عاجل
الخميس 2 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الكتاب الذهبي
البنك الاهلي

"قَتَــــلَة"

رسم: هبة عنايت
رسم: هبة عنايت

 "صندوق عجائب.. هكذا هى الحياة، بذات ما فى الحقيقة من معنى، بذات الغموض الذي يكتنف الحقائق"..



تخطّى عتبات الشقة إلى العالم؛ فالمواعيد عوالم خاصة لا تُظفر إلا بامتلاكها، مستعدًا للشغف وممتلئًا بالرغبة.

خطى حاملاً أوراقه، متأنقًا فى ملابس رسمية تليق بمقابلة عمل، يُعوّل عليها بدء خطوة أكبر فى طريق حياته، تحدٍ جديد فى تكوين المستقبل.

كانت الشركة كبيرة، بناؤها فخم لدرجة جعلته يزداد شغفًا وإقبالاً، يطلق العنان للحلم بداخله عن الغد. 

نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021
نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021

 

استقبلته سكرتيرة الشركة بشكل ودود وأشارت إليه بالجلوس فى ركن الاستقبال. كان جميل الأثاث ذا ألوان تبعث على الهدوء وراحة النفس.

قدَّم له عامل البوفيه كوبَ ماء مثلج  وفنجان قهوة؛ جلس يهيم فى صندوق خياله، يغرق فيه شيئا، ويعود ليدرك مكانه، ويلاقى بينهما، كأنه أحد أحاديثه للقمر وقت صفاء.

قبل أن تمر ثلث ساعة، أحسّها وقتًا طويلاً، قصيرًا فى ذات الوقت، لغرقه بين حيرة الانتظار وصبر البال ورغبة الاستمتاع باللحظة؛ جاءته الفتاة الحسِنة صاحبة الوجه المبتسم، ليعلم أنه حان الوقت، هى لحظة الفصل، وآن له أن يجرى مقابلته.

تركته أمام الباب يلاقى مصيره، وعادت.

مَرَّ إلى الداخل…

بفتور، وهو يقلِّب فى حافظات الدولاب الخشبى ملتفتًا بظهره لا يراه، أشار إليه رئيس الشركة بالجلوس؛ انتشله من خياله وواقعه الذي سقط فيه، عالم ما قبل الباب، ذلك الفتور الغامض.

عاد الرئيس إلى مكتبه بعد دقائق،......... أحسّها دهرًا طويلًا من اللا صبر واللا رغبة... 

حتى وهو يمسك بالأوراق التي تنبئ عن مؤهلة العلمى وسابقة خبراته، كان يحرك يديه وكأنه يمسك ببعض أوراق لا حاجة لها وسينتهى بها المطاف إلى أقرب سلة قمامة  تجاور البناء الخشبى المستطيل الذي يفصل بينهما.

نظرات الرئيس لم تكن مثل التي لاقاها بالخارج، ولم يكن ذات الشعور بالمكان، تبدّل كل شىء، تبدد ربما.

كان يعلم أن مقابلات العمل من الطبيعى أن يغلفها الجديّة والحماس والتركيز وحركة العقل، ولكن الشعور بعدم الراحة كان غالبًا. جميع الأسئلة جاوبها بإتقان وقوة، بثبات انفعالى وثقة بالنفس، يفخر بهما دومًا؛ ولكن كل هذا لم يكن كافيًا لأن يغّير ذاك الشعور المسيطر على اللقاء، أو يبدِّل نظرات الرئيس، حتى سُئِل السؤال الذي أوضح الحقيقة…

-  والدك شغال إيه ؟ ...... بنظرة حادة توازى دهرًا من الصمت والذهول؛ سأله المدير.

- سايس... والدى كان شغال سايس، ولسّه شغال سايس... بيربى ولاده ويصرف عليهم ويعلمهم.. وبسببه  أنا قدام حضرتك دلوقت؛ أجابه، بنبرة صوت وازنت بين حكمة القول وشعور التقليل والاستصغار والامتهان.

لم يدر بنفسه إلا وهو يحاول الهروب من أشعة الشمس إلى ظل الأشجار والعمائر. 

كيف انتهى ذلك الكابوس، وكيف قادته قدماه إلى الطريق؟!؛ لا يدرى…

ما بين الحقيقة والرفض، التصديق والإنكار، ذكريات مواقف وأحداث تشابكت معًا فى نفسه، تذكِّره بأن ذاك الرجل الذي قضى على حُلمه لم يكن أول القتلة الذين لاقاهم، ولن يكن آخرهم.

المُدَرِّسة فى المَدرسة المشتركة حين كان طفلًا، نكات التلاميذ وهمساتهم، نظرات بعض زملاء الدراسة المتعالية التي تشعره بالدونية والنقص؛ أى نقص؟!. أى حياة هى التي تقسِّم البشر صنوفًا، علويَّة وسفليّة، فقيرة وغنيَّة، أبناء أولئك وأبناء هؤلاء، بيض وسُمر... مَضى يلوم نفسَه شيئًا، يُسائلها، يعود فينتصر لشعوره وثقته بذاته وما هو عليه.

- لست نكرة، ولن أكون / لست قبيحًا، وسأظل / لست فاشلاً، سأصل السماء، سمائى الخاصة؛ قال وكأنه يقف أمام مرآة روحه، يصرخ بها، يتحدّى ذلك الوجه القبيح للحياة بأن ترزقنا قتلة فى صورة بشر.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز