عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

فضل العرب في تدوين تاريخ الممالك الإفريقية القديمة

د. إسماعيل حامد اسماعيل
د. إسماعيل حامد اسماعيل

لم تعرف الشعوب الإفريقية التدوين التاريخي قبل التحول إلى الإسلام، وقبل قدوم الهجرات العربية إلى ممالك إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مثل ممالك غانة القديمة، ومملكة مالي، ومملكة صنغي، والهوسا (في نيجيريا).. إلخ. 



و"التراث الشفاهي" المحلي كان يعتبر بمثابة السمة الغالبة لدى أكثر الشعوب والقبائل في تلك الممالك.

 

 

ولعل وجود أنماط من الروايات الشفاهية التي يغلب عليها طابع الحكي والقصص والأسطورة، وكذلك انتشار الأساطير (الميثولوجية) والحكايات والمرويات الشعبية، تخضع التراث الشفاهي الإفريقي قبل الإسلام للنمط الميثولوجي الأقرب للخرافات إلى حد كبير، أكثر من أي شيء آخر.

 

 

ويبدو أن استعمال التراث الشفاهي المحلي كمصدر في تدوين تاريخ ممالك إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على قدر كبير من الأهمية، وبدأ يزداد أهمية في الآونة الأخيرة، ويلقي رواجًا بين المتخصصين في الأوساط العلمية. 

 

 

ولعل ما أخر دخول التراث الشفاهي إلى دائرة التاريخ أن المؤرخين ينظرون إليه نظرة غير جدية، ويعّدونه ضربًا من الفنون الشعبية التي لا يمكن الركون إليها في كتابة التاريخ. 

 

 

ومما لا شك فيه أن علم "التراث الشفاهي" هو علم تتنازعه العلوم الأخرى إن صح التعبير، فهو علم مُشترك بين التاريخ وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والأدب واللغة، وغيرها من العلوم الإنسانية، وحتى عندما بدأ يستقل تحت مسمى "علم الفلكلور" Folklore فإنه بقي غامضًا من حيث تحديد المصطلحات والمناهج.

 

 

وبحسب البعض فإن مفهوم "التراث الشفاهي" هو "مجموعة التقاليد المحلية من الأساطير والوقائع والمعارف، وكذلك المذاهب والعادات والممارسات، وبحسب آخرين: يُعرف "التراث الشفاهي" بأنه "انتقال غير مادي للمذاهب والممارسات والطقوس الدينية والأخلاقية المتوارثة من عصر لآخر بواسطة الكلمة المنطوقة".

 

 

ويمكن القول بأن مصطلح "التراث الشفاهي" هو أقرب إلى علم التاريخ لعدة أسباب، لعل أبرزها أن كثرة المصطلحات للعلم الواحد أو حتى لفروعه تُعقّد موضوع البحث وتُشعبّ مسالكه. 

 

 

كما أن اصطلاح "التراث الشفاهي" هو الأقرب للتاريخ من غيره من الاصطلاحات الأخرى، مثل: التراث الشعبي أو المأثورات الشعبية أو الفلكلور، وغيرها كثير من الأمور.

 

 

ولن نُبالغ إذا قلنا إن علم "التراث الشفاهي" هو علم وثيق الصلة بعلم التاريخ، ذلك أنّه يعدٌّ مرآة المرحلة الحضارية التي يعيشها الناس، وهو يُعبّر عن أفكارهم وعواطفهم وعاداتهم وتقاليدهم، كما أنه يصور شيئًا غير يسير من النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة، بل إن بعض الباحثين يعتقدون أن التاريخ المدونّ ولد في أحضان التراث الشفاهي. 

 

 

ومن المعلوم أن مكونات التاريخ الشفاهي هي مكونات التراث الشعبي مثل: الحكايات والقصص والسير الشعبية والأمثال والحكم والغناء والشعر.

 

 

ويمكن القول إن الثقافات المعروفة والمدونة كانت في الأصل ثقافات شفاهية، إذ إن الإلياذة والأوديسة وغيرها من آثار اليونان، كانت في الأصل روايات شفاهية، وكان هوميروس أول مؤرخ شفاهي وصلتنا أعماله مدونة، وجاء بعده هيرودوت Herodotus، وهو أول من جمع بين الرواية الشفاهية والمدونة. 

 

 

وقد كان المؤرخ اليوناني هيرودت (عاش خلال منتصف القرن 5 قبل الميلاد) يقوم برحلات عديدة في مناطق آسيا الصغرى، وممالك الشرق القديم، ومنها مصر بالطبع، ومن ثم قام بجمع القصص والحكايات حول تلك البلاد والممالك القديمة التي كان يقوم بزيارتها. 

 

 

وخلال مرحلة العصر المسيحي الأول، يمكن القول بأنه كانت للحكايات والمرويات الشفاهية مكانة مهمة، ذلك أن أغلب المسيحيين لم يكونوا ملمين بالقراءة، ولذا تبرز "الرواية الشفاهية" في أسفار الإنجيل التي امتد تأليفها على مدى خمس وسبعين سنة، مثل أسفار الأبوكريفا Apocrypha.

 

 

كما استخدم المؤرخون العرب والمسلمون المادة الشفاهية بشكل واسع، بل إن قدرًا من التراث العربي المدّون في ميادين علمية عديدة، كان تراثًا شفاهيًا قوامه التداول والرواية الشفاهية، وهناك إجماع على أن جل المحدثين والمؤرخين والإخباريين والأدباء والشعراء الأوائل، قد استفادوا من المصادر الشفاهية. 

 

 

ويأتي البلاذري (ت 298هـ) والطبري (ت 310هـ) والمسعودي (ت 346هـ) وابن خلدون (ت 808هـ) على رأس المؤرخين المسلمين الأوائل الذين اعتمدوا بشكل كبير على الروايات الشفاهية عند تأليف كتبهم. 

 

 

ويرجع الفضل لعلماء المسلمين الذين وضعوا قواعد علمية للاستفادة من الروايات الشفاهية، وأصبحت تلك القواعد فيما بعد علومًا مستقلة، مثل علم الإسناد وعلم الرجال والجرح والتعديل، ومصطلح الحديث، وغير ذلك كثير.  

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز