عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكم نهائي يلغي قرار التعليم ويمنع التنكيل بالمرأة وطفلتها المريضة بمتلازمة داون

المستشار محمد عبدالوهاب خفاجى
المستشار محمد عبدالوهاب خفاجى

قضت المحكمة الإدارية العليا فحص بمجلس الدولة، في الطعن رقم 18082 لسنة 60 ق عليا بإجماع الآراء برفض الطعن المقام من وزارة التربية والتعليم وتأييد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بوقف تنفيذ قرار مدير عام التعليم الفني بإدارة دسوق التعليمية بندب السيدة (ل.م.ا) المدرسة بمدرسة دسوق التجارية بنات حال كونها مريضة بورم ليفي ونزيف متكرر بالرحم وترعى طفلتها المعاقة ذهنيًا متلازمة داون بمدرسة التربية الفكرية إلى مدرسة سنهور التجارية المشتركة التي تبعد عن مدرسة الطفلة للتربية الفكرية بثلاثين كيلومترًا مربعًا ذهابًا وإيابًا، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته من دون إعلان. 



 

ويعد ذلك الحكم أول سابقة قضائية تتيح للقاضي الإداري تطبيق مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة كمصدر احتياطي للقانون، تحقيقًا للعدالة العاجلة للأمومة والأطفال من ذوي الإعاقة المتلازمة، بحظر استخدام الإدارة سلطة الندب لمسافة 30 كيلومترًا للتنكيل بالمرأة المريضة وطفلتها المعاقة ذهنيًا متلازمة داون لعدوانه على رسالة الأمومة وذوي الإعاقة المتلازمة.

 

وأكدت المحكمة (5) مبادئ لحيثيات الحكم وهي: 1- حق الأم العاملة في رعاية طفلتها المعاقة ذهنيًا يعلو فوق كل اعتبار وظيفي، ووضع العراقيل أمامها بقرارات النقل أو الندب في أماكن بعيدة عن متابعة طفلتها انفصال فارق لبنيان الأسرة يمزق أواصرها.

 

 2- مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة من المصادر الاحتياطية للقانون تعبر عن القيم العليا للضمير البشري نحو العدل، وهي ليست من صنع المشرع وإنما متأصلة في الطبيعة البشرية وملهمة للقاضي في الحلول العادلة العاجلة.

 

 3- لا يجوز للإدارة استخدام سلطة الندب للتنكيل بالمرأة المريضة لمسافة 30 كيلومترًا بعيدا عن رعاية طفلتها المعاقة ذهنيًا، لعدوانه على رسالة الأمومة وحقوق ذوي الإعاقة في أشد صورها.

 

 4- مدير التعليم الفني بدسوق ندب الأم المريضة من مدرستها لأخرى تبعد عن مدرسة ابنتها المعاقة ذهنيًا بـ30 كيلومترًا مخلًا بواجبين دستوريين.

 

5- كان يتعين على وكيل وزارة التعليم أن يصوب الأمر فيدفع عن الأسرة عوامل الوهن ومغبة الافتراق، ويعصمها من التشتت والضياع والانزلاق، وهي في الحق فرائض وسنن أوجب بالرعاية والحماية والإغداق.

 

بداية القضية بأن السيدة (ل.م.ا) وزوجها وبصحبتهما طفلتهما المعاقة ذهنيًا متلازمة داون وقفوا أمام القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، حيث قالت الأم له: "سيدي القاضي أنا أعمل مدرسة بمدرسة دسوق التجارية بنات، ومريضة بورم ليفي ونزيف متكرر بالرحم، ودي التقارير الطبية اللي تثبت مرضي، وكمان أرعى طفلتي إللي أمام حضرتك وهي كما ترى معاقة ذهنيًا بمتلازمة داون متقدرش تتصرف لوحدها في شيء، وهي في مدرسة التربية الفكرية"، ثم تنهدت الأم بالدموع فهدأ القاضي من روعها وقال لها أكملي، استمع إليك بإنصات، فأضافت: "مدرستي جنب مدرسة طفلتي والمدرستان قريبتان من البيت بـ200 متر فقط، لكنني فوجئت بمدير التعليم الفني ينتدبني إلى مدرسة سنهور التجارية المشتركة وهي تبعد عن مدرسة الطفلة بـ15 كيلومترًا، يعني مطلوب مني بعد ما كنت بمشي 200 متر فقط إني أمشى 30 كيلومترًا للمدرسة الجديدة". فسأل القاضي الحاضر عن الجهة الإدارية الرد فقال: "حضرتك الندب سلطة تقديرية وفقًا للقانون ولصالح العمل"، ثم وجه القاضي نظرته إلى الأم طالبًا منها التعقيب فقالت: "أنا موظفة وعارفة الندب لصالح العمل، بس يقدر يقولي الحاضر عن الإدارة إزاي بالعقل حمشي 30 كيلومترًا وألحق بنتي في مدرسة التربية الفكرية وهي في حالة بكاء؟" فنطق القاضي بالحكم لصالحها وطفلتها وتبدلت دموعها بفرحة وهي تحتضن ابنتها وزوجها يبكي ويقبل رأس ابنته في موقف مؤثر.

 

قالت المحكمة برئاسة القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة أن ندب المرأة العاملة وإن كانت الإدارة تترخص فيه بما لها من سلطة تقديرية تخضع فيه لقيود قانونية بأن يكون الندب مؤقتًا لوظيفة من نفس درجة وظيفتها أو تعلوها مباشرة إذا كانت حاجة العمل في الوظيفة الأصلية تسمح بذلك، فإنها تخضع كذلك لقيود أخرى وإن لم يذكرها المشرع ترتبط بمبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، وهي تلك التي بمقتضاها يعد التصرف ظالمًا أو عادلًا تبعًا لكونه مخالفًا أو موافقًا لمنطق العقل، وتكون تلك القواعد معبرة عن القيم العليا للضمير البشرى نحو الوصول للعدل وإحقاق الحق، وهي ليست من صنع المشرع وإنما هي متأصلة في الطبيعة البشرية، وتكون من ثم ملهمة للقاضي في الحلول العادلة العاجلة مثلما هي ملهمة للمشرع لبلوغ القواعد المنظمة، ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة باتت راسخة في الضمير الإنساني من المصادر الاحتياطية للقانون.

 

وأضافت المحكمة أن المدعية مريضة بورم ليفي كبير بالرحم مع نزيف رحمي متكرر، ولديها طفلة من ذوي الإعاقة الذهنية "متلازمة داون" تقوم برعايتها ومتابعتها ذهابًا وإيابًا لمدرسة التربية الفكرية، فضلًا على قيامها بمتابعة حالتها المرضية بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة، بالإضافة إلى عملها كمدرسة مواد اجتماعية بمدرسة دسوق التجارية بنات التي تبعد عن منزل الأسرة بمائتي متر فقط، ما يمكنها من متابعة ابنتها المعاقة ذهنيًا في الغدو والرواح، إلا أن مدير عام التعليم الفني بإدارة دسوق التعليمية أصدر قراره المطعون فيه بندب الأم إلى مدرسة سنهور التجارية المشتركة التي تبعد عن منزل الأسرة بخمسة عشر كيلومترًا مربعًا، فيكون غدوها ورواحها ثلاثين كيلومترًا مربعًا يوميًا بعيدًا عن مدرسة الطفلة للتربية والفكرية، ما يستحيل عليها متابعة طفلتها المعاقة ذهنيًا، ويكون قرار مدير عام التعليم الفني بإدارة دسوق التعليمية رافضًا استجابة طلباتها ماسًا بالحفاظ على تماسك أسرتها من الضياع حال كونها مريضة بنزيف رحمي متكرر ومخلًا بواجب دستوري أولى بالرعاية والاعتبار لرعاية طفلتها وهي في أصعب حالات الإعاقة الذهنية ويعوق الأم عن متابعتها، ويكون مُصدر القرار قد استخدم رخصة الندب في غير ما شرعت له منحرفًا بالندب عن صحيح غاياته ومعانيه ولُب أهدافه ومبانيه.

 

وأشارت المحكمة أنه كان يتعين على وكيل وزارة التربية والتعليم بكفر الشيخ أن يتدخل ليصوب الأمر وفقًا للقانون، لا أن يتخذ موقفًا سلبيًا بعد أن لجأت إليه المدعية، تأكيدًا لحكمة غايتها الحفاظ على الأسرة وترابطها عبر توازن دقيق استجابة لقيم وموجبات تعلو على كثير من الاعتبارات والأهداف كونها تتعلق بالأسرة، أي باللبنة الأساسية التي يشيد عليها المجتمع، فكان لزامًا أن يفرض سياجًا لحمايتها وسائر أفرادها فيدفع دونها عوامل الوهن ومغبة الافتراق، ويعصمها من التشتت والضياع والانزلاق، وهي في الحق فرائض وسنن أوجب بالرعاية والحماية والإغداق.

 

وأوضحت المحكمة أن حق الأم العاملة في رعاية طفلتها المعاقة ذهنيًا متلازمة داون يعلو فوق كل اعتبار وظيفي، وأن وضع العراقيل أمامها بقرارات النقل أو الندب لوالدتها في أماكن بعيدة عن متابعة طفلتها هو انفصال فارق لبنيان الأسرة منافيًا تلاحمها ,مقيمًا شريعتها على غير الحق والعدل ,ذلك أن الأسرة لا تقوم على التباغض أو التناحر ولكنها تحمل من القوة أسبابها فلا تكون حركة الأم في متابعة طفلتها المعاقة انفلاتًا بئيسًا، ولا حريتها في رعايتها نهبًا لقهر أو طغيان، ولا حقوقها انطلاقًا بلا قيد، ولا واجباتها تشهيًا بهواها، بل يظلها حياؤها وآدابها تعصمها صلابة الضمير ويتوج ائتلافها بنيان من الفضائل يرعى التكافل الاجتماعى بين آحادها، انتماءً مطلقًا لآمال أفراد الأسرة ورعاية مصالحها وكفالة وحدتها بما يحول دون تشتيتها أو تمزيق أواصرها أو بعثرة جهودها، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه إذ وضع العراقيل للأم المريضة تنال من حقها كمريضة وحق رعاية طفلتها المعاقة ذهنيًا مخالفًا مخالفة صارخة مبادئ القانون الطبيعي ومجافيًا قواعد العدالة.

 

وانتهت المحكمة إلى أنها وهي جزء من نسيج هذا الوطن تلحظ أن القرار الطعين يتعارض مع مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة بحسبان أن المدعية لا تستطيع عقلًا ومنطقًا وهي المريضة بورم ليفي كبير بالرحم مع نزيف رحمي متكرر أن تتابع حالة طفلتها المعاقة ذهنيًا حال ذهاب الأم وإيابها لثلاثين كيلو مترًا مربعًا في المدرسة التي اُنتدبت إليها بعيدًا عن مدرسة الطفلة للتربية الفكرية، مما يتأذى منه الضمير الإنسانى والضمير القانوني على حد سواء وتقضي المحكمة بتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز