعيونهم الضيقة، وينعتهم البعض بأقزام إفريقيا، ومثلهم مثل أي قبيلة تمتاز بخصائص وطبائع وعادات وتقاليد جعلت لهم هوية متفردة. 

 

فقبائل البوشمن التي تستوطن صحراء كلهاري في الجنوبي الغربي لقارة إفريقيا تمثل مجتمعا بدائيا بسيطا يتراوح أعداد أفراده بين العشرات والمئات، وتتكون كل مجموعة من عدد من العائلات الصغيرة، لكل منها كوخها الخاص. 

 

وتعيش العائلات متجاورة بالقرب من موارد المياه، ودائما ما تتنقل جماعات البوشمن لاصطياد الفرائس التي توجد في مناطق متباعدة، وتسعى كل جماعة إلى التزود بكميات ضئيلة من المياه، من خلال حفر تبعد مئات الكيلومترات عن مكان إقامتها، وتعد تلك القبائل – على بدائيتها – أكثر رقياً من المجتمعات الصناعية في حماية البيئة.

 

ولا يعمل أفراد قبائل البوشمن بالزراعة أو تربية الماشية، بل مارسوا صيد الحيوانات وجمع النباتات، مدفوعين بطبيعة عيشهم إلى التجوال الدائم خاصة في موسم سقوط الأمطار. 

 

ويستخدم الرجال الأقواس والسهام المسممة في الصيد، ويحصلون على السموم من بعض النباتات والحشرات، ويستخدمون أدوات حادة لذبح فرائسهم، كما صنعوا العصي واستخدموها حرابًا لمساعدتهم  في البحث عن الجذور أو الدرنات الصالحة للأكل.

 

 ويقوم رجال البوشمن بصيد الفرائس التي تكون عادة واحدا أو أكثر من حيوان الكنغر، فيأكلون لحمها، ويصنعون السيور من جلدها، وكذلك الأوتار التي يربطونها حول حرابهم. 

 

ويصنعون أدوات بسيطة ودبابيس من عظمها، ويمزجون الدهن مع التراب الأحمر الغني بالحديد ويستخدمونه كمسحوق للتجميل، ويعملون من الأسنان والفكوك قلادات تتزين بها النساء، ويخلطون الدم مع الفحم ويستخدمونه كطلاء.

 

والملاحظ أن الحقائب التي تتخذ شكل الشباك شائعة الاستخدام لدى هذه القبائل وغيرها من الشعوب البدائية المعاصرة، فالحبال مصنوعة من ألياف النبات أو من شعر الحيوان، وعادة ما يستخدمون مكوكا من الخشب أو العظم لحمل الحبل. 

 

أما نساء البوشمن فعليهن بناء الأكواخ، وطهي الطعام، والعناية بالأطفال، وجمع خشب الوقود، وجلب الماء في أوان من بيض النعام،  كما تقوم النساء بالإمساك بصغار الحيوانات وجمع المواد النباتية.

 

إن نمط معيشة قبائل البوشمن يشبه إلى درجة كبيرة نمط معيشة الجماعات البشرية الصيادة، ويتميز البوشمن بحرصهم على استغلال مكونات بيئتهم بكفاءة واقتصاد.

 

ويتضح ذلك من استعمالاتهم العديدة للبطيخ (الرقي) البري المتوفر في أماكن استيطانهم، فيأكلون لبه، ويروون ظمأهم بالماء الذي ينزل منه، أو يغلون به لحم الظباء التي يصطادونها، أو يلينون به العظام التي يصنعون منها الأقواس التي تستخدم في الصيد، ويحمصون البذور ليأكلوها أو يطحنونها لتحويلها إلى دقيق. 

 

كما يستخدم الأطفال البذور كطعم في الفخاخ التي ينصبونها لاصطياد الفئران، ويستخدمون القشور المجوفة بعد تجفيفها كأوعية أو أطباق يقدم فيها الطعام، أو أواني لحفظ البول الذي تنقع فيه جلود الحيوانات لتستعمل فيما بعد استعمالات متنوعة، أما الأطفال فيستخدمون القشور المجوفة كألعاب يلهون بها، أو طبول يدقون عليها. 

 

هذا جانب من نمط حياة البوشمن يوضح حسن استثمارهم لثروات بيئتهم باقتصاد ودون إتلاف، وهذا النمط من التعامل مع البيئة هو الشائع في كل المجتمعات البدائية التي تعيش اليوم، فالجماعات البدائية الإسترالية المعروفة بالأبورجيني تعيش في مناطق قاحلة من قارة استراليا، ويعيشون على التقاط الطعام والصيد.

 

أما بالنسبة للمعتقدات الدينية للبوشمن فجزء غير قليل منهم  عبدة لأرواح الموتى، غير أنهم يؤمنون كذلك بوجود إله قويّ خلق نفسه ثم خلق الأرض والماء والصحراء، وهو إله خيِّر على الأرجح إلا أن غضبته مخيفة ويسمونه "هارا"، كما يؤمنون بوجود إله أصغر مسؤول عن الشر والسحر الأسوَد.

 

ولهم فنونهم كالرسم والنقش لصور الحيوانات فوق جدران الكهوف والصخور، وتتميز رسوماتهم بالدقة المتناهية والتناسق الهندسي الرائع والتعبير الرمزي المتقن، وقد كانوا يقيمون هذه الأعمال طوال تاريخهم، وكانت هذه الرسومات تصور حفلاتهم الطقوسية ورقصاتهم التقليدية.

 

وفي الأخير أفرزت البيئة الإفريقية قبائل ذات تأثير ونفوذ قوي داخل دولها، بل تعدّاها إلى الدول المجاورة لها التي لها فيها امتداد، حيث تتميز هذه القبائل بالقوة البشرية والاقتصادية والأمنية نتيجة لهيمنة القبيلة على الواقع الإفريقي بشكل عام.

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز