عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

أحمد فايز يكتب: الرواية التي قضت على صاحبها

أحمد فايز
أحمد فايز

تُعد رواية "الأنفس الميتة" للروائي الروسى نيقولاى غوغول ( 1809 - 1852) من أجمل روائع الأدب  الروسي، وصنفت ضمن أفضل 100 عمل أدبى على مر العصور وفقاً لإحصاء مكتبة بوكلوبن العالمية عام 2002، وقد وصفها الكاتب نفسه بـ"القصيدة"، وبـ"رواية من الأبيات".



وخلال عشر سنوات كتب غوغول الجزء الثاني من روايته من سنة 1842 حتى 1852، ولم يكن راضياً عما كتب، وقبل وفاته قام بحرق بعضا من مخطوطاته، ومن بينها معظم الجزء الثاني من الرواية، وامتنع عن الطعام إلى أن توفى بألمٍ فظيع بعد تسعة أيام، فى فبراير 1852.

 

 

 

قال عنه الأديب الكبير ديستويفسكي، إن الأدب الروسي كله خرج من معطف نيقولاى غوغول، فقد كان معظم ما كتبه مشبعاً بالخيال والسخرية والفكاهة القاسية أحياناً، وعندما قدم غوغول مسرحيته الأشهر"المفتش العام" في سانت بطرسبرغ عام 1836، حضرها الإمبراطور  نيقولاي الأول، وقال بعد انتهاء العرض "لم يسلم موظف واحد في الدولة من النقد حتى أنا"، وعندما توفي الكاتب في 21 فبراير 1852، حظر الإمبراطور على الصحف نشر نبأ وفاته، لكن صديقه الروائي تورجينيف، تمرد وأذاع الخبر.

 

في "الأنفس الميتة" قدم غوغول شكلاً جديداً من الأدب يميل للطابع الكاريكاتورى الساخر فى إبراز طبيعة النفس البشرية، وفى تصوير مجتمع ملاك الأراضى، صورهم بدناء بوجوه مستديرة، يحتلون المقعد الأمامى دائماً، ويجلسون بثبات وثقة أينما كانوا، ويجمعون الثروات، فيما النحيف بينهم لن تجد لديه فلاحاً لم يرهنه، ويتحدث عن الفساد المنتشر بين كبار الموظفين فى الدولة، بما في ذلك بطل الرواية "تشيتشكوف" الذي يتفوق على زملاءه بطرق الرشوة والابتزاز بأدب ولباقة، حتى يقول مقدمى  الطلب بدائرته الحكومية "هذا الرجل جوهرة لا تقدر بثمن".

 

جسد غوغول المجتمع الروسي في القرن التاسع عشر، وهى فترة من تاريخ  الإمبراطورية الروسية أتت فيها المكانة الاجتماعية لملاك الأراضى من عدد الأنفس أو عدد ما يلكون من العبيد، وكان مُلاك الأراضى مجبرين على دفع ضريبة عن كل نفس رغم احتمال وفاة بعضهم، حتى قدوم التعداد السكانى التالى.

 

 

 

بطل الرواية" تشيتشيكوف" أحد موظفى الدولة، والذي اكتشف فرصة للثراء عبر شراء "الأنفس الميتة" بأسعار زهيدة، وبما أن الدولة تأخذ ضريبة حتى على الموتى كان يجول متنقلاً مع سائقه بعربة مع ثلاثة أحصنة، ناقلاً بانوراما للقرى الروسية، من خلال شخصيات محلية يرسمها بطريقة هزلية مبيناً عيوبها، ثم يأتي اليوم الذي ينكشف فيه أمره على نطاق واسع، وينفض عنه الأهالي والأعيان والنساء المغرمات به كونه أحد كبار الملاك، وذلك عندما جاء لشراء أقنان وعبيد أحياء، ثم تمضي الرواية في الألغاز والغموض العميق حين يكشف مدير البريد أن "تشيتشيكوف" ليس إلا "الكابتن كوبكن" الذي قاتل في المعركة الشهيرة ضد نابليون، وأفضت به الظروف إلى التشتت والضياع.

 

الشخصيات الرئيسية فى الرواية:

بطل الرواية الانتهازي "تشيتشيكوف" الراضي عن نفسه بشكله الدائري، إلى جانبه مالك الأراضي "سوباكيفيتش" ،رجل سليط اللسان يشبه الدببة، و"مانيلوف" العاطفي حد السخافة، والأرملة المشككة الحمقاء صعبة المراس "كوروربوتشكا"، والمقامر الغشاش والمتنمر "نوزدريف" الذي يقدم نفسه على أنه الصديق الطيب فيما لا ضابط على لسانه، و"بلوشكين" البخيل الذي يمثل البؤس في عمق انحطاطه، كل واحد منهم يجمع بطريقته الخاصة الجشع والفساد والخوف، وطرق المراوغة في عقد الصفقات.. جانب كبير من روعة الرواية يكمن في رسم شخصياتها .

 

 

 

ويمكن تليخص الرواية فى  فى ثلاث مشاهد:

المشهد الأول :

تستهل الرواية بوصول رجل في متوسط العمر من الطبقة الوسطى "تشيتشيكوف" إلى قرية صغيرة فى روسيا، وبعد وصوله للفندق واستقراره وخلال العشاء يستفسر من النادل عن كل شيء يحدث في القرية، بما في ذلك المسؤولين الأكثر نفوذاً، وملاك الأراضى الكبار الذين يتعرف على بعضهم خلال حفل استقبال أقامه الحاكم، حيث يصنع "تشيتشيكوف"  لنفسه سمعة طيبة فيدعوه مالكاً الأراضي سوبافيتش ومانيلوف إلى منزليهما.

 

المشهد الثانى: 

ينطلق تشتشيكوف في المناطق الريفية، ويعتقد في البداية بأن مُلاك الأراضي سيكونون مسرورين للغاية للتخلي عن الأنفس الميتة مقابل دفعات مالية، ويتمكن من الحصول على 400 قن، ثم يطلب من الباعة التزام السرية أثناء تسجيل المعاملات، وفي غضون ذلك يصف غوغول الأوضاع البائسة للأرياف.

 

المشهد الثالث:

بعد عودة تشتشيكوف للبلدة يعامل كالأمراء من قبل المسؤولين، ويقام احتفال على شرفه، وفجأة تندلع الشائعات بأن الأقنان الذين اشتراهم موتى، وأنه يخطط لخطف ابنة الحاكم، وكان وراء ذلك نساء مستاءات من معاملته الجافة، فيما كان منشغلاً بجذب انتباه ابنة الحاكم.

 

 

 

بطل الرواية "تشيتشيكوف"  ليس إلا رمزاً فاضحاً لنهم الإنسان وأطماعه الشيطانية في كل زمان ومكان، فهو نموذج للكيان الشيطاني الذي يبيع ويشتري البشر حتى وهم موتى، إنه ذلك النموذج الإقطاعي الذي يحصد حياة الأرواح، مقابل جني المال الكثير .

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز