عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مصر.. وتواصل الماضي بالحاضر (1)

مصر.. وتواصل الماضي بالحاضر (1)

تمثل حضارة مصر القديمة نموذجًا يحتذى للمقارنة بين الماضي والحاضر، فلقد ترك المصريون القدماء الكثير من الأمور التي ما زالت تستخدم حتى الآن في حياتنا اليومية من حيث البيت والأسرة، العمل، العقيدة، وأيضا الموت.



من خلال هذه السلسلة سنتناول بعض النماذج التي تمثل امتداد جذورنا الحضارية حتى الآن.

 

 

أول النماذج سيكون عن الأسرة التي تمثل النموذج الصغير للمجتمع، ففيها نجد الترابط، التراحم، تكافل الجيران، حب الاستقرار، الزواج المبكر، كثرة إنجاب الأطفال، وغيرها من الأمور التي ما زالت مستحبة لدى قطاع عريض من المصريين، لا سيما في الريف.

 

 

ولتكوين الأسرة كان الزواج هو الأساس، وقد عبّر الحكيم المصري بتاح حتب عن الغرض من الزواج، وهو تأسيس الأسرة، حيث قال لابنه (إن كنت كفؤا أسس بيتك "جرج بر" وأحبب زوجتك ما دامت في بيتك في حدود العرف) والكفاءة هنا يقصد بها الصحة والمال، وهو ما يقارب قول الرسول الكريم "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج".

 

 

وبعد بتاح حتب بمئات السنين جاء الحكيم المصري القديم اني لينصح ابنه (اتخذ لك زوجة وأنت شاب، وعلمها كيف تكون إنسانة) وكان الرجل لزوجته (سي "مثل سي السيد")، وهي نبت بر "ست الدار"، لكن الأجمل أنه كان لها "سن" أي أخًا وهي "سنت" أي أختًا، وهو ما يشابه ما تقوم به السيدات حتى الآن في حارتنا المصرية حين تبكي زوجها فتقول يا حبيبي يا خويا، وهو ما يفسره البعض بأن عاطفة الأخوة تبقى بلا انقطاع ولا ترتبط بعلاقة مادية، ولدينا نموذج لهذا التعبير في إحدى برديات متحف لندن.

 

 

يبدأ الشاب عملية البحث عن شريكة للحياة، وهنا- وكعادة المجتمع- تكون إما من بين الأقارب أو من الحي أو من معارف الأسرة، أو فتاة يكون مرتبطًا بها، وتمدنا المصادر المصرية بالعديد من نماذج الزواج، حيث يصلنا من منطقة الحيبة بمصر الوسطى وثيقة تتحدث عن زواج فتاة صغيرة في سن الثالثة عشرة من أحد أقاربها، وبعد انتهاء إجراءات العرس طلبت الفتاة أن يتركوها يومًا في بيت أبيها لأنها تواعدت مع شقيقاتها أن يلعبن سويا في اليوم التالي.

 

 

أما عن زواج الحب فقد وصلتنا نماذج عديدة لشباب وفتيات يتحدثون عن قصص الحب، حيث يقول بعضهم إنه سيتخطى كل الصعاب ولو كانت مميتة حتى يصل إلى محبوبته.

 

 

ويمدنا الراحل العظيم الدكتور عبد العزيز صالح بترجمة لبعض نماذج الغزل من فتاة إلى حبيبها، حيث تقول:

 

زال البعاد أبدا ما أفارقك   وايدي في ايدك دائما معاك

اروح واجي دائما اصاحبك    في كل سكة على هواك

 

وأخرى تشبه الراحلة شادية في أغنية مين قالك حين قالت ييجي ابويا يعوز فنجان قهوة أعمله شاي وأديه لامي، حيث تقول الفتاة المصرية القديمة:

 

افتكر قلبي هواك            وانا اسرح نص شعري

جيت اشوفك وعد بدري        ونسيت انا نص شعري

 

وكانت بعض الفتيات يصررن على الحبيب ويتحججن لرؤيته ويستنجدن بأمهاتهن لإقناع الأب، وفي المقابل كان الفتى يتغزل في محبوبته، ويفعل كل شيء من اجل الفوز بها، حيث يشير أحدهم إلى أنه سيحرق ويدمر كل شيء إن تركته حبيبته.

 

 

يتقدم الشاب لخطبة الفتاة ويكون الأمر بيد أبيها الذي يضع الشروط لزواج ابنته، على الرغم من أن ديودور الصقلي أشار إلى أن المرأة المصرية كانت تملك حق أن تخطب لنفسها.

 

 

يبدأ التحضير لعقد القران المدني، الذي يتضمن ما يعرف بـ"عق ار بر" أي ما قبل دخول الدار وهو ما يشبه الآن القائمة المعروفة في مجتمعنا، وفيها يتعهد الزوج بتقديم كل شيء لزوجته، والجميل أن هناك في القائمة بعض البنود التي ينبغي على الزوج دفعها سنويا مثل باروكات الشعر لزوجته، والعطور المختلفة.

 

 

يتم بعد ذلك الاتفاق على الصداق المسمى بينهما، وهو مبلغ يقوم الزوج بتقديمه إلى زوجته، ومن عهد بسماتيك الثاني في الأسرة السادسة والعشرين منتصف القرن السادس قبل الميلاد يتعهد الرجل بدفع 2 دبن "وزنة" من الفضة، و30 كرا "مكيال" من الحنطة.

 

 

أما بنود عقد الزواج فتكون:

 

إنه في يوم ------- من الشهر ------- من فصل ------- السنة ------- من حكم الملك

فلان "اسم الزوج" ابن فلان ابن فلانة وصنعته وفلانة "اسم الزوجة" ابنة فلان وابنة فلانة 

 

يقول الزوج: لقد اتخذتك زوجة، وللأطفال الذين تلدينهم لي كل ما أملك، كل ما تلدينهم من أطفال هم أطفالي، ولن يكون في مقدوري أن أسلب منهم أي شيء مطلقا لأعطيه لابن آخر، أو إلى أي شخص في الدنيا.

 

أعطت العقود كذلك- كما هو معروف الآن- الحق للزوجة في وضع بعض الشروط، أن تطلق إن أساء الزوج معاملتها، أو خانها أو تزوج من غيرها دون علمها.

 

 

بعد إتمام العقد الذي يشهد عليه أقارب من الطرفين تنتقل الفتاة إلى بيت زوجها لتنعم بالحياة معه، ولتبدأ تكوين أسرة، وأهم ما فيها هو إنجاب الأطفال وهو ما سنتناوله في اللقاء القادم إن شاء الله.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز