عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية بلاد النوبة

د إبراهيم محمد مرجونة
د إبراهيم محمد مرجونة

على ضفاف نهر النيل الخالد، وإلى الجنوب من مدينة أسوان  تقع منطقة النوبة، أو أرض الذهب كما أطلق عليها القدماء منذ ألاف السنين، بكل ما فيها من وجوه سمراء باسمة، طيبة، يشبهون النيل في كرمه وسخائه‏.‏



ظلت النوبة تلعب دورها الحضاري والسياسي والاجتماعي والديني في منطقة النيل الأوسط منذ أقدم العصور التاريخية، والتي تمتد إلى أكثر من خمسة آلاف عام قبل الميلاد، إلى أن قامت مملكة عرفت بمملكة "نبتة"، نسبة إلى عاصمتها مدينة "نبتا" بالقرب من مدينة دنقلة الحالية، والتي أصبحت لها شخصية قوية ذات كيان سياسي وعسكري واقتصادي في وادي النيل منذ نهاية القرن التاسع، وبداية القرن الثامن قبل الميلاد، وأصبحت لها قوة عسكرية ضاربة بفضل زعمائها، مثل ملك "الأرار" ثم الملك كاشتا، ثم الملك بعنخى، والأخير هو أقوى ملوك النوبة، ومؤسسها الحقيقي الذي عمل على توحيدها بعدما كانت عبارة عن إقطاعيات.

 

 

إِنَّ مصدر تسمية النوبيين بهذا الاسم يرجع إلى جدهم "نوبي بن قفط بن معد بن بيصر بن حام بن نوح"، وأرجع ابن خلدون التسمية إلى أَنَّ النوبيين ولد "نوابه" أو "نوي بن كوش بن كنعان بن حام"، واجتهد آخرون بقولهم أَنَّ كلمة نوبة انحدرت من الكلمة القبطية (notpt) وهي تعني (يظفر)، أي الشعب ذو الشعر المظفر، أو الشعب ذو الشعر المجعد، وهناك رأي آخر يرى أَنَّ مصدر التسمية يعود إلى كلمة (نوب)، وتعني في اللّغة النوبية الفكر، أي تخليص المادة من الشوائب وتنعيمها، ويعني ذلك استنادًا إلى هذا الرأي التخلص من الرذائل والأعمال الإجرامية.

 

وقد مَرَّ لفظ النوبة بعدّة مراحل تاريخية:

1-    نب، نوب، في عهد الأسرة الثانية عشرة (1991-1783 ق.م). 2-    نباتا، في عهد الأسرة الخامسة عشرة (715-663 ق.م).

3-    نوباتا، نوباديا، نحو عام (530م).

4-    النوبة، نحو عام (21ه/652م).     

 

ومِمَّا سبق يتضح لنا أَنَّ اسم النوبة مَرَّ بعدّة مراحل حتّى وصل لنا في النهاية إلى صيغته الحالية، والآن لم يبقَ من اسم النوبة غير منطقة المرتفعات التي تقع في الجنوب من كردفان، التي تعرف الآن باسم جبال النوبا.

 

والنوبة بلاد واسعة تقع جنوب مصر على ضفتي نهر النيل حتّى أواسط بلاد السودان، وهذا الوصف الجغرافي، لا سِيَّمَا من جهة الشمال يشير إليه كُلّ من الاصطخري (ت346ه)، والمسعودي (ت346ه)، وأبو الفداء (ت732ه) من أَنَّ بلاد النوبة تبدأ عند نهاية أَرض مصر، وأَنَّهُ لا توجد حدود فاصلة بين البلدين، بل إِنَّهما يتصلان عند أسوان المصرية وبلدة مريس النوبية، لكن اليعقوبي (ت284ه)، والقلقشندي (ت821ه) ذهبا إلى غير ذلك، إذ يريان أَنَّ بين البلدين مسافة فاصلة من البراري الممتدة، وهناك من ذكر مسافتها بأربعة أميال وهناك من ذكرها بخمسة، أَمّا المقريزي فقد حددها بمسافة ميل واحد، ويبدو أَنَّه الأقرب إلى الواقع بدليل ما ذكره المؤرخون العرب من قربها من مصر.

 

أَمّا من ناحية الجنوب فإِنَّ بلاد النوبة تتصل بالحبشة عند بلدة تسمى طبلي، واستنادًا إلى هذا فإِنَّ بلاد النوبة هي أوّل بلاد الحبشة.

 

 

أَمّا من ناحية الغرب فقد توسع القلقشندي وجعله يمتد مدة أَرض برقة والبربر إلى البحر الأحمر، ويبدو أَنَّ هذا التحديد لجهة الغرب بعيدًا عن الواقع، لا سِيَّمَا أَنَّ القلقشندي جعل الحَدّ الغربي حدًا جنوبيًا.

 

أَمّا من جهة الشرق فتحد بلاد النوبة "البجة"، لكن القلقشندي عَدَّ بلاد البجة جزء من بلاد النوبة، عندما ذهب إلى الحَدّ الشرقي لبلاد النوبة وهو البحر الأحمر، ويبدو أَنَّ الاختلافات الحاصلة في تحديد الحدود يرجع إلى كثرة انحناءات النيل في بلاد النوبة، والتي تجعل من يتبعها سيرًا على الأقدام كفيلاً بظهور مثل هذه الالتباسات والاختلافات بين الجغرافيين والمؤرخين.

 

 

وقسّمَ الجغرافيون بلاد النوبة على ثلاثة أقسام، وهي: وادي النوبة العليا، ووادي النوبة الوسطى، ووادي النوبة السفلى، أَمّا وادي النوبة العليا فيمتد من منطقة التقاء النيلين الأبيض والأزرق إلى دنقلة.

 

 

وتبتعد حافة الوادي أَحيانًا قليلة، مِمَّا يجعله متسعًا، وتصبح لَهُ صفة الحوض التي تغمر بعض أجزاءه خلال أيام الفيضان، ويتمثل ذلك الجزء الذي يقع فيما وراء شندي، وكذلك الجزء الذي يمتد إلى وراء الجانب الأيسر من النهر الذي يتسع فيه الوادي على أحد الجانبين، مركز تجمع السكان، والذين تساعدهم البيئة الطبيعية على مباشرة الزراعة، معتمدين على مياه النهر.

 

 

أمّا أحوال المناخ في النوبة العليا من موقع الإقليم فهو جاف صحراوي، تتضاءل فيه كميات الأمطار النوبية إلى حَدّ كبير، وتتساقط تلك الكمية المحدودة في أشهر الصيف، وهي أشهر ترتفع فيها الحرارة بشكل ملحوظ، وتسود فيها رياح جنوبية ساخنة، وتلك الكميات المحدودة من المطر لا تؤثر في حياة السكان ونشاطهم إِلَّا في حدود ضيقة، لكنها مع ذلك تتجمع في بطون الأودية الجافة والأخوار، وتسيل باتجاه الأودية من الصحراء التي تشرف على الجانبين، فتبعث بعض النشاط في بطون تلك الأودية.

 

أَمّا وادي النوبة الوسطى فيمتد من دنقلة إلى حلفا، ويتصف ذلك الإقليم بضيق الأودية وكثرة ما يعترض مجرى النهر من جنادل، مِمَّا يقلل من القيّمة الإنتاجية للإقليم.

 

 

ولما كانَ الشريط على جانبي النيل ضيقًا ومرتفعًا عن مستوى النهر، فضلًا عن قلة الأمطار في وادي النوبة الشمالي، فقد أدى إلى قسوة الأحوال الطبيعية في ذلك الإقليم.

 

 

أَمّا وادي النوبة السفلى فيعدّ من المناطق الطاردة سكانيًا، لأَنَّ نهر النيل يبدو فيه منحصرًا في بعض المواضع، تبدو وكأنَّها عمودين يشرفان على النهر مباشرة، مع وجود بعض الثغرات من الجانبين الشرقي والغربي.

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز