عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ذكرى انتصارات أكتوبر
البنك الاهلي

رفضنا التسليم وقمنا بتحلية مياه البحر للصمود في وجه الحصار

محمد نورالدين: بطل من أبطال "كبريت" يروي جانبًا من الملحمة وكيف قهروا التحديات

د. محمد نور الدين
د. محمد نور الدين

استخدمنا الخيش ومياه القناة لتبريد البخار فقال الشهيد إبراهيم عبدالتواب بهذا لن تضيع حبة رمل من سيناء 



الرئيس السادات منحني نوط الشجاعة والرئيس السيسي منحني درع التفوق العسكري في احتفالات أكتوبر 

 

مهما مرت السنوات، تظل البطولات الخالدة لجيش مصر العظيم، بها من الجوانب ما يروى للأجيال القادمة، ففي كل لحظة وفي كل شبر من سيناء سطرت بطولات سجلها التاريخ بأحرف من نور.

 

معارك نقطة كبريت الحصينة، والصمود الأسطوري في مواجهة أطول حصار، والإبداع في قهر التحديات بالعلم، جميعها بطولات تستحق أن تروى، وبينها كيف تمكنت الكتيبة 603 من تكبيد العدو الإسرائيلي خسائر فادحة والصمود بتحلية مياه البحر بإمكانات محدودة لمواصلة المهمة دون تراجع ولا استسلام لحصار العدو.

 

 كانت النقطة الحصينة في كبريت مقرا لإحدى القيادات الإسرائيلية الفرعية، ضمن خط بارليف وملتقى الطرق العرضية شرق القناة، محصنة بأعلى درجات التحصين في مواجهة الموجات الانفجارية، ومجهزة بمستشفى وغرفة عمليات جراحية، فأهميتها تكمن في السيطرة على كل التحركات شرق أو غرب منطقة كبريت، تقع في أضيق منطقة بين البحيرات المرة الكبرى والصغرى والمسافة بين الشاطئين الشرقي والغربي عند هذه المنطقة لا تزيد على ٥٠٠ متر، وتوجد في الوسط جزيرة يستطيع من خلالها العدو تطويق الجيش الثالث.

 

وصلت المعلومات للقيادة المصرية، بأن العدو يجمع قواته عند هذه النقطة لتحقيق هجوم مضاد واختراق عميق للقوات المصرية، فصدرت الأوامر للكتيبة 603 لتنفيذ خطة اقتحام نقطة كبريت الحصينة.

 

وفي السادسة والنصف من يوم التاسع من أكتوبر، بدأت القوات المصرية اقتحامها، ونجحت في تكبيد العدو خسائر فادحة، واقتحام النقطة الحصينة وتطويق المنطقة تحت غطاء نيران المدفعية المصرية.

 

النقيب محمد نور الدين بطل من أبطال "كبريت"

 

 

وصدرت الأوامر للنقيب إبراهيم عبدالتواب قائد الكتيبة، بمواصلة المهمة والتمسك بالموقع والسيطرة على المنطقة المحيطة به مهما كلّف ذلك من تضحيات، وكلف قائد الكتيبة عناصر المهندسين بزرع حقول الألغام المضادة للدبابات على طرق الاقتراب المحتملة للقوات الإسرائيلية وتجهيز مداخل المنطقة بحقول ألغام.

 

حاولت إسرائيل تنفيذ هجوم مضاد لاستعادة السيطرة، بيد أن بطولات القوات المصرية ردعتها، وكبدتها خسائر فادحة، ولم يُفلح قصف طائرات الفانتوم للموقع في دفع أبطال الكتيبة للاستسلام، وواصلوا التمسك بالأرض، وظلت الكتيبة صامدة في موقعها لمدة 114 يوما، حتى جاء يوم 20 فبراير 1974 وانسحبت إسرائيل إلى خط المضايق الجبلية تنفيذا لاتفاقية فك الاشتباك ورفع الحصار عن الموقع.

 

 النقيب  د. محمد نورالدين أحد أبطال تلك الملحمة، لعب دورًا مهمًا في الصمود، فهو صاحب فكرة تحلية مياه البحر، لتوفير احتياجات الكتيبة من مياه الشرب، في ظل الحصار الذي حال دون وصول الإمدادات.

 

الرئيس السيسي يكرم البطل
الرئيس السيسي يكرم البطل

 

يقول الدكتور البطل محمد نورالدين: "التحقت بالقوات المسلحة ملازما أول احتياط بعد تخرجى في كلية العلوم جامعة الإسكندرية عام 1968، حيث كنت ضمن أفراد كتيبة الصاعقة تحت قيادة الشهيد البطل مقدم إبراهيم عبد التواب ضمن لواء مشاة الأسطول".

 

مضيفًا: وكنت ضمن أفراد الوحدة المقاتلة من قواتنا التي تم محاصرتها فى منطقة صحراوية جافة لا غذاء بها ولا ماء وأقرب مصدر مياه منها هى مياه مالحة، حققنا انتصارات عظيمة وبطولات تعجز عن وصفها الكلمات، وتمسكنا بكل شبر حررناه.

 

الشعب يحتفل بالأبطال
الشعب يحتفل بالأبطال

 

وعندما حاصر العدو كبريت في محاولة لاستعادة النقطة الحصينة التي حررناها، وفشلت كل محاولاته لاستخدام القوة، لجأ لمحاولة استعادتها خلال مفاوضات فك الاشتباك، طلب المفاوض الإسرائيلى من قائد المفاوضات لواء عبد الغنى الجمسى أن تسلم كتيبة الشهيد إبراهيم عبد التواب نفسها للجانب الإسرائيلى وكان الجواب بالرفض، وعاد مرة ثانية وطلب المفاوض الإسرائيلى أن تترك الكتيبة سلاحها وتغادر المكان وكان الجواب أيضابالرفض، وفي المرة الثالثة طلبوا أن تأخذ الكتيبة سلاحها كاملا وتغادر الموقع وعرض الأمر على المقدم إبراهيم عبد التواب الذي عرض الأمر علينا ولكننا جميعا رفضنا بل صممنا على الصمود والقتال فأبلغ القيادة برأينا الأخير. 

 

راهن الإسرائيليون على عامل الوقت، على أمل أن إحكام سيطرتهم على حصارنا سيؤدي لنفاد ما لدينا من ذخائر وطعام وماء مما سيجبرنا على الاستسلام لهم، ولكن خاب ظنهم ما حدث عكس ما توقعوا تمامًا، فبعد نفاد كل مصادر المياه والسوائل لدينا كان لابد من إيجاد وسيلة للخروج من هذا المأزق، وكما يقول المثل الشعبي الحاجة أم الاختراع، فقد عدت بذاكرتي إلى أيام الجامعة، استعيد كيف كان أساتذتي يقومون بتحلية مياه البحر فلم أضيع وقتا، خاصة بعد أن بدأ الإعياء والتعب يظهران على الجنود.

 

يضيف نور الدين، بالفعل بدأت فى تنفيذ الفكرة بمعاونة من زملائى وبدأنا فى وضع مياه القناة في حلة كبيرة والتسخين تحتها ليتبخر ماؤها لنعيد استقبال البخار في أنابيب صنعناها بأقل إمكانيات متاحة لدينا، وأحطناها بالخيش المبلل بماء القناة البارد لإتمام عملية التكثيف، لنستقبل الماء العذب المكثف في أحد الجراكن.

 

 

 

ويُكمل نور الدين بفخر: "أثناء بدء تلك العملية مر علينا القائد إبراهيم عبد التواب، فسألني بتعمل إيه يا نور؟

فأجابته: بأحاول أقطر المياه يا فندم.

فرد عليّ: ربنا معاكم. 

ثم أكمل جولته.. وأثناء عودته مر علينا فقمت بإعطائه كوبا من الماء العذب.. فشربها وقال متفائلا": من هنا لن تضيع ذرة رمل من أرض سيناء.

 

وأصبح ما أمكن تقطيره في اليوم الواحد يكفي نصف زمزمية (ما يعادل كوب ماء) لكل مقاتل في الكتيبة كل 24 ساعة وتسارع الجميع لكي يجودوا ويحسنوا عمل جهاز التقطير.

 

تحدي الوقود 

 

 

ويضيف البطل نور وجهنا تحديا آخر وهو نفاد الأخشاب التي تسخن بها المياه، فلم يكن عملا سهلا تقطير مياه الشرب، فبعد أن نفدت جميع الأخشاب المستخدمة في تسخين المياه بالموقع كان لزاما علينا أن نبحث عن إمدادات أخشاب أخرى، فتوصلنا  لفكرة استغلال فلنكات خشبية بخط قديم للسكه الحديد شرق القناة فكان علينا السير مسافة 300 متر للوصول لتلك الفلنكات وخلعها بوسائل مختلفة، حيث لم يكن لدينا الأدوات اللازمة لفك الفلنكات وكان يلزم علينا حمل تلك الفلنكات على أكتافنا والعودة بها، وكثيرا ما تعرضنا لرصد استطلاعات العدو المحيطة بموقعنا وكانوا يطلقون رصاصات علينا أدت إلى إصابات واستشهاد بعض أبطال الكتيبة.. ولكنها العزيمة والإصرار والتصميم هي ما جعلتنا نكمل المسيرة، وكان القائد إبراهيم عبد التواب حريصا على مضاعفة تعيين الفرد من الماء المقطر يوم الجمعة، ليتمكن من الوضوء للصلاة التي كان يؤمها القائد الشهيد بنفسه.

 

 

 

ويضيف نور الدين، كنا نتعمد الظهور أمام عدسات رصد العدو الإسرائيلي في أبهى صورنا غير متأثرين بأي شيء وكأننا لا ينقصنا شيء.

ويستكمل نور الدين: من اللحظات التي لا أنساها مطلقا، لحظة استشهاد القائد إبراهيم عبد التواب بدانة مدرعة إسرائيلية في آخر اشتباك بين الجانبين يوم 14 يناير 1974 ولم يحدث بعدها أي هجوم أو اشتباك على الموقع، حتى تسلمت قيادة الجيش الثالث في 13 فبراير 1974 هذا الموقع من أبطاله، وعدنا إلى مقرنا بالعامرية بالإسكندرية، وسط احتفال شعبي ورسمي واستقبلنا بحفاوة بالغة.

 ويختتم البطل نور الدين حديثه معنا قائلًا: "الحمد لله بعد انتهاء الحرب تم تكريمي فقد حصلت وقتها على نوط الشجاعة العسكري من الطبقة الأولى من الرئيس الراحل أنور السادات، كما حصلت مؤخرا  على درع التفوق العسكري من الرئيس السيسي في احتفالات أكتوبر".

 

شاهد أيضاً

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز