عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية السلطان سُّوني القائد العسكري الإفريقي

د. إسماعيل حامد اسماعيل
د. إسماعيل حامد اسماعيل

يعد السلطان سُّوني علي، أو سُّني علي، من أشهر سلاطين غرب إفريقيا في العصر الإسلامي، وتذكر المصادرُ التاريخية اسم هذا السلطان أيضًا (سن علي)، ويعني اسم (سني) باللغة المحلية: (الخليفة)، وقد حكم في الفترة (869-898هـ/ 1464-1492م)، وهو من أبرز ملوك المرحلة الأولى من تاريخ سلطنة صنغي، ويُمثل حالة خاصة بين ملوك السودان الغربي، لا سيما مع وجود تناقضات جمة تكتنف عصره، حسب ما ورد في الروايات، كما تحدثت عن شخصيته السياسية والعسكرية. 



وتشير المصادر الإفريقية المحلية إلى أنه حاكم ذو قوة عظيمة، ورغم ذلـك يُوصف بأنه كان ظالمًا مستبدًا بالرعية، وكان يُكثر من قتل الأبرياء، وفي هذا الصدد يذكر عبد الرحمن السعدي (1026هـ) في روايته عن السلطان سني علي: "أما الظالم الأكبر سن علي، فإنه كان ذا قوة عظيمة، ومتنة جسيمة، ظالمًا، فاسقا، متعديًا، متسلطًا، سفاكًا للدماء، قتل من الخلق ما لا يُحصيه إلا الله تعالى..". 

 

 

وقد شهدت أيام السلطان "سني علي" حدوث ما يُشبه الثورة ضد سياسته، قادها علماء "سلطنة صنغي"، خاصة مع عدم ميل السلطان سني علي إلى الإسلام، ولهذا يرى "ترمنجهام" Trimingham أن سني علي لم يكن بحاجة للإسلام خلال فترة حكمه، رغم أنه دين الشعب الذي يحكمه. 

 

 

ويبدو أن صورة السلطان سني علي لم تكن بذلـك السوء كما تُصوره العديد من المصادر المحلية، لا سيما أنها كانت في الغالب كتابات مُتأخرة لمؤرخين كانوا يكيدون له من الخصوم والأعداء، ولعل هذا التحالف في الغالب بين العلماء والفقهاء من ناحية والجنود من ناحية أخرى كان العامل الرئيس في تحويل قوة مملكة صنغي السياسية من حكم مُستبد إلى حكم يميل إلى العقيدة الإسلامية. 

 

 

وقد تشكل في سلطنة صنغي في ذلك الوقت طبقة ذات نفوذ تضم العلماء والتجار وأعوانهم، بجانب قادة الجيش، وهي التي ستمثل الركيزة الأساسية نحو إضعاف حكم السلطان سني علي، لا سيما بعد وقوع التمرد ضده منذ سنة 899هـ/ 1493م.

 

 

وإذا أردنا أن نفهم ظهور ذلك التمرد ضده، فإنه يجب علينا أن نضع في الحسبان أن حكم سني علي اتصف بعدم ملاءمة سياسته العسكرية في التعامل مع قوى المجتمع الإسلامي، وأفكاره الجديدة، على الرغم من الفترة المبكرة في حكمه التي كانت عبارة عن اتحاد قوى، إلا أنه انهار وانتهى في عام 885هـ/ 1480م نتيجة الانقسام بين القوى الموجودة في مناطق الشمال الغربي، حيث كان التأثير الإسلامي قد تطور بشكل فعال ومؤثر في هذه المنطقة.

 

 

لا سيما أن السلطان سني علي كان قد سمح بوجود العبادات الوثنية التي كان قد هجرها أكثر شعبه، وهو ما أغضب الناس منه، وأسخطهم عليه، وهذا رغم أنه كان مسلمًا كما يبدو في الظاهر، وكان يصوم شهر رمضان، كما كان يدفع الأموال من أجل بناء المساجد في بلاده. 

 

 

ولعل هذا الخليط العقائدي يكشف عن ظهور دين ذي طابع خاص، يعتبره البعض سمة مميزة للمجتمعات الإسلامية في بلاد غرب إفريقيا.

 

 

وعن نظرة الناس للسلطان سني علي، يقول المؤرخ (الإفريقي) س. م. سيسيوكو: "صادف سني علي صعوبات كبيرة من جانب الأرستقراطية المسلمة، لا سيما في تمبكتو التي صورها علماؤها للخلف بعد قرنين من الزمن في صورة ملك قاس وطاغية فاسق.. فقد كانت أسباب معارضته للعلماء من رجال الدين أسبابًا سياسية وأيديولوجية، إذ كان سني علي بحكم تربيته في بلده الأم ألفارو مسلمًا لم يُحسن إسلامه، حيث لم يهجر يومًا العبادات التقليدية لصنغي، أما رجال الدين فكانوا لا يكفون عن انتقاد سني علي. 

 

 

وقد انضم كثيرٌ منهم للطوارق الذين كان سني علي يحاربهم آنذاك، وكان سني علي فوق كل شيء رمزا للثقافة الصنغية التقليدية، أمام القوى الجديدة. 

 

 

وعلى كل حال كان الإسلام في حالة ازدياد طبقًا للعديد من الظروف الاقتصادية والسياسية المواتية، ومع توسع ملوك مالي في دلتا نهر النيجر خلال أواخر سنة 679هـ/ 1280م، وإقبال التجار عليها أو بمعنى آخر نحن أمام مدن إسلامية جديدة مثل مدن: جني، وجاو، وتمبكتو التي جذبت تجارًا ومعلمين أغلبهم من أصل ماندنجو، ورغم أن مجيئهم أحدث تناقضًا، إلا أنه أحدث أيضًا أثرًا مع عناصر الوطنيين من التُجار والمعلمين، وتسبب في تحولاتٍ عقائدية جديدة.

 

 

ثم ارتقى السلطان سني بارو (898-899هـ) سُدة العرش في مملكة صنغي بعد موت أبيه سني علي (حكم حوالي 28 سنة)، وكان "سني بار" يُدعى السلطان أبو بكر، وكانت كنيته التي اشتهر بها سني بارو، ولم يدم حكمه طويلًا، حيث حكم سنة واحدة. 

 

 

وكان ارتقاء السلطان الجديد لعرش السلطنة وسط أجواء حادة ومضطربة من المعارضة، خاصةً من جانب أحد كبار قائد الجيش المدعو محمد طوري، وهو ذاته الذي سوف يشتهر باسم السلطان أسكيا محمد بعد ذلك، لا سيما بعد أن رفض السلطان الجديد سني بار أن يعتنق الدين الإسلامي، وهو ما أشعل الموقف في أرجاء البلاد آنذاك. 

 

 

وبحسب المصادر فإن المجابهة بدأت تحتد بعد أن أظهر "طوري" ميله إلى الإسلام أكثر من السلطان، وأدى ذلك لحدوث كثير من مظاهر التمرد والعصيان ضده، وبعد حرب فاشلة سنة 899هـ/ 1493م هزم قائد الجيش محمد طوري الموالين للسلطان في معركة حربية اشتهرت في المصادر التاريخية باسم "أنافو"، وهي منطقة تقع بالقرب من مدينة "جاو"، سنة 898هـ /1493م.

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز