عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية قبيلة "حبشت" العربية وبلاد الحبشة

د. إسماعيل حامد اسماعيل
د. إسماعيل حامد اسماعيل

ربطت الصلات بين شعوب وقبائل شبه الجزيرة العربية، وشعوب شرق إفريقيا، لا سيما مصر وبلاد حوض النيل، منذ أقدم العصور، فكانت وشائج العلاقات متواصلة، ولم تكد تنقطع منذ ما قبل ظهور الإسلام في بلاد العرب.



 

ويمكن القول بأن هجرات القبائل والبطون العربية إلى مناطق شر

 إفريقيا أو الساحل الغربي للبحر الأحمر إلى عصور موغلة في القدم، وربما تصل- في رأي الكثيرين- لحوالي القرن العاشر قبل الميلاد.

 

وتعتبر هجرات العرب القادمين من المناطق الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، وتحديدا من بلاد اليمن؛ من أقدم الهجرات العربية إلى مناطق شرق إفريقيا، ولعل من أبرز تلك الهجرات تلك التي قامت بها جماعات وبطون من قبيلة حبشت العربية إلى أراضي إثيوبيا.

 

هجرات قبيلة "حِبشِتْ":

 

ترجع تسميةُ بلاد "الحبشة"- فيما يتفق فيه أكثر المؤرخين- نسبة إلى إحدى القبائل العربية التي كانت قد هاجرت من بلاد اليمن خلال القرون الميلادية المبكرة، أي قبل ظهور دعوة الإسلام مع بدايات القرن السابع الميلادي بعدة قرون، وكان اسمها قبيلة "حبشت" اليمنية.

 

والهجرة إلى بلاد الحبشة كانت أمرًا ميسورًا للقبائل العربية منذ ما قبل ظهور الدعوة الإسلامية، بفضل تقارب سواحل بلاد اليمن وسواحل إفريقيا، لا سيما عند بوغاز (مضيق) باب المندب، وهو الذي يعتبر النقطة الأقرب بين الساحلين الشرقي والغربي للبحر الأحمر، فيما لا يزيد على 29 كيلومترًا.

 

وكانت قبيلةُ "حبشت" من أهم القبائل العربية التي هاجرت من "جزيرة العرب" إلى بلاد الحبشة، وقد ورد ذكر القبيلة في عدد من النقوش اليمنية القديمة، حيث ورد لفظ "حبش" في بعض النقوش اليمنية بهذه الصيغ: "حبشت"، وكذلك "ملك حبشتن"، وكذا ورد الاسم: "مصور أحبشن"، وكان يُقصد بها: القواد من بلاد الحبشة.. إلخ، وغير ذلك من الأشكال اللغوية.

 

 

خريطة توضح موقع إثيوبيا وحدودها الحالية

 

ومما يؤيد أصالة عروبة "بلاد الحبشة" منذ أقدم العصور التاريخية؛ أن "الموسوعة البريطانية" Encyclopedia Britanica تذكر أن سكان بلاد الحبشة كانوا- في الأصل- من المهاجرين العرب القادمين إليها من شبه جزيرة العرب، ولعل في ذلك إشارة واضحة لقبيلة "حبشت" العربية.

 

استقرار عرب حبشت في أرض الحبشة:

 

تذهب بعضُ الفرضيات والآراء من طرف عدد من المتخصصين إلى أن قبيلة "حبشت" العربية، وفروعها، كانت تسكن عند مناطق الساحل، ويُعتقد- فيما يرى البعضُ- أن أفراد هذه القبيلة اتخذوا في هجرتهم ذلك الطريق البحري الذي كان يصل بين كل من "خليج مصوع" و"هضاب بلاد الحبشة"، ثم إنهم اتجهوا صوب مناطق الجنوب بعد ذلك، ثم مروا بأراضي مملكة أكسوم، ونكازه، ثم استقرت جماعات قبيلة "حبشت" بعدئذ في المناطق الشمالية من أراضي بلاد الحبشة.

 

ومن ناحية أُخرى، فإن مادة "حبش" (ح– ب– ش) باللغة العربية تدل على الجمع، والتحالف، ومن هذه المادة ظهرت العديد من الألفاظ العربية الذائعة بين المُتكلمين بلغة الضاد، مثل كلمة: "حباشة"، وهو سوقٌ من أسواق العرب القديمة "أيام الجاهلية"، ومن أسماء الأعلام العربية: "حبشي"، و"حبيش"، وكذلك "الأحابيش"، وهم قوم من قريش، أو من رقيق (عبيد) مكة الذين تحالفوا، فأطلقت عليهم تلك التسمية.

 

وعن لفظ "حبش" يقول أبوبكر الرازي في كتابه "مختار الصحاح": "حبش: الحبش والحبشة (بفتحتين فيهما)، جنسٌ من السودان، والجمع حبشان..". ومن تفسيرات لفظ "الحبش": حيث قيل هم الجماعة أيا كان (أي أحباش أو غير أحباش)، لأنهم إذا تجمعوا، اسودوا.

 

ويذكر اللُغوي ابنُ منظور في كتابه الموسوم "لسان العرب": أن بعض الأحياء بأرض مكة كانوا قد سموا "الأحابيش"، وقد قيل إنها لما سميت بذلك الاسم من قبل تجمعها، صار "التحبيش" في كلام العرب يُقصد به "التجميع". ولما سكنت قبيلة "حبشت"، وبطونها في مناطق شمال بلاد الحبشة على أي حال، نُسب تلك المناطق الشمالية لهم، ومن ثم سُميت بهم، ومن ثم أطلق العربُ اسم "الحبشة" على كافة أراضي هذه البلاد، ومنها أخذ المؤرخون اللاتين بعد ذلك تلك التسمية العربية الأصل، وأطلقوا عليها Land of Abyssinia، أي: (بلاد الحبشة) أو (أرض الحبشة).

 

ومن اللافت أن عددًا ليس بالقليل من المؤرخين الأفارقة ينسبون تأسيس مملكة أكسوم الحبشية إلى إحدى القبائل العربية، ولعلها هي ذاتها قبيلة "حبشت"، وعن ذلك الأمر يذكر المؤرخ "ساهيد أديجوموبي" في كتابه المعروف "تاريخ إثيوبيا" أنه في خلال القرن الثاني الميلادي قام أحد الشعوب السامية التي كانت قد هاجرت من "جزيرة العرب"، وهو ما يعني تأكيد أنهم شعب من أصول عربية، بتأسيس "مملكة أكسوم" في بلاد الحبشة.

 

ويرى المؤلفُ أن ذلك يشير إلى الدور الكبير الذي قامت به القبائل والبطون العربية في بلاد الحبشة منذ أقدم العصور التاريخية، ولعل ذلك يفسر بشكل أو بآخر محاولات ملوك "الأسرة السليمانية" بعد ذلك للتأكيد- بشكل يبدو مبالغ فيه- أن نسل ملوك بلاد الحبشة القدامى يرجع إلى ملوك "مملكة إسرائيل" القديمة، وأنهم من نسل منليك بن سليمان ملك إسرائيل، ولا ريب أن الغاية القصوى من ذلك تهدف إلى إبعاد أي علاقة تربط بلادهم بالقبائل العربية، ومن ثم محو الوجود العربي من بلاد الحبشة بسبب تعصبهم الديني الشديد.

 

ومما يؤكد انتشار العروبة منذ أقدم العصور في بلاد الحبشة، من خلال ما ورد عن قصة "ملكة سبأ" الواردة في العديد من روايات الكتب المقدسة، فهي ملكة سبأ كما توصف في كل من القرآن الكريم والتوراة، أي أنها كانت ملكة عربية الأصل، إلا أن ملوك "الأسرة السليمانية" التي تأسست في النصف الثاني من القرن 7هـ/13م، ومن جاء بعدهم من الملوك حتى العصر الحديث، زيفوا فيما يبدو التاريخ، وادعوا أنها كانت ملكة حبشية وليست عربية، ودعوها باسم ماكيدا، أو ماقدة.

 

ولا شك أن هذا أمرٌ غير صحيح بالطبع، حيث إن روايات الكُتب المُقدسة تصفها بأنها ملكةٌ عربيةٌ، وأنها كانت ملكة بلاد سبأ، وهي تلك المملكة العربية التي تأسست في "أرض اليمن"، وقد كان ذلك قبل قيام أقدم الممالك الحبشية على الإطلاق، وهي التي تُعرف بـ"مملكة أكسوم"، وهو ما سوف نُلقي عليه مزيدًا من الضوء لاحقًا.

 

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز