عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

في "قطائع ابن طولون" تمسك بـ"حلمك".. واترك "أثرك" 

الكاتبة الروائية ريم بسيوني
الكاتبة الروائية ريم بسيوني

 في أروقة التاريخ ودواخله وتشابكاته تجولت الكاتبة الروائية ريم بسيوني، ونجحت إلى حد كبير في رسم صور إنسانية طازجة لفترة تاريخية مهمة في تاريخ مصر، وهي فترة تأسيس الدولة الطولونية على يد أحمد بن طولون، لتهدينا روايتها الأخيرة "القطائع.. ثلاثية ابن طولون"، الصادرة مؤخرًا عن دار نهضة مصر للنشر.



 

 وقد جاءت الرواية في عدد صفحات كبير، تجاوز السبعمائة صفحة قدمت خلالها الكاتبة ثلاث حكايات منفصلة متصلة، الأولى بعنوان "ميسون"، ابنة القاضي يحيى والتي عشقها والي الخراج ابن المدبر، وظفر بها أنس الوراق ابن شيخ الصيادين، ولكنه لم ينس رغبته في الانتقام ممن قتل أباه وأخاه.

 

حلم أحمد

 

والحكاية الثانية بعنوان "حلم أحمد"، ومزجت فيها ريم بين تاريخ الدولة العباسية والصراع على الحكم، وحكاية أحمد بن طولون وحلمه وهو صغير بحكم مصر، والتمسك بحلمه حتى نجح في تأسيس الدولة الطولونية في مصر، وبنائه لمدينة القطائع ومسجده الباقي حتى اليوم.

 

أما الحكاية الثالثة، فكانت بعنوان " العهد"، وتحكي قصة عائشة ابنة أحمد ابن طولون من زوجته المصرية أسماء بنت الخياط، وهروبها ووقوعها في الحب من العربي عبد الرحمن، ونجاحهما في الحفاظ على مسجد ابن طولون بعد انتهاء الدولة الطولونية على يد الخليفة العباسي وقائده محمد بن سليمان الكاتب عدو طولون الأول، الذي كان مصرًا على هدم ومحو ما أقامه ابن طولون طوال فترة حكمه.

 

والحكايات الثلاث يربطها خط متصل، وتحكي عن مصر وناسها ومصائر الأبطال، فضلًا عن قيمة الحب الموجودة بقوة في أحداث الرواية والمطعمة بأبيات شعراء عديدين منهم عنترة بن شداد، وأبوالعتاهية، بشار بن برد، والطغرائي، والبحتري، وامرؤ القيس.

 

الوصول إلى الحلم

 

وتحاول الرواية طوال صفحاتها التأكيد على فكرة الحلم وضرورة التمسك به، والتغلب على العقبات من أجل الوصول إليه، وهو ما ظهر في صراع أبطال الرواية للوصول إلى حلمهم، سواء كان حلمًا شخصيًا، كما عند أنس السكندري، الذي حققه بالانتقام من ابن المدبر، أو أحمد ابن طولون نفسه، الذي حلم صغيرًا بحكم مصر والانفراد بها، وهو ما كان، أو عند سعيد ابن كاتب الفرغاني المهندس المسيحي الذي بنى جامع ابن طولون، وعمل على عدم هدمه بعد وفاة ابن طولون بمساعدة عبد الرحمن، أو حلمًا عامًا، كما عند عائشة التي أرادت الحفاظ على تراث أبيها وساعدها زوجها عبد الرحمن فيه، ليتحول من شخص مغامر إلى فارس أنقذ جامع والدها حتى ولو كان حبًا فيها.

 

ورواية "القطائع"، تضم أبطالًا عديدين أغلبهم حقيقي وذكر في التاريخ، وبعضهم من وحي خيال الكاتبة التي استطاعت أن تهضم ما قرأته عن تلك الفترة بالرجوع إلى مصادرها وكتابها، وتقدم لنا تاريخًا من لحم ودم لشخصيات الرواية التي كان كل واحد منها يحمل حلمه بداخله ويسعى لتحقيقه، وهم أنس الوراق بن شيخ الصيادين، وميسون ابنة القاضي يحيى، وابن المدبر والي الخراج وبحنس ساحرة الهرم حبيبة سعيد التي هجرته، بعد أن تخلى عنها وظل نادمًا على فراقها، وسعيد بن كاتب الفرغاني نفسه الذي خسر الحب وعوضه بالبناء والهندسة، أسماء زوجة ابن طولون، وجعفر بن عبد السلام كاتب ابن طولون، ولؤلؤ خادمه، والراهب أندونة الذي ترك الدنيا، وصادقه ابن طولون، وكان يجد السكينة معه.

  وصحيح أن أحمد ابن طولون موجود بشكل رئيسي في أحداث الرواية وحكاياتها الثلاث، إلا أن هذا لم يمنع الكاتبة من الحكي عن باقي الشخصيات، وتمكنت من الكشف عن مشاعرها وصراعاتها، وإحباطاتها المختلفة، وبينت لنا الحب والفراق والكره والانتقام والهزيمة، حتى كانت النهاية بالوصول إلى الهدف الرئيس، وهو الانتصار سواء لقيمة الحلم وبقاء مسجد ابن طولون، أو الانتصار لقيمة الحب التي كللتها باستمرار علاقة عائشة ورجوع زوجها عبد الرحمن ابن قبيلة بني سالم إليها. 

 

سر العرائس المتعانقة

 

وبين ثنايا الرواية توجد الكثير من المعلومات التاريخية، فكما تقول المؤلفة "يعتبر مسجد ابن طولون أقدم مسجد لايزل موجودًا في مصر، وأكبر مسجد من حيث المساحة.. حار متخصصو العمارة الإسلامية في روعة شرفات مسجد ابن طولون وفي مغزى العرائس المتشابكة المتضرعة للسماء التي تعلو جدار المسجد، وحتى اليوم لم يوجد مثلها في أي مسجد"، وقد أسند الأمير أحمد بن طولون إلى القبطي سعيد بن كاتب الفرغاني مهمة بناء مسجده، الذي اعتمد على الدعائم بدلًا من الأعمدة، وبنى واحدًا وعشرين بابًا للمسجد ويحيط بجدران المسجد الأربعة مئة وتسعة وعشرون شباكًا، وجعل شرفات المسجد كالعرائس المتعانقة المتصلة التي ترتفع برأسها إلى السماء.

وقد شُيد المسجد فوق ربوة صخرية كانت تُعرف بجبل يشكر، ويُعتبر من المساجد المعلقة، وهو أحد أكبر مساجد مصر، حيث تبلغ مساحته مع الزيادات الخارجية ستة أفدنة ونصف الفدان، وقد بُني على شكل مربع مستلهمًا من طرز المساجد العباسية، خاصة مسجد سامراء بالعراق الذي استلهم منه المنارة الملوية.

يقع المسجد حاليًا بميدان أحمد بن طولون بحي السيدة زينب، التابع للمنطقة الجنوبية بالقاهرة، ويجاور سوره الغربي مسجد صرغتمش الناصري، فيما يجاور سوره الشرقي متحف جاير إندرسون.

يُذكر أن ريم بسيوني، فازت بجائزة نجيب محفوظ للأدب عن روايتها "أولاد الناس"، وهي استاذة اللغويات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحاصلة على دكتوراه من جامعة "إكسفورد" ببريطانيا، ولها عدة كتب ودراسات علمية، كما ترجمت بعض أعمالها إلى لغات مختلفة، وصدر لها، عدة روايات منها: "سبيل الغارق"، "أولاد الناس"، "مرشد سياحي"، "أشياء رائعة"، "الحب على الطريقة العربية"، "بائع الفستق" و"الدكتورة هناء"، و"الحب على الطريقة العربية.  

اقرأ أيضًا: 

التكنولوجيا والتعليم يجب ألا يفترقان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز