عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
رقمنة الوجود.. نظرة فلسفية لوسائل التواصل الإجتماعي

رقمنة الوجود.. نظرة فلسفية لوسائل التواصل الإجتماعي

وجدتني بالتدريج وبعد مقاومة عقلية طويلة، أفقد ممانعتي الطويلة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأفصح عن مشاعري الخاصة عبرها، حتى باتت عادة يومية.



لاحظت أيضاً أنها لم تعد فقط وسيلة لنشر الأفكار العامة، بل وسيلة للتعبير عن المشاعر والأحاسيس والشؤون الشخصية، مثل إعلان الحب بين شخصين أو الزواج أو التعبير عن الغضب أو الحزن.

وبينما أطالع كتباً إلكترونية متنوعة، وقع بصري على كتاب هام يشرح الظاهرة من مفهوم جديد، بعيداً عن المفاهيم التقليدية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وهو كتاب د. عبد العالي معزوز "التقنية والاستلاب الثقافي"، الصادر في سبتمبر 2011 في بيروت عن مركز دراسات الوحدة العربية، وهو رؤية فلسفية معاصرة لعلاقة الإنسان بالتقنية، أو تطوير لأفكار الفلاسفة المحدثين عن علاقة الإنسان بالآلة والتكنولوجيا. 

في تأمل فلسفي لمسألة شبكة الإنترنت "الشبكة الدولية للمعلومات"، كنت أيضاً مندهشاً للغاية من استخدام تقنية "ماسنجر" التابعة لتطبيق فيس بوك في أمور غريبة، مثل التسول، والمضايقات، والنصب، والاحتيال، وانتحال صفة، وصوراً وأصواتاً مزيفة.

ذلك أن الواقع كله بخيره وشره قد أصبح متاحاً على تطبيقات التواصل الاجتماعي.

من الآراء الفلسفية المتداولة أن الإنسان المعاصر يعيش في عالم من الآلآت والأزرار التكنولوجية، إنه عالم محكوم بالتقنية.

إلا أن الرؤية الفلسفية للشبكة العنكبوتية الدولية "الإنترنت"، والتطبيقات المتعددة ترى التقنية من زاوية مختلفة، كطريقة للتعبير عن ظهور الوجود في الأزمنة الحديثة، وهو ظهور لا سابق له في التاريخ الإنساني.

ذلك أن التقنية المعاصرة تستدعي الوجود كي يسلم ما بجوفه من طاقة، ومما لا شك فيه أن الإنسان ليس في وضع خاص يمنعه من منح طاقته، وظهوره الوجودي المعاصر.

مساحة كبيرة من الإنسان المعاصر صارت ذات طابع رقمي متصل بالإنترنت، وفي ذلك يرى الفيلسوف الشهير هيدجر، أن التقنية سؤالاً فلسفياً قبل أن يكون مجرد سؤالاً علمياً، وهو يرفض الادعاء بأن الإنسان يحقق نفسه من خلال التقنية، وأنه يتحكم فيها، ويوجهها كما يريد، بينما يمكن ملاحظة عكس ذلك بشكل واضح، حيث تطمس التقنية المشاكل الحقيقية للإنسان، وتقدم البدائل والحلول الافتراضية لها. 

بينما يرى الفيلسوف الألماني المعاصر هامبراس، فى مسألة الإنترنت، وهو صاحب رؤى هامة في علم الاجتماع المعاصر، بأنه عبارة عن رقمنة للوجود، حتى لما هو خاص وحميم لدى الإنسان المعاصر، كما يراها مسألة أدت إلى هدم النظام الإعلامي الحديث، لأن الإنترنت حوله إلى نظام مركزي بما يشمله من بث وإرسال، وتلقي واستقبال.

ويلتقى هامبراس مع هيدجر فى أن التقنية لا يمكن اختزالها في مجرد وسائل اتصال، وأنها تمثل نهاية لعصر الأفكار الكبرى التي حكمت العالم الحديث، والتي أنهت الأساطير التي حكمت العالم القديم، لتصبح المجتمعات المعاصرة محكومة بفكرة كبيرة هي فكرة التقنية، وهي فكرة مسيطرة إلى الحد الذي يمكن معها اعتبار الإنسان المعاصر إنساناً تقنياً. 

ولذلك ورغم كل الدعم لضرورة انتشار الإنترنت، والذي أصبح واحداً من الاحتياجات الضرورية للإنسان، فربما من الضروري الانتباه إلى أننا في مصر أهل الدفء والمحبة والتواصل الحي، وأننا يجب أن نحذر جداً من رقمنة وجودنا الإنساني والبوح بكل خصوصيتنا الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعي، وإن عززت جائحة كورونا احتياجنا للتعبير عنها عبر تلك الوسائط. 

يجب أن نحذر كثيراً من فكرة أن تحولنا شبكة الإنترنت من بشر حقيقي إلى أشخاص افتراضيين.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز