عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ذكرى انتصارات أكتوبر
البنك الاهلي

مروان الريس يكتب: حكاءو أكتوبر.. ذكرى الأمل والألم

تتوافق الأقدار حينًا فتدهش البشر، وتؤكد تدبيرًا حكيمًا لكل ما يحدث، فلا تجد عجبًا أكثر من اندهاشة أو ابتسامة مشبعة بعاطفة وشجن ترتسم على محياك تبرر بها كل كلمة تريد أن تعلق بها على هذا التوافق القدري.



كان حديث الحكاء الكبير لنا يتكرر كل عام في ذكرى الأمل، يحمل ملامح تبدو مرسومة أمام ناظريه، وهو يقصُّها ونحن جلوس في المكان نفسه الذي يجمع العائلة، كلٌ ينشغل بعينيه لكن أذنه مع هذه النبرة الشجية التي تحمل عبقًا خاصًا، راسمًا أرضًا وفوقها رِكاب وعتاد وبشر، بل وكائنات أخرى لا تُرى؛ لأن ذلك مُحكم بأمر الجليل، الأعين تنتقل بين الحين والآخر إلى الحكاء الواصف، فتستشعر دفقات السطوع والظلمة، وتنتبه فى لحظات الحسم والشدة وتتراخى مع لحظات الهدوء الحذر. 

تتدفق محبة الأرض والأفراد والشعب، بل والذكريات التي حملها فترات عمره، حين يتذكر مرارة يوم فيستبدلها بحلاوة النصر.

تستمر الحكايات لكنها تنتقل على لسان حَكّاء آخر، حكاء متحمس، عاصر ذكرى الأمل فى بقعة أخرى من الأرض الطيبة، لكن بأسلوب منسوج بقصص أخرى لأبطال من ذَهب قدّموا دماءهم الغالية وأحلام مستقبلهم المنتظر بعد انكشاف غمة جسمت بغطاء ثقيل على المدن والقرى والحقول والجداول والنهر العظيم، قدّموا كل ذلك فداءً ومهرًا ثمينًا لصاحبة أشهر الحضارات وأغنى المواويل وجاذبة أهل الشرق والغرب.

وسيل الحكائين لا ينقطع من كل بيت حولنا، بل وفى بقاع أخرى من المحافظات التي يقطن فيها أحباب أو أقرباء لنا، وبيوت الأصدقاء والجيران، فتتحول بلادنا فى هذا اليوم (السادس من أكتوبر) إلى حكايات خط النار، يلقيها أصحابها على مسامع عشاق سمراء العالم وحاضنة النيل.  

تعودنا كل ذكرى أمل أن تنتقل الحكايات ويُسمعنا الحكاءون برواياتهم معنى الأمل والعزة والفداء، كما تعودنا ذلك في مناسباتنا الدينية الشهيرة، يحفزون الأرواح ويحملونها بعيدًا إلى هناك.

ظل الحكاءون يذودون بحكاياتهم كل ذكرى أمل، كأنهم ما زالوا هناك يحفرون بأصابعهم فى رمال الضفة الأخرى، حتى كتب صاحب المشيئة قبول اجتهادهم فمنحهم السعادة على أهل الشتات.

جانب من الحكايات كان عن سلاح الشرقيين، الذي جاء بالإصرار والتكرار فى جلبه، وواجه به الحكاءون أهل الشتات فتصدوا به لسلاح الغربيين، لكن الحكايات لم تُرجح كفة السلاح على روح الحكائين...

نبضُ الحكائين ظل طيلة ٤٤ عامًا يُجدد دماءه كل ذكرى أمل، لكنّ وهنَ القلب أيضًا راح يزداد عامًا تلو عام، إلى أن حل فى العام نفسه مع ذكرى الأمل ألم أسكت أهم الحكائين لعائلتنا، خبى قلب اثنين أسمعانا وزرعا داخل جيلنا ومن بعده حكايات لا تنمحى، تغيب فى دهاليز الذاكرة لكنها تعود للظهور كلما حلت ذكرى الأمل.

أربعة أعوام انقضت على صمت الحكاء الواصف والحكاء المتحمس، رقد الاثنان رقدتهما الأخيرة وعينيهما تنتظر اللقاء بيوم الأمل، ولا يدريان أن الأمل سيبقى فى عينيهما وحدهما، لكنه سيتحول إلى ذكرى تحمل بجانبها لذويهما ذكرى أخرى... أمل وألم.

فى الذكرى الثامنة والأربعين لنصر السادس من أكتوبر... أقول: رحمك الله أيها الحكاء الواصف (أبى)، وأيها الحكاء المتحمس (خالى)، وكل الحكائين الذين أمتعوا أسماع ذويهم بحكايات أبناء الصمت فى مصر العزيزة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز