عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. علي موسى الموسوي يكتب: ثنائية الآرّز والسلام

د.علي موسى الموسوي
د.علي موسى الموسوي

يُقالُ أن لكلِ آرّزةٍ فاتنة في لبنان حكاياتها التي لا تنضب، وهواؤها الذي يلامس الأرواح المُتعبة، ليجعلها تشعر بالصبا والاطمئنان في كلِ لحظة، "لبنان" الآرزّة الحسناء التي تتمدد بأغصانها الخضر على مدار البلاد، حتى باتت تُعرف ببلاد الآرز، نظرا للدور الذي لعبه الأرز في تاريخها، وفي التراث المحلي وثقافات الشرق الأدنى القديم.



وأصبحت الآرزة رمز لبنان وتتوسط علمه، وتتميّز جذور الأرز اللبناني بضخامتها الملحوظة واستقامتها وهي تتحمّل ضغط الحمولات والأثقال وتقاوم الاهتراء والأمراض والعفن، ولذلك واكب الآرز الحضارات العالمية منذ القدم لغاية اليوم، ولقد ورد ذكر الآرز كرمز للصلابة والديمومة والقوة في الكتب المقدسة، وفي نصوص قديمة أخرى بالكتابات "المسمارية" و"الهيروغليفية".. الأمر الذي يعكس أهميته التاريخية بالنسبة للشعوب القديمة.

 وقد بدأ استثمار خشب الآرز بشكل مكثّف منذ الألف الثالثة ق.م، في التجارة والطقوس الدينية، واستخدمه الفينيقيون في صناعة سفنهم التي أبحروا فيها وجابوا العالم، حاملين معهم بضائعهم وصناعاتهم الفاخرة والمميزة، ونقلوا هذا الخشب معهم أينما توجّهت مراكبهم، وبنوا منه أماكن العبادة والسفن والجسور.

ولقد كان يصدّر بكثافة إلى مصر، ويشكل جزءا من الجزية التي كانت المدن الفينيقية تدفعها عبر العصور المتعاقبة إلى الغزاة الآشوريين والبابليين والفرس.

وأيضاً قدّست الشعوب القديمة الآرز، واعتبرته طارداً للأرواح الشّريرة، ويجلب البركة، ويشفي من الأمراض، ويقضي على الأوبئة، واستعمل الفراعنة المادة السائلة CEDARIA التي يحتويها الآرز في عمليات التحنيط.

أما قدسيته، فقد بَنى سليمان هيكل "أورشليم" من خشب الآرز، وبات على ألسنة الشعراء وكاتبي المزامير وأسفار التوراة منذ ذلك الحين، كونه رمزًا للصّمود والجمال.

كما  تفاخر ملوك ما بين النهرين وأبرزهم الملك الأشوري "سنحاريب"، والبابلي "نبوخذ نصر" لقطعهم أشجار الآرز، وكذلك الرومان، فلقد استخدموا خشب الآرز في صناعة أثاث بيوتهم ومذابحهم، وكان مصدر تباهٍ عندهم، ومع بزوغ فجر المسيحية، استمرّ استعمال خشب الآرز في بناء المذابح ونحت تماثيل القدّيسين، وصنع الأواني المقدّسة والصّلبان وتشييد الكنائس، أشهرها كنيسة القبر المقدّس في أورشليم، وكنيسة المهد في مدينة بيت لحم، إضافة لكنيسة صور التي بنيت في العام 75م، والتي صلّى فيها القديس بولس، وأيضاً كنيسة القديسة مريم الملكية في أورشليم، وكنيسة القديس بولس في روما.

ونظراً لأهميتها عمد الإمبراطور الروماني "هادريانوس" إلى اتخاذ تدابير من شأنها حماية عدد من أصناف الأشجار التي كانت تنمو في جبال لبنان، وأوكل إلى عدد من فرق المساحة بتحديد الأحراش والغابات بهدف تمييز الأصناف التي كان قطعها ممنوعاً، والتي عاشت في محمية امبراطورية، ومن بينها كان الآرز والصنوبر والعرعر والسنديان.

ومع مرور الزمن أخذت الغابات تتعرّى تدريجياً من غطائها الأخضر، خصوصاً في القرن التاسع عشر، حيث استهلكت الغابات بشكل واسع خصوصاً أن أخشاب الآرز  قد استُخدمت لمدّ خط السكة الحديد التي أنشأها الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى.

أما اليوم فلم يعد لبنان يحتفظ إلا بعدد محدود من أشجار الأرز المبعثرة في أرجائه، وهي تنمو على ارتفاعات تتراوح بين 1500 و2000 متر، ومن أجل الحفاظ على هذه الثروة، تقام حملات بيئية لغرس أعداد كبيرة من غرسات الآرز الصغيرة، ولأجلِ حماية غابات الآرز تم إنشاء المحميات الطبيعية التي توفر أيضا فرصة التعرف على أسرار غابات الآرز، والاستمتاع بمشاهدها الخلّابة.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز