عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية قبيلة "بلي" ودورها في تعريب حوض النيل الأوسط

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

أقام العرب العديد من الممالك العربية في شرق إفريقيا قبل الإسلام، وساهمت تلك الممالك في انتشار العادات والتقاليد العربية بين السكان الأفارقة المحليين، ومن أهم تلك الممالك "مملكة البليميين" العرب، أو مملكة البلو العربي نسبة لجماعات قبيلة بلي العربية، الذين هاجروا إلى هذه البلاد قبل الإسلام.



وتأسست هذه المملكةُ ذات الأصل العربي خلال حقبة زمنية غير محددة على وجه اليقين، وأصحاب هذه المملكة هم "البليميون"، بينما يُطلق عليهم بعضُ المؤرخين اسم: "البليمي"، وكذلك "البليميز" Blemmyes.. إلخ. 

 

ويُعتبر شعبُ "البليميين" أو "البليميز" حسب المصادر الإفرنجية (الغربية) من أكثر الشعوب القديمة التي سكنت مناطق غرب "البحر الأحمر" على الساحل الإفريقي، والتي يكتنف تاريخُها وأصلُها الكثير من الغُموض، ولا ريب أن ذلك يرجع لقلة ما تم الكشف عنه من الآثار الباقية عن تاريخ هذا الشعب الغامض، وكذلك لقلة ما أوردته المصادر العربية ذاتها عن هؤلاء "البليميين"، رغم أنهم كانوا يسكنون في الغالب شرق الأراضي المصرية في المنطقة الواقعة شمالي أراضي بلاد البجة. 

 

وعن هذه المملكة يقول الدكتور عبد المجيد عابدين: "ولاحظ عدد من الباحثين أن هنالك بعض أماكن على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر، أو قريبًا منه تحتفظ بأسمائها العربية الدالة على نظائر لها في بلاد العرب، مثل نجران التي كانت الاسم القديم لمملكة بلو في شرق السودان..". 

 

وتذكر المصادرُ القديمة لا سيما اليونانية والرومانية- من جانب آخر- أن سكان بلاد البجة كانوا يُعرفون باسم "البَلّيميين"، وهو ما يشير لقدم وجودهم في هذه البلاد، ومن ذلك يشير الجُغرافي والمؤرخ "استرابون" Strabo، وهو الذي عاش ما بين أواخر القرن الأول قبل الميلاد والنصف الأول من القرن الأول الميلادي، إلى أن شعب "البليميين" كانوا يسكنون الضفة الشرقية لـ"نهر النيل" جنوبي منطقة "الجندل الأول" (أي: الشلال الأول حسب البعض)، وتمتد أراضيهم شرقًا إلى سواحل "البحر الأحمر"، وهو ما يعني أن هؤلاء "البليميين" كانوا يسكنون في المنطقة الصحراوية الواقعة شرق أسوان، وتحديدًا في جنوب شرق الأراضي المصرية فيما بين الساحل الشرقي لـ"نهر النيل"، والساحل الغربي الخاص بـ"البحر الأحمر".

 شعب البليميين العرب:

اختلفت الآراءُ وكذلك الرُواياتُ بشكل واضح حول أصل شعب "البليميين"، ونسبهم القديم، ومن أي البلاد جاؤوا إلى أرض البجة في الأصل، ومن الراجع- فيما يرى المؤلفُ- أن تسمية "البليميين" لم تكن تُطلق على كافة السكان القاطنين في بلاد البجة، وهذا أمر معلوم لا جدال فيه، وإنما كانت هذه التسمية تُطلق على جماعات معينة من قبائل البجاة فحسب، خاصةً من كان يقطُن منهم قرب التخوم المصرية الشرقية، وعلى هذا فإن البليميين هم الذين كانوا يسيطرون في الغالب على مناجم الذهب والزمرد الواقعة في الصحراء الشرقية. 

وبحسب بعض الروايات السودانية المحلية يعتقد أن البليميين أو شعب البلو (أو البليون) هم قوم من العرب هاجروا من شبه الجزيرة العربية إلى أراضي حوض النيل الأوسط (أو سودان وادي النيل) قبل الفتوحات الإسلامية. 

 

ويرى البعضُ أن شعب "البلو" أو "البليين" أو "البليميين" الذي أسسوا "مملكة البلو"- بحسب ما ورد في بعض الروايات- هم في الأصل جماعات من المُهاجرين العرب الذين هاجروا إلى بعض مناطق شرق إفريقيا، وسودان وادي النيل منذ ما قبل الإسلام، بينما يشير البعضُ الآخر ومنهم الدكتور عبد المنعم أبو بكر، إلى أن "البليميين" (أو البليمي) ظهروا تقريبًا أواخر القرن الأول الميلادي. 

 

وربما قبل ذلك وأنه لا يُعرف على وجه التحقيق العرق الإثني الذي ينتسب إليه هؤلاء "البليميون"، حيث يعتقد البعضُ أنهم من أصول زنجية قديمة، وأنهم كانوا يقطنون المنطقة التي تقع بالقرب من النيل الأزرق Blue Nile والنيل الأبيض White Nile، ثم رحل بعد ذلك المهاجرون البليميون إلى بلاد البجة. 

 

ومن جانب آخر فإن شعب "البليميين"- فيما يذهب المستشرق المتخصص في "الدراسات السودانية"، "هارولد ماكمايكل" Macmichael Harold- كانوا على ما يبدو أحد الفروع من قبائل البجة (أو البجاة) الذين كانوا قد استقروا بالقرب من ضفاف نهر النيل، ثم هجر هؤلاء "البليميون" فيما يبدو حياة البداوة، ومن ثم صارت مظاهر حياتهم أكثر مدنية من أندادهم من كافة قبـائل وبطون البجاة. 

 

ولم يعطنا هذا الرأي الكثير فيما يخص أصل هذا الشعب، ونسبه الأول، وهل كانوا من هذه البلاد في الأصل، أم أنهم هاجروا إليها قادمين من منطقة أخرى. 

 

بينما يرى المؤلفُ أن شعب "البليميين" في الأصل، كانوا في الغالب من بين الجماعات العربية القديمة ممن كانت تسكن شبه "جزيرة العرب"، ثم هاجرت جماعات "البليميين" بسبب ظروف معينة، وفي الغالب كانت تلك الهجرات العربية التي قاموا بها بعد كارثة انهيار "سد مأرب" الذي تسبب في نزوح العديد من القبائل والبطون العربية من بلاد اليمن إلى خارجها، لا سيما صوب سواحل شرق إفريقيا، أي أنهم هاجروا تقريبًا بعد القرن الخامس قبل الميلاد، أو ربما تم ذلك خلال القرون المتأخرة قبل ميلاد المسيح، ثم اتجه أجداد "البليميين" إلى سواحل شرق إفريقيا "البحر الأحمر". 

 

ومن المؤكد أن أجداد شعب "البليميين" كانوا تحديدًا من جماعات وبطون "قبيلة بلي" العربية المعروفة، وهي القبيلة التي كانت تسكن على الساحل الشرقي للبحر الأحمر شمال غرب "جزيرة العرب، وبالقرب من أراضي قبيلة جهينة العربية، وكلاهما- أي عرب بلي والجهنيين- بنو عمومة، وكلاهما يعتبر من البطون القُضاعية العربية. 

 

ولعل ذلك الرابط بينهما يبدو- بشكل أو بآخر- من خلال التشابه الواضح بين كل من اسم "بلي" و"البليميين" أو "البليمي" أو "البلو" وهو اسم المملكة، لا سيما إذا حاولنا أن نجمع اسم (بلي)، أو أفراد هذه القبيلة، فنقول: (البلويين)، وعلى هذا فأمر التشابه اللُغوي بين هذين الاسمين يبدو واضحًا بشكل من الصعب إنكاره، وهو ما تؤيده أدلة وبراهين أخرى سنوردها بعد ذلك. 

 

وربما توجد ثمة علاقة ما تربط ما بين اسم "مملكة بالي" أو "مملكة بلي" من جانب، وبطون وجماعات "قبيلة بلي" العربية (أو عرب بلي) من جانب آخر، إذ إن التقارب اللفظي بين الكلمتين يبدو واضحًا جدًا لكل ذي بصيرة ولُب، وعلى أي حال فمن المعروف أن "مملكة بالي" (أو مملكة بلي بحسب البعض) هي إحدى ممالك "بلاد الزيلع" (أو ممالك الطراز الإسلامي) السبع، وهي الممالك التي تحدثنا عنها من قبل. وعلى أي حال فمن غير المُستبعد أن يكون سكان مملكة بالي (بلي) أو بعضهم على الأقل، ينتسبون لإحدى بطون قبيلة بلي العربية. 

 

وعن ذلك الربط بين كل من شعب "البليميين" من جانب وقبيلة بلي العربية أو أحد بطونها من جانب آخر، يشير البعضُ إلى أن "اللغة العربية" تُعرف عند شعب "الهدندوة" وغيرهم من الشعوب القاطنين في بلاد البجة- حيث عاش هؤلاء البليميون– تُعرف باسم "البلوية"، وهو ما يؤكد نسبة اسم "البليميين" لقبيلة بلي العربية التي هاجرت بطون منها من بلاد اليمن بأعداد تبدو كبيرة إلى غرب سواحل "البحر الأحمر" قبل الإسلام. 

 

وفي ذات الشأن يقول أحد الباحثين: "ويروي أحد أفراد قبيلة الأمرار في تاريخ البجة أن البلوية هي اللغة العربية، والبجاوية هي لغة البجة، فإذا سألت أحد أفراد البجة: أتعرف العربية، أجابك: بلويت (أي اللغة البلوية) ككان، أي لا أعرف العربية.."، وهو رأي آخر معتبر يؤيد بقوة فكرة الربط بين كل من شعب البليميين وقبيلة بلي العربية.

 

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز