عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
التشرد والإبداع.. وقفُ أطفال الشوارع

التشرد والإبداع.. وقفُ أطفال الشوارع

استيقظ داخلي ذلك الشعور بالحزن تجاه أطفال الشوارع مرة أخرى بعد أكثر من ربع قرن من اهتمامي بالظاهرة.



كنت معجباً للغاية بصديقي الحبيب د. علاء أحمد حمروش، الذي كان رئيساً للمركز القومي للطفل في تسعينيات القرن الماضي، والذي عملت معه مستشاراً للمسرح في لجنة استشارية تشرفت آنذاك بعضويتها.

وكانت تضم كلا من الكاتب الكبير يعقوب الشاروني، والفنان التشكيلي عادل البطراوي، والمخرج السينمائي الكبير علي بدرخان. 

كان علاء حمروش حالماً ومحباً للحياة، وكان يعمل بكل جهده وطاقته، ووضعني بشكل صادم أمام مثقف مصري نادر كان صديقه الشخصي، د. أحمد رزة، رحمهما الله رحمة واسعة.

وبينما كنت مستمتعاً للغاية بعملي في مجال مسرح الأطفال آنذاك، وضعني د. أحمد رزة بشكل صادم أمام مشكلة أطفال الشوارع، وكان قد أنشأ لهم مؤسسة أهلية هي مؤسسة الأمل لأطفال الشوارع.

وكان قد أعطاني فيما بعد نسخة من كتاب الإعلامية بثينة كامل "أطفال الشوارع يتكلمون" الصادر عام 2000 عن مطبعة فتى النيل. 

أحدث الكتاب عندي رغبة عارمة في تحويله لعمل مسرحي لما في حواراته من صدق وعفوية وسخرية عميقة بطابع المأساة، أطلعتني الإعلامية بثينة كامل آنذاك على تسجيلات أخرى لم تنشرها صادمة ومذهلة، خاصة المتعلقة بالفتيات.

لم ترحب جهات الإنتاج المسرحي آنذاك بالفكرة، بينما ظللت أشرح أن مثل هذا العمل ظهر في إنجلترا عندما كانت إمبراطورية، ولم يسئ ذلك لها في رواية تشارلز ديكنز الشهيرة "أوليفر تويست" عام 1837، التي عرضت للشوارع الخلفية هناك ومأساة الطفولة المشردة، إلا أن الجميع تقريباً كان يمارس الإنكار نحو ظاهرة أطفال الشوارع.

وهي الظاهرة التي اعترفت بها الدولة المصرية الآن بوضوح، وتسعى لمواجهتها وحلها، وأسعدني جداً أنها أحد أهداف قانون صندوق الوقف الخيري.

بعض من الأدباء المصريين والعرب عرضوا لظاهرة الفرد الوحيد بلا عائلة، وعالجوا الظاهرة، منهم الكاتب المصري سعيد مكاوي، في روايته "تغريدة البجعة"، والكاتب خليل الجيزاوي، في "مواقيت الصمت".

ومن الأدباء العرب سردية "ذاكرة شرير" للكاتب السوداني منصور الصويم، وفي الشعر العربي مرثية الشاعر المغربي بن يونس ماجن عن أطفال الشوارع، ومن المغرب أيضاً أيقونة التشرد وأدب الاعتراف لمحمد شكري، الرواية الأشهر "الخبز الحافي".

كنت للتو قد أخرجت حفلاً لافتتاح حديقة الأطفال بالسيدة زينب، حديقة طفولة المثقف المصري، د. فوزي فهمي، صاحب فكرة إنشاء تلك الحديقة، والتي كان يتودد بها لطفولته وللطفل الذي كان، وقد حظي الحفل بكل اهتمام أرفع مستوى في الدولة المصرية آنذاك، لحصول الحديقة على جائزة أغاخان العالمية في العمارة. 

تخيلته مأوى لأطفال الشوارع وتملكني هوى الإبداع الرهيب وعشت بذلك الوسواس سنوات، عندما وقعت في حزن شديد بسبب التناقض بين بهجة الأطفال المعطرين، وتضامن أطفال الشوارع الذين يلتصقون ببعضهم البعض للحصول على الدفء في برد الشتاء، ثم غادرت العمل بمسرح الأطفال كنوع من الاحتجاج اللاشعوري بسبب منعي من تقديم مسرحية عنهم، بل تعرضت لشكوك وأسئلة من نوع: هل أنت يساري؟! أجبت لا أنا فنان.

الآن أشعر ببهجة خاصة بسبب الاعتراف بهم، وأثمن دعوة مجلس النواب لإقامة المدارس الداخلية لهم لتعليمهم القراءة والكتابة والصنائع، كما فعل محمد علي الكبير، وفي هذا الصدد أحرص على إضافة معلومة هامشية عن مدارس محمد علي لتعليم الصنائع لأبناء الشوارع، وهي أن بعضا من تلك الصنائع كانت الفنون التطبيقية والزخرفة، وقد برعوا فيها براعة كبيرة.

وعندي تفسير لذلك النبوغ في الفنون عندما ينهل من تجربة التشرد المبكر، فالطفل المشرد يضطر لأن يمارس الحياة بعقل الكبار وسلوكهم، وبخيال الأطفال البريء، ما يصنع ذاكرة انفعالية شديدة الخصوصية، عندما يكبر ويستقل ويتعلم.

إنهم قوة بشرية هائلة ننتظر دعمها وتنظيمها وتعليمها، كما فعل محمد علي الكبير، صاحب الخيال السياسي والإرادة القوية، ونأمل مع قانون الوقف اختفاء الظاهرة، وتحويلهم إلى قوة مضافة لقوة مصر المستقبل، مع كامل احترامي وتقديري للاعتراف بظاهرة أطفال الشوارع من الدولة المصرية، وبهجتي الخاصة التي تصالح ذاتي على جزء مؤلم من ذاكرتي المهنية، وأيضاً بعض من تشرد الفتى الذي كان.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز