عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الجمال على خريطة التاريخ

الجمال على خريطة التاريخ

معادلة فنية عالمية للمرة الثانية فى أقل من عام. 



افتتاح طريق الكباش كان ترسيخًا لمعالم فنون مصرية غارقة فى حضارة السنين. 

للشعوب علامات.. وللمصريين تاريخ أقدم من علامات الزمن. استعادت مصر نفسها.. بالتنمية والبناء.. واستِعَادة الأصالة. 

تستمد الأصالة معادلاتها من حضارات رسمت على التاريخ معايير الجمال. الإبداع فلسفة. كان المصريون القدماء أول من رسّخ معانى الفلسفة فى العالم القديم. 

لما قامت أثينا، اجتر أعظم فلاسفتها مبادئ الحق والخير والجمال من حضارة وادى النيل. 

خلق سقراط فكرته عن الوجود بعد أفكار الفراعنة بآلاف السنوات.

كان المصري القديم أول من تكلم عن المدينة الفاضلة فى المعابد ذات الصروح قبل أفلاطون بعقود طويلة.

ولما جاء الفيلسوف فيثاغورس، أعاد نظريات أذواق فرعونية انعكست على مدرسة فلسفية ظلت، ربما إلى الآن، معيارًا للتأمل فى الآداب وفى الفنون.. وفى فلسفة الفن.. ونظرة الإنسان للكون للآن. 

أنشأ فيثاغورس من فلسفات الفراعنة دينًا انتقل إلى دول أوروبا سنوات قبل الميلاد، واستمر، وقاوم هجمات البرابرة من الشمال.. وهذّب المجتمعات.. ورتّب أذواقها.. وأسّس لعصر نهضة فتح على العالم مزيدًا من أبواب الفن والجمال.

(1) 

تتعرض الأذواق الجمعية فى الأزمات الاجتماعية، ومع التحولات إلى شىء من اللخبطة. هذه معادلة معروفة فى كتب الأخلاق.. وعلوم الاجتماع. لكن تأتى الدولة القوية، لتعيد مفردات الذوق.. بالتوازى مع مفردات التنمية.

تستعيد الدولة المصرية منذ سنوات قليلة مقامات الذوق العام.. كما تستعيد القدرات فى السياسة، وفى الهيمنة، وفى الاقتصاد.. وفى ضمان حقوق المواطن. 

للمواطن حق فى الذوق السليم.. تمامًا مثلما له حقوق فى الضمان الاجتماعى.. وفى التأمين الصحي. 

للذوق الجمعى آثار إيجابية على المجتمعات ونهضتها. 

يؤمن عبدالفتاح السيسي أن الهوية المصرية قادرة على تنقية نفسها بنفسها من كل «الموضات الجديدة».. و«معاملات الهدم الاجتماعى الطارئة».

اعتمد عبدالفتاح السيسي مليارات لمعادلة استعادة الذوق والأصالة، جنبًا إلى جنب مع مليارات استعادة كرامة الأولى بالرعاية، واستعادة حياة الملايين من المصريين فى ريف مصر. 

أحدث عبدالفتاح السيسي ثورة «ذوقية حضارية» فى بؤر مضيئة على خريطة مصر من الإسكندرية إلى أسوان.  أعادت دولة 30 يونيو بالمتاحف العالمية على الأراضى المصرية توزيع خرائط التاريخ على محيط دولة قديمة بدأت فيها الحضارة قبل أن تبدأ فى العالم الحضارة. 

حفل افتتاح طريق الكباش كان هدفًا جديداً فى مرمى التاريخ. هذه دولة لها من الماضى ما تتفرد به. 

هذا شعب أقام العالم فى الماضى، واستطاع أن يقيمه مرات أخرى فى الحاضر.. وأظهر من بواطن قدراته أنه ما زال يحوز الكفاءة على أن يقيّم العالم فى المستقبل.

(2)

للشعوب ثقافات مختلفة. تعرف «الثقافة» فى علم الاجتماعى بأنها «الكل المعقد الذي يجمع الآداب والفنون والأفكار والسلوكيات الاجتماعية للتعاطى مع العالم المحيط». 

الثقافة أسلوب حياة. وعلى ضفاف النيل، أقام المصري القديم أولى نظريات الذوق العام. 

أولى وصايا الحكيم بتاح حتب «لا تلوث مياه النيل». وفيها أول نماذج بشرية لتعليمات سلوكية لمجتمع منضبط يحترم الهوية.

الهوية هى أصالة الماضى فى الطريق للمستقبل. تبحث شعوب كثيرة عن تاريخ، مسطور لنفسها، بينما دوّن المصري القديم قبل الجميع تاريخه على جدار المتاحف المصرية القديمة.. بالكلمات والألحان.. وحتى التوزيع الموسيقى.

رسم المصري القديم على جدرانه القديمة، الآلات الموسيقية وترك ألحانًا احتفالية نظّمت الكلمات، وأعادت تنسيقها فى مواجهة رابحة مع الزمن. 

جاء الأحفاد ليعيدوا أمجاد الأجداد.

(3) 

للدولة حقها فى حماية ذوقها الجمعى. للدولة حقها فى حماية الذوق الاجتماعى، كما للمجتمع حقه فى استعادة أصالة الماضى، فى الطريق للمستقبل. 

يعرف الذوق العام «بأنه مجموعة من السلوكيات والأداءات الجمعية تُعتبر جزءًا مهمًا من ثقافة المجتمع وهويته». 

تدخل مجتمعات الأصالة، عادة، نزاعًا محسوم النتيجة لصالح الأصالة، مع «موضات» قد يماهى بعضهم بينها وبين التطور. 

الموضات الفنية فيروسات اجتماعية. تقاوم الدولة المصرية الآن «فيروسات الذوق»، تمامًا كما سنّت الإجراءات الاحترازية ودفعت باللقاحات مجانًا لمكافحة كورونا. 

يكسب المجتمع معاركه مع «موضات الهدم الاجتماعى» التي تفتح فى الأزمات الاجتماعية حنفيات الاجتراء باسم الحرية. 

لا يخضع الذوق فى دول الأصالة لمفردات العرض والطلب. تتعاظم قدرات المجتمع على هزيمة نزق الحريات فى الفن بالذات، فى ظل دولة مدركة أن أصالة الماضى، هى معيار المستقبل.

لا تعبر «الموضات» باسم الفن، وبحجة الإبداع عن تواريخ الشعوب. لا تعبر الموضات عن مراحل هوية ممتدة فى صفحات أقدم سجلات هذا الكوكب. 

لا تعبر موجات النزق باسم الحريات عن ثقافات المجتمعات وهويتها.

الذوق الجمعى هو مجموعة من المشتركات الأخلاقيّة التي بالضرورة تسهم فى ترقية المشاعر الجمعية لحماية مكوّنات الجمال والحق والخير.

من افتتاح المومياوات.. إلى احتفال الكباش، تقر الدولة المصرية قواعد أسطورية لهوية مصرية، دفعًا للمجتمع ومساعدة له على أن ينفض عن نفسه بقايا تراب فترات ما يعلم بها إلا ربنا.

(4)

التغيير ليس مطلوبًا لذاته، ولا يمكن أن يوصف بالتطوير أى تغيير مهما كانت سماته أو صفاته. 

فى معادلات الفن، كما فى معادلات السياسة، لا خطوات للأمام وفق نظريات «شعبوية» تخضع لعشوائية آراء بعض الفئات فى المجتمع.

لا يمكن اعتبار التطوير مطلقًا بلا محددات، كما لا يجوز اعتبار أن أى تغيير هو تطوير بالضرورة. 

فى الموسيقى، كما فى السياسة، العبرة بالنتائج والآثار. 

لا تقبل دول الحضارة «التطوير الشعبوى» تحت أى مسمى. الدليل أن المجتمعات الأوروبية رفضت موجات موسيقى (الراب والريجى).. التي قبلتها المجتمعات الأمريكية بدعوى الانفتاحية.

لابد أن يقودنا هذا إلى المقارنة بين طبيعة كل مجتمع.. ونظرته للذوق.

نظرة المجتمع الأمريكى، على سبيل المثال، للذوق مشابهة لنظرته لتجارة السلع فى خضوعها للعرض والطلب. فى المقابل، تظل مجتمعات الحضارات القديمة متمسكة باعتبارات «قيمية» للذوق. لذلك فإن فى تلك المجتمعات، لا تُخضع القيم والفضائل الاجتماعية للنظريات التجارية.

لكل مجتمع خصائص تنطلق من جغرافيا وتاريخ. صنعت مصر الحضارة قبل أن تصنع دولًا كثيرة لنفسها تاريخًا.  حفل افتتاح الكباش كان دليلًا أكبر على أن اشتقاق نظريات المستقبل من أصالة الماضى ميزة فريدة لا يحوزها إلا مجتمع أقام آثارًا بقيت لأن تحير التاريخ قبل الجغرافيا.

تدعم الدولة المجتمع فى حماية نفسه وحماية ذوقه العام. مع التغيرات الاجتماعية الشديدة، ومع سوء استخدام التكنولوجيا، أو فساد استغلال وسائل الاتصال تظهر مجموعة من الظواهر أو الموضات، التي قد يتعامل معها بعضهم بوصفها صورة من صور تطور القيم الأصيلة.

هذا ليس صحيحًا.. الموضات ليست «تقاليد»، والقيم ليست «طفرات». 

تدعم دولة 30 يونيو المجتمع فى إقرار نظم مختلفة لحماية ذوقه العام. كثيرًا ما يلجأ المجتمع إلى القانون فى حماية القيم، وكثيرًا ما لا يكون هناك بديل أقوى من العرف الجمعى سلاحًا، إذا خالفت ظواهر ما بحجة الفن أو بمسمى الإبداع.. الهوية. 

لا يمكن إنكار أن سوء استخدام التكنولوجيا، وسرعة تناقل المعلومات بغير ضوابط أدى إلى نشوء ما يسمى بالظواهر الاقتحامية التي تحاول فرض نفسها على بعض أنماط السلوك والعادات.

مرة ثانية.. لا يمكن إنكار تراجع الأدوار التقليديّة لمؤسسات الضبط الاجتماعى أولها الأسرة فى التأثير على الأجيال الجديدة. 

هنا لا بد أن تلجأ المجتمعات إلى «جبرية عرفية» لإعادة التوازن إلى الأنماط السلوكية إذا تجاوزت «الموضات» حدود الحرية الفرديّة للتعدى على الذوق العام. 

تدعم الدولة المصرية «أصالة الذوق».. و«ذوق الأصالة». تبقى باقى المهمة فى رقبة مجتمع لابد أن يكافح.. كى يوازى خطوط الدولة فى التنمية المستدامة فى البناء وفى استعادة الذوق.

مسؤولية المجتمع أكبر فى التقاط دعم الدولة لتنمية مستدامة فى الذوق العام.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز