عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د.علي موسى الموسوي يكتب: النُظم التربوية في الدول الإسكندنافية

د. على موسى
د. على موسى

"لا يُربيّ الإنسان إلاّ من كان أكثر من إنسان".. تلك النظريّة التي شكلت جميع التجارب التربوية النادرة في الدول الإسكندنافية، والتي تعتمد على بناء اللبنة الإنسانية والمعنوية لى الطفل، وتصنع الرغبة والإرادة والطموح، كما هو الحال في النرويج التي ترفض  تضمين مناهجها أى امتحانات تمييز للطلبة لغاية الصف السادس، حتى لا يشعرون بالتمييز والفوارق فيمّا بينهم، وعند الوصول لمرحلة الصف السابع يفجر الطالب طاقته بشكلٍ مثمرٍ وتلقائي، علماً بأن المعلمين يجري إعدادهم ليكونوا مربّين مختصين في الجانب النفسي والاجتماعي، ومؤهلين لتفهم التلاميذ وحل مشكلاتهم في هذا السن الصغير.



أما مملكة السويد التي خاضت تجارباً تربويةً نادرة ومُذهلة، ومن أهمها دراسة التغلب على صعوبة دروس الجغرافيا وكره الطلاب لهذه المادة التعليمية، فضلاً عن جهل الطلاب بأحوال السويد وثرواتها ونوعية مناطقها، وذلك من خلال توظيف الأدب الحكائي الموجّه عبر "مغامرات نيلز العجيبة"، والذي ألفتهُ واحدة من أولى النساء الكاتبات الحائزات مبكراً على جائزة نوبل للآداب في السويد (سلمى لاغرلوف).

 

أما التجربة الفنلندية، فتقف كعادتها في المرتبة الأولى بقائمة اللول الأكثر رُقيّاً في مجال التربية والتعليم، لأن الدراسة هناك تعطي حيزاً كبيراً لتعليم الأخلاق والحوار، واحترام الاختلافات، وبحسب الأب الروحي للتعليم الفنلندي الدكتور “باسي سالبرغ” فإن أول خطوة اتخذتها فنلندا للنهوض بالتعليم هي التخلص من الجراثيم التعليمية الستة باعتبارها قادرة على هدم أي نظام تعليمي.

 

الجرثومة الأولى، تكثيف المواد وهي إحدى أهم الجراثيم التي يتم التعامل بها مع الطالب بالكم وليس بالكيف، كم يحفظ من المعلومات، ويتلقى الطالب يومياً كماً كبيراً من المعلومات وكأنه خزان، وليس كائناً مفكراً، حتى إذا جاء الاختبار أفرغ المعلومات في الأوراق وخرج من القاعة وهو لا يكاد يتذكر شيئاً، ولهذا فإنّ الحصص الدراسية في فنلندا مفصولة باستراحة لعب وترفيه مدتها ربع ساعة، يستريح فيها العقل ويتجدد فيها النشاط، ويتنوع فيها التفكير. الجرثومة الثانية التي تخلصت منها فنلندا هي كثرة الاختبارات والامتحانات، لقد فعلوا خيراً في الطالب بإبعاده عن شبحِ الاختبارات والامتحانات المرعب، ويشير أحد الآباء عن ولده: “جاءني ابني بعد اليوم الأول من سنته الدراسية الأخيرة، وهو محبطٌ نفسياً لأنّ المعلَّم انهال عليهم بالوعيد والتهديد من الامتحانات التي لن ينجو منها سوى ذو حظٍّ عظيم".. ورأت فنلندا أنَّه إذا إطمأن الطالب في يومياته الدراسية استطاع أن يفكر ويعبِّر ويتطور، أمّا التشديد والتهديد بالاختبارات فإن له عواقب انسحابية خطيرة، ابتداءً من مشاعر التوتر والقلق، مروراً بالضغوطات النفسية الحادة، وصولاً للمفاضلة بين التعليم أو الحياة، وكأنّ التعليم مناقض للحياة، والجدير بالذكر أنَّ أعظم ما تراه فنلندا في هذا الصدد، هو أنّ دور المدرسة أكبر من أن تحكم على طالب من خلال ورقة لأن التعليم بنظرهم ليس للتقييم.

 

أمّا الجرثومة الثالثة، فهي إطالة ساعات الدوام، وتعني إنهاك الطالب ذهنياً وإرهاقه جسدياً، ما يتسبّب بضعف التركيز لديه، لاسيما إذا ارتبطت إطالةُ الوقت بحشو المعلومات الذي يسبب إهداراً للوقت وزيادةِ الاحساس بالملل للطالب والمعلم على السواء، فرفعت فنلندا شعار “تدريس أقل، تعلُّم أكثر”، وهو ما يعني تقليل وقت التدريس مع تعلُّمٍ أكثر، لأنّ فنلندا ترى أنّه لا توجد علاقة بين زيادة أوقات الدراسة والتفوق، بل على العكس من ذلك، إذ لوحظ أنّ الدول التي يتفوق طلابها كانت تقلِّل من ساعات دوامها الدراسي، في حين أن الدول التي أظهرت تدنياً في مستويات طلبتها هي التي كانت تعتمد على زيادة ساعات الدراسة.

 

الجرثومة الرابعة، هي الدراسة المنزلية وحل الواجبات وعمل الأنشطة في البيت، إذ ترى فنلندا أنَّ للطالب الحق في الاستمتاع بوقته خارج المدرسة، ولا يجب الاستحواذ عليه، وأن له الحق في قضاء أوقاتٍ مع أسرته بدلاً من تمضيةِ الوقت في حلِّ الواجبات والأنشطة، ما يتسبب في عزله اجتماعياً وعاطفياً عن أجواء الأسرة، ولهذا عواقبه النفسية والعاطفية، ولذلك فإنّه لا بد أن يمنحَ كلَّ جانب من جوانب الحياة حقَّهُ من الاهتمام والرعاية والعناية حتى ينشأ الطالب متوازناً في شخصيته.

 

في حين أن الجرثومة الخامسة والأخيرة، هي الدروس الخصوصية، إذ أنّ لوجود الدروس الخصوصية تفسيراتٌ عدَّة مختلفة أو متحدة، وهي إمَّا لأن الطالب لا ينال حقَّهُ في الفصل الدراسي بسبب كثرة الطلاب أو عمق المعلومات وتفاوت الذكاء، أو لأنَّه لا يركِّزُ الانتباهَ في شرحِ المعلِّم اتكاءً على الدروس الخصوصية، أو لأنّ المعلم لا يبذل الجهدَ المتوقع لإيصال المعلومة.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز