عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

"عيد القربان" في الثقافات الإفريقية التقليدية

القربان في الثقافات الإفريقية
القربان في الثقافات الإفريقية

برز "عيد القربان" لدى الشعوب والممالك الإفريقية القديمة، لا سيما في منطقة غرب إفريقيا.



وتذكر بعض الروايات أن شعب السوننك أو شعب وجدو (وهو شعب غانا القديم) كان يقدم القربان للحيوان المقدس في بلادهم، وهو الثعبان بيدا، حامي هذه المملكة الإفريقية القديمة.

 

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي  

 

 

 

وقد سارت الأمور بين أهل غانة القدامى والثعبان على هذا النحو، حيث التزم كل طرف بما يجب عليه لعدة أجيال غير مُحددة الزمن، وظل خلالهـا أهل المملكة يعيشون في استقرارٍ ورخاءٍ وأمانٍ، بفضل الثعبان الحامي. 

 

 

وظلت الأمور هادئة حتى وقع أمرٌ ما بدّل الأحوال، ولعل سبب ذلـك التحول أن أهل البلاد استقر أمرهم في إحدى السنوات على تقديم القربان للثعبان، وكان فتاةً جميلة تُدعى "سيا" Sia، وقيل كان اسمها "آسيان" أو "سيان" Asyan بحسب الروايات. 

 

 

وكانت تلك الفتاة مخطوبةً لأحد شباب "طبقة النبلاء" Noble Birth بالمملكة، وكان يُدعى "ماماري ساكو Mamari Sako، وحسب روايات أخرى كان اسمه مامادي Mamadi أو مامادو Mamadou وقيل "أمادو" Amadou. 

 

 

وتذكر إحدى الروايات: "حدث أنه في أحد الأعوام كانت الفتاة التي اختيرت للأضحية تدعى سيان أو سيا، ولها رفيق يُدعى مامادي Mamadi".. ومن الواضح بروز العديد من التأثيرات العربية والإسلامية في متون وأحداث أُسطورة الثعبان بيدا، فالأسماء العديدة لحبيب الفتاه أو خطيبها الواردة في الروايات المحلية مُشتقة من اسم (محمد أو محمود أو أحمد.. إلخ)، أما الاسمُ الشائع للشاب الذي يرد في أكثر متون الأُسطورة (مامادي) Mamadi.

 

 

ثم تحكي روايات التراث الشفاهي أن الشاب "مامادي" أُصيب بحزنٍ شديد لما علم بأن محبوبته سوف تكون قربانًا للثعبان "بيدا"، غير أنه عزم على إنقاذها من براثن الثُعبان مهما كلفه الأمر من تضحيات.

 

 

وعن ذلك تذكر الأسطورة الغانية: "ولكي يُنقذ (مامادي) حبيبته من مصيرها المشئوم قرر مامادي أن يقتُل الثُعبان بيدا". 

 

 

ثم تحكي الروايات الشفاهية القديمة أن الفتاة "سيا" رغم ما حل بها، حاولت أن تُثني حبيبها عن قتل "الثعبان" (بيدا) حتى لا تحل اللعنة على بلادهم، وأنها سوف تُضحي بنفسها حتى يبقى أهل البلاد في رفاهية، حتى لو أدى ذلـك إلى أن تفقد حياتها، وعن ذلـك يقول البروفيسور "شارل مُونتي" الذي جمع متون تلك الميثولوجية السوننكية القديمة: "وعبثًا حاولت سيان إثناءه عن مشروعه هذا (أي قتل الثعبان) بأن تُثبت أن تضحيتها ضرورةً للرفاه العام، وأنهـا ستُنجز عملًا سيغمر الجميع بالفخر". 

 

 

ثم تذكر الروايات أنه في ذات اليوم الذي سوف يقدم فيه القربان، تقدم الشابُ "مامادي" ثم اختبأ في مكانٍ ما بحيث لم يكن يراه أحد، ثم أخذ ينتظر الثعبان ريثما يخرج من الموضع الذي يستقر فيه، وعندما أخرج "الثُعبان" رأسه والتفت نحو الفتاة حتى يلتهمها، قام "مامادي" بالتقدم نحوه بسرعة، ثم رفع السيف بيده وقام بقطع رأسه الثعبان.

 

 

وتحكي الأُسطورة أن الشاب لما قطع رأس الثعبان، أخذ حبيبته وركبا فرسًا، وهربا بعيدًا عن بلادهم، وبحسب أكثر الروايات أدى مقتل الثعبان إلى إصابة المملكة باللعنة، وشعر الناس بالنقمة الشديدة على الشاب مامادي بسبب تصرفه الطائش، ولهذا يُقال إنه هرب مع حبيته خوفًا من بطش أهل البلاد به، ثم ذهب إلى موطن أمه حتى يحتمي بأقاربه. 

 

 

ثم تذكر الرواية الأسطورية أن اللعنة التي أصابت "مملكة وجادو" أدت إلى توقف الأمطار عن السقوط في كافة الأقاليم لمدة 7 سنوات، كما أصابت الناس مجاعة مُهلكة، كما تذكر الأسطورة أن لعنة الثعبان "بيدا" تسببت في تشريد شعب "السوننكي" وسقوط الأُسرة الحاكمة. 

 

 

ويقول متنُ إحدى الروايات عما حدث بعد مقتل "الثعبان المقدس" بيدا: "هكذا رأى الحضور الذين كانوا يرتجفون هلعًا رأس بيدا وهو يطير في الهواء، بينما صوت يقول: سيكون موتي سببًا لكل الكوارث التي لم تكن لتخطر على بالكم، ولن تسكن قطرة ماء بداية من اليوم لمدة سبع سنين، وسبعة أشهر، وسبعة أيام على وجدو (أي مملكة وجادو)". 

 

 

ثم تذكر ذات الرواية أن رأس الثعبان "بيدا" كان قد طار بعيدًا إلى عنـان السماء، وذلك وسط ذهول أهل المدينة الحاضرين لهذه المناسبة. 

 

 

ومن اللافت أنه بحسب أكثر الروايات الغانية القديمة، فإن رأس الثعبان "بيدا" تسبب في أن يجعل السماء تُسقط أمطارًا من "الذهب"، ويُقال إن تلك الرأس رغم أنهـا ارتفعت إلى السماء غير أنها سقطت مرةً أُخرى ثم اختفت في منطقة "بوري" (بيوري) Boure. 

 

 

ورغم وقوع اللعنةُ على أهل مملكة وجدو في غانة، إلا أن بعض متون الأُسطورة تتحدث عن أن "الثعبان" توعد أهل البلاد بأنهم لن يجدوا "الذهب" الذي كان يمنحه لهم مرة أُخرى، وعلى لسان الثعبـان تقول الأسطورة: "ولن تجدوا شذرة ذهب". 

 

 

إلا أن الرواية الغانية تذكر، بحسب رواية متون أخرى، أن رأس الثعبان لما قُطع وصعد إلى السماء، عاد مرة أخرى ليسقط على هذه البلاد، وتحديدًا في "بوري" (بيوري)، وبفضل ذلـك صارت من أكثر المناطق ثراءً بالذهب في غرب إفريقيا. 

 

 

وهو ما يُشير إلى أن نقمة "الثعبان المقدس" تحولت أيضًا في ذات الوقت إلى نعمةٍ على سكان هذه البلاد، التي صارت أكثر البلدان ثراءً بالمعدن النفيس. 

 

 

وعن ذلـك تقول إحدى الروايات: "اختفى الرأسُ الدامي (أي رأس الثعبان بيدا) ليسقط في بوري (بيوري) Boure التي أصبحت بفضلها بلاد الذهب..". 

 

 

وتذكر رواياتٌ أُخرى أن أجزاء من الرأس سقطت في "بامبوك"، والتي صارت هي الأخرى من أكثر المناطق ثراء بالذهب في بلاد غانة، بينما حسب روايات أُخرى كان للثعبان 7 رؤوس، وقد سقطت كل منها في 7 مواضع مختلفة، ثم صارت تلك المواضع هي الأكثر ثراءً بـ"الذهب"، وهي: بامبوك Bambouk، وبيوري Boure، وفاليمي Faleme، وجاليم Galem، وبوندوكو Boundoukou، والأشانتي Ashante، ولوبي Lobi. 

 

 

وعلى هذا تقدم لنا هذه الأسطورة تصورًا شعبيًا لأصل الذهب في غانة، وأن مناجم الذهب في هذه البلاد يرجع أصلها لبقايا رأس الثعبان المقدس "بيدا"، ولا تزال تأثيرات تلك الأسطورة موجودة، فقبائل الأشانتي تعتقد بوجود ما يسمى "البراز الـذهبي" وهو في اللغُة المحلية "سو– سوم"، أو ما يُعرف عندهم بـ"روح الأشانتي". 

 

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي  

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز