عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

أحمد حلاوة: إصلاح الفن يبدأ من "المدرسة".. وافتتاح الكباش أبرز صورة "مصر القادرة"

الفنان أحمد حلاوة
الفنان أحمد حلاوة

مهندس الاتصالات الذي التقطت رادارات أساتذته موجات بث إشاراته الأولى، فوق خشبة المسرح المدرسي، والأكاديمي اللاهث خلف حلمه في غيابات البحر الميت، والجامعي الحالم بنقل تجربته الخاصة، لصناعة جيل جديد من المبدعين.



 

"العراف" الذي عبر بلاد "ما وراء النهر" وبث في نفوس أتباعه ومريديه "طاقة نور"، سعيًا وراء كنز "فرعون" موسى الغارق، وحكمة "القيصر" وسر "الهرم الرابع" المفقود. 

 

في مشوار بحثه عن ذاته، تخلص من بريق "الوسواس" الزائف، وأبطل حيل "ساحرة الجنوب"، ليثبت للجميع أنه وبحق "استاذ ورئيس قسم".

 

مسيرته الفنية التي جاوزت الخمسة عقود، كانت "حكاية بلا بداية ولا نهاية"، دارت فصولها في حلقة مفرغة من الإبداع، وطوال هذه الرحلة الطويلة كان "صاحب مبدأ" ثابت، ليحتل قلوب عشاقه "بدون ذكر أسماء" ويصبح "صاحب السعادة" الذي أظهر لهم أن الحياة ليست دومًا "على كف عفريت"، فخلف عتمة الليل يوجد دومًا "وش تاني".   

 

هو الفنان أحمد حلاوة، نجل شقيق المخرج الراحل فايز حلاوة، وسليل "مدرسة التلامذة" التي فتحت أبوابها أمام جيل من المُبدعين.. حاولنا الاقتراب من خبراته الأكاديمية، في حوار رشيق لا يخلو من اقتحام بعض حقول الألغام، فكان نص الحوار التالي:

 

- بداية مبروك نجاح حكاية "النضارة البيضاء" التي كنت أحد أضلاعها، والسؤال لك كأكاديمي.. ما الإضافة التي قدمتها حكايات الخمس حلقات للدراما المصرية؟

 

الدراما المكثفة ليست بجديدة على المشاهد المصري، والتي بدأت بالسهرات التليفزيونية، مرورًا بالثلاثيات والسباعيات، فمن حيث الجِدة والإضافة، فهي ليست مستحدثة أو وليدة اللحظة، بل لها جذور قديمة تعود لمنتصف القرن الماضي، فالقصة ليست معنية بالإضافة بقدر الاهتمام بنوعية المحتوى المُقدم، والجرعة الدرامية، وجرأة التناول لقضايا المجتمع، وهنا تكمن النقطة الجوهرية، والإضافة الحقيقية.

 

- هل استطاعت دراما وحكايا الخمس حلقات القضاء على السيناريوهات "التفصيل"؟ 

 

المشكلة تكمن في "الكيف" لا الكم، وهي الأزمة الحقيقية التي يعيشها الفن، ونحن حينما نتناول عمل فني بالنقد، فنحن بصدد تفنيد وتحليل كيفية صناعته، فهناك عشرات الأعمال التي دارت حول شخص واحد، لكنها حققت نجاحًا باهرًا نظره لحرفية النص ومدى قدرة صانعيه على إيصال مضمون الفكرة للجمهور، وسأوضح ما أصبو إليه هنا بمثال بعيد نسبيًا عن صُلب السؤال، "كم أغنية تم تقديمها عن الحب؟"، الإجابة ستكون هناك مئات آلاف الأغنيات التي تناولت هذه النقطة، لكن نجح منها فقط عدد محدود، بسبب عُمق الفكرة وصدق الإحساس الذي قُدمت به، ومن ثم وصلت للجمهور بنفس الإحساس.

 

لقطة من مسلسل الوسواس

 

 

- متى تنتقل عدوى الدراما الجادة إلى السينما؟

 

الفن نتاج مجتمع وبيئة وثقافة حاضنة له ولأعمدة بنائه، وهو في النهاية وليد تلك المكتسبات والعادات التي ينشأ فيها، كالطفل الصغير الذي يحتاج للعناصر الغذائية حتى يشب وينمو، فإن توافرت له بشكل كافي، يكون صحيحًا مُعافى قوي البُنية، وإن لم تتوافر له البيئة الصالحة، خرج إلى الدُنيا وهو ضعيف ويُعاني من الأمراض والأسقام.

 

- إذن أين يكمن الخلل؟

 

علينا أولًا توضيح ما نعنيه بمصطلح "الخلل"، فالفن وليد الظروف والمتغيرات التي يمر بها المجتمع، وهي كفيلة بإفراز عادات وقيم وسلوكيات تُعبر عنها، ويمتد أثرها للفن كأحد نواتج البيئة الحاضنة له، ونظره واحدة إلى ما مرت به مصر في العقدين الأخيرين كفيلة بالتفسير.

 

من كواليس مسلسل لمعي القط

 

 

 

- هل تتبنى وجهة نظر علماء الاجتماع التي تعزو التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري إلى غياب "الطبقة الوسطى" وتخليها عن دورها الفاعل لصالح فئة أقل علمًا وثقافة؟ 

 

الأمر أعقد من هذا التحليل بكثير، فالهزة والتغيرات الاجتماعية والسياسية التي أسفرت عنها هزيمة 67، مرورًا بعصر الانفتاح، وما شهده من تحولات في الأيديولوجية السياسية والاقتصادية، تخطت حدود صعود الطبقة الأقل ثقافة وعلمًا، وتصديها للإنتاج الفني كأحد الروافد الرئيسية، المعبرة عن لسان حال أي مجتمع، وصولًا لظهور فئة جديدة من "المُتلقين"، كانت تحتاج لمفردات تواكب ذوقها وتتماشى مع مزاجها وعقليتها.  

 

- كيف يُمكن للمُتلقي إحداث تغيير في المُحتوى.. هل من الممكن أن توضح أكثر؟

 

بعد الانفتاح هبطت طبقة الموظفين "الوسطى المُتعلمة" في السلم الاجتماعي، لتحل محلها طبقة الحرفيين وأصحاب المهن الحرة، ليصبح لديها القدرة المادية التي تمكنها من ارتياد المسارح والسينمات، ما ساهم بنفس القدر من التغيير في "المزاج العام" للفن باعتباره مرآة المجتمع العاكسة لما طرأ عليه من تغييرات.

 

- هل الهزيمة وتغيير الأيديولوجية الاقتصادية والسياسية يمثلان سببًا كافيًا للانحدار الفني؟

 

أي دولة تواجه مرارة الهزيمة يكون أمامها مُعضلة كبيرة توجب عليها الاختيار ما بين أمرين إما إعادة التسليح أو الاهتمام ببناء الفرد.. وهنا "البندقية كانت أهم من الخبز"، ما أفسح المجال للطبقة النفعية الجديدة، والتي استغلت الظروف لصالحها.

 

أحمد حلاوة من كواليس مسلسل طاقة نور

 

 

- هل توقف الأثر السلبي للهزيمة عند رفع يد الدولة عن الإنتاج الفني الثقافي؟

 

لا لم يتوقف وإنما كانت هناك عوامل أخرى خارجية أكثر تأثيرًا، ألا وهي ظهور طبقة "الأوبك"، التي جنت ثمار ثورة البترول في منطقة الخليج، ولما كانت بلادهم لا زالت تحت قيود البداوة، وبما أن مصر كانت حينها هي "هوليود الشرق"، فإن النتاج الطبيعي كان توجه المنتجين شطر تلك الفئة الجديدة، التي احتلت مقاعدها بين صفوف الجماهير، وهنا كانت الأزمة الأكبر، التي أدت لظهور حقبة الأفلام والمسرحيات "التجارية" الخالية من الشكل والمضمون، والتي تناسب متطلبات الجمهور الجديد، الذي توقف إدراكه للفن عند حدود نمط شخصية "إسماعيل ياسين" ولم يبارحها.

 

- صف لنا مراحل حقبة الإنتاج الفني التجاري؟

 

بعد ظهور طبقة جمهور "الأوبك"، كان من الطبيعي أن تسعى دول الخليج لامتلاك انتاجها الفني، ونظرًا لأنهم كانوا يُعانون من فقر شديد في الأعمدة الرئيسية لتلك الصناعة، فإن النتيجة الحتمية هي الاستعانة بالكوادر المصرية من فنانين ومخرجين ومؤلفين، لإثراء قنواتهم الخاصة، بأفلام ومسرحيات تتناسب مع مزاجهم، وهو ما استغله منتجو هذه الفترة أسوأ استغلال، فبدأوا بتصوير مسرحيات كاملة داخل الاستديو، وتطور الأمر إلى حد تركيب أصوات الجمهور، مرورًا بالاستعانة بأطقم العمالة والفنيين، ليحلوا محلو الجمهور لمزيد من الإقناع، وهكذا وصولًا لمسرحيات اليوم الواحد، التي أنعشت استديوهات اليونان ومسارحها، حيث كان يجري التحضير لها وتسجيلها هناك، وهي من أفقر الفترات التي مرت على الفن المصري، والتي تراجعت به عشرات السنوات إلى الوراء.

 

-  كنت شاهدًا على هذه المرحلة.. كيف تعاملتم معها؟

 

للأسف السينما والمسرح صناعة تحتكم لقواعد السوق وآلياته، وهي التي فرضت علينا تقديم نوعية تناسب متطلبات جمهور تلك المرحلة، والذي كان يملك المال والقدرة على الشراء.

 

أحمد حلاوة في لقطة من مسلسل أفراح إبليس

 

 

- هل الفن رسالة سامية أم بيزنس وتجارة تدافع عن مصالحها؟

 

لا يمكن القياس على تلك القاعدة فلا وجود للرسالة السامية، إذا كانت قواعد السوق تفرض غير ذلك، ففي النهاية هي صناعة وتجارة، لا تعترف سوى بمعيار وحيد هو المكسب والخسارة، وفقًا لمبادئ العرض والطلب، التي ترتكز على أسس وقواعد حاكمة، لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، والأمر كما قلنا يعود في النهاية إلى عقلية صانعيه، والرسالة التي يريدون إيصالها، علاوة على نوعية هؤلاء المُتلقين.

 

- كأكاديمي مع أي الرأيين تتفق "الفن هو الأداة التي تُقوم سلوكيات المُجتمع" أم أنه "نتاج للبيئة المحيطة"؟ 

 

أنا أتفق مع وجهة النظر التي تقول أنه نتاج لثقافة المجتمع، فهو مثل بث الإذاعة إذا لم تجد الراديو الذي يلتقط موجاتها، فإنها ستضيع في الفضاء، وبتشبيه آخر فهو كالنبته البكر، إذا لم تجد التربة الخصبة لنموه سيذبل ويموت، فالفن عبارة عن شفرة لها دلالات، وهذا سر انتشار موجة "المهرجانات" للأسف، لأنها وجدت شرائح اجتماعية تتقبل مفرداتها.

 

- هل سياسة المنع هي الحل الأفضل أم ترك الحكم للجمهور؟

 

دعنا نتفق أن كل مجتمع له قوانينه الخاصة، وقد تختلف تلك القوانين داخل حدود القُطر الواحد، فعقلية أهل الريف تختلف عن أهل الحضر، وتفكير عمال المناطق السياحية، يختلف عن سكان المناطق الشعبية، إذن فقوانين التحكم والرقابة قد تلقى قبولًا في زمن وتوقيت مُعين، فيما يتم لفظها في بيئة أخرى، وسياسة المنع المُرسلة أثبتت عدم جدواها.

 

أحمد حلاوة ومكى لقطة من مسلسل الاختيار

 

 

- إذن كيف نُحارب الإسفاف كمجتمع بعيدًا عن تدخل الجهات الرقابية؟

 

البداية الصحية تبدأ من القاعدة.. ومن النشء، وهو ما عشته أنا وجيلي، الذي عاصر وجود المكتبة المدرسية وفهم قيمتها، بالإضافة للأنشطة المدرسية الإلزامية، كالموسيقى والزراعة، وهو ما تجلى في شكل مسابقاتنا المسرحية الرسمية خلال المرحلة الإعدادية – كانت تشرف عليها وزارة التربية والتعليم حينها – والتي تعتمد نصوص شكسبير وموليير التي نترجمها بأنفسنا، ويتولى إخراجها عظماء من عينة كرم مطاوع وجلال الشرقاوي، وسمير العصفوري وكان أصغرهم سنًا، والنتيجة كانت اكتشاف دفعة من الفنانين أمثال محمد عبدالمعطي والراحلين "أحمد راتب وسمير حسني ونور الشريف وخليل مرسي"، وهو مؤشر يوضح الفوارق الثقافية ما بين الجيلين، ويؤكد أن الحل مُتاح أمام ناظرينا. 

 

- هل يُعد هذا الطرح بمثابة دعوة للقائمين على التعليم بإعادة تفعيل درجات الأنشطة المدرسية مرة أخرى؟

 

بالطبع، فهذه الأنشطة تُهذِب النفس وترتقي بها، علاوة على أنها ستكون بمثابة "الراية"، التي يتسلمها جيل بعد جيل، ما يعني تمهيد وتقويم بنية الوطن، ونبذ ومقاومة بذور الجهل والتعصب والتطرف من بدايتها، وتوفير البيئة الصالحة للمتلقي الجيد والمبدع الراقي المنتمي لوطنه.

 

- كيف يكمل الفن جهود الدولة لبناء الفرد كنواة لمجتمع صالح وقادر؟

 

الدولة تسعى قدر جهدها لتقديم نموذج الفن الراقي، وحينما تكشفت له حقيقة وجود أطراف دولية بعينها، تسعى لتجنيد إعلامها الموجه لنسف منظومة القيم المجتمعية، وتشويه صورة القدوة والنموذج، وإعلاء شأن كل ما هو قبيح، كان لزامًا عليها التدخل بشكل أكثر فاعلية، وبتحرك عاجل وسريع، لتقديم أعمال تستهدف إعلاء قيم الانتماء، علاوة على التوجه تجاه توفير كيانات شرعية يمكنها تقديم البديل الراقي.

 

أحمد حلاوة وماهر سليم وعمرو سعد داخل كواليس مسلسل بركة

 

 

- كيف ترى جهود الدولة تجاه "كسر شوكة" الحرب الإعلامية الموجهة ضد شبابنا؟

 

هي تحركات تنم عن قدر كبير من الوعي والذكاء، إذ واجهت "دكاكين وأكشاك الإعلام المشبوه"، بشكل لا يتعارض مع قواعد "الاقتصاد المفتوح"، الذي تسير المنظومة العالمية وفقَا له، بشكل يتيح لها ميزة التدخل بشكل إيجابي ومؤثر، في اختيار نوعية الأعمال التي ستعرض داخل حدودها وعبر سماواتها، وهو الأمر الذي يُبطل مؤامرات الخارج علينا، ويجعله بالمعنى الدارج "يشرب السم الذي حاول دسه لنا"، فإما قبول الشروط والمعايير التي نضعها وإما البحث له عن سوق آخر.

 

- هل هذه هي الجولة الأخيرة لهذا الصراع؟

 

الحرب لم ولن تنتهي، والصراع لن تتوقف بتضييق الخناق على إعلام العدو ورسائله المُوجهة، فالمعركة تُشبه رُقعة الشطرنج، تنتقل من رقعة إلى أخرى، حيث بدأت بالمحطات الفضائية، ومنها إلى المنصات الإلكترونية، وكلما سددنا بابًا سيتجهون لغيره، والأمر يزداد تعقيدًا مع التطور التكنولوجي، فنحن أمة تعيش في خطر.   

 

- لنخرج لمنطقة أخرى.. والسؤال هنا هل انتشار وتألق الفنان مرتبط بسن معين؟

 

الفنان صاحب الرسالة والمتمكن من أدواته، يفرض تواجده على الجميع مهما كان سنه، وأنا منهجي الوحيد في الحياة هو إتقان العمل، بكل ما تقتضيه الكلمة من معنى.

 

أحمد حلاوة وجائزة التميز من مهرجان همسة للفنون

 

 

- شاركت في ١٣ عملًا فنيًا هذا العام.. كيف يحافظ الممثل على "الشعرة" الفاصلة بين الشخصيات التي يؤديها؟

 

العبرة في قدرته على الإلمام والإحساس بحدود الشخصية وأبعادها، وهنا الدراسة الأكاديمية تضفي عليك المزيد من الخبرات، التي تمكنك من الإمساك بخيوطها، والحفاظ على الحدود الفاصلة بينها.

 

- هل الخبرات الأكاديمية والتنويع في طريقة الأداء هي السبيل الوحيد لنجاح الممثل؟

 

بالطبع ولكن المنطق والشواهد التاريخية تؤكد أن لكل قاعدة شواذ، وهنا تبرز قيمة العطاء الرباني والمنح الإلهية للفنان، والتي تتمثل فيما يحظى به من قبول لدى المُشاهدين، ما يسمح له بتكرار نفس نمط الأداء في كل أدواره، دون أن يشعر المتلقي بالنفور أو الملل، وهناك أمثلة كثيرة من جيل العمالقة تثبت هذا الرأي وتدعمه، وأبرزها إسماعيل ياسين، زينات صدقي، عبدالفتاح القصري، عبدالسلام النابلسي، فكل منهم كان له تيمه وأداء يكاد يكون متطابقًا في كل أدواره على اختلافها، إلا أنك لا تستطيع أن تشعر تجاهه سوى بالحب.

 

- كرجل درست الإخراج.. هل تسمح لنفسك بالتدخل في عمل مخرجي أعمالك؟

 

لا أسمح لنفسي بالتدخل في عمل غيري، ولكن طبيعة عملنا تسمح بالنقاش والتشاور، وهو ما أقوم به مع المخرج والمؤلف، لبحث كيفية خروج مجهودنا بأفضل صورة ممكنة، والإضافة التي أسمح بها لنفسي هنا هي التي تقوم بـ"التخديم" على العمل ككل، ودوري بشكل خاص، أما إذا كان التفاهم بيننا مُستحيلًا فأنا أنسحب فورًا.

 

منى زكي ومحمد هنيدي وأحمد حلاوة من كواليس فيلم الجواهرجي

 

 

- متى تكون ديكتاتورية المخرج مهمة لنجاح العمل؟

 

إذا غابت الرؤية والاستراتيجية عن باقي العناصر، وجبت ديكتاتورية المُخرج.

 

- المخرجة شيرين عادل من المخرجين الذين يتيحون لممثليهم مساحة من الحرية.. كيف كان تعاونكم معًا؟

 

المخرجة شيرين عادل متفهمة وتُدرك حدود قدراتي، ولهذا فهي تركت لي مُطلق الحُرية للإبداع في تقديم أي دور أسند إليَ، سواء بالإضافة أو الحذف، بالشكل الذي يضيف للعمل بشكل إيجابي.

 

- جمعتك عدة أعمال مع الزعيم عادل إمام فهل أتاح لك نفس القدر من الحرية؟

 

الفنان عادل إمام من أذكى الممثلين الذين يمكن أن تعمل معهم، ولديه قدر عالِ من الحنكة والتقدير، لحرفية كل من يتعاون معه، لذا فهو يترك لك المجال للإبداع والارتجال، وفيما يخصني فأنا أتحرك وفق قاعدتين "الموقف" وحدود "الشخصية" التي أؤديها، وهو ما أدى لنجاح التفاهم والتعاون فيما بيننا في أكثر من عمل. 

 

الزعيم عادل إمام والفنان أحمد حلاوة

 

 

- في عصر لاهث.. أيهما سينتصر ويكتب كلمة النهاية دراما الخمس حلقات ام الدراما الطويلة؟

 

الإجابة هنا تتطلب الاستشهاد بالمسرح كمثال، والذي لا يمكن حصره في قالب بعينه، فهناك المسرحية الكوميدية، الأوبريت، الغنائية، الاستعراضية، التراجيدية، وكلِ منها شهد فترات صعود وهبوط، فلا يوجد شيء يمكنه البقاء للأبد، بالنظر إلى حالة التطور التي نعيشها، والتي ستفرض علينا أنماط متغيرة بما يتواكب معها، وفقًا لثقافة وفكر المجتمع الذي تُقدم له.

 

- بعد خمسة عقود من الفن.. هل هناك ما لم تقدمه بعد؟

 

وصلت لسن الثانية والسبعين، ولا زلت أجد بداخلي ذات التعطش، الذي كنت استشعره وأنا في فريق "مسرح المدرسة"، وأعيش حالة دائمة من التمني بتقديم أفضل ما عندي.

 

- هل ترى أعمالك بعيون الناقد الأكاديمي أم الفنان؟

 

أنا دائمًا لدي حالة من جلد الذات، وهو من الأمور المعروفة عني في الوسط، لهذا أرفض مشاهدة أي عمل من أعمالي بعد الانتهاء منه، لأني سأشاهده بعين المُتلقي والناقد في الوقت عينه، وحكمي دومًا لن يكون في صالحي، لأني أبحث عن الكمال.

 

- معنى هذا أن لديك قائمة بأعمال معينة لم تحظى برضاك الشخصي؟

 

هناك الكثير من الأعمال التي قدمت فيها أفضل ما عندي، ولكنها في المجمل لم تكن تصل للحد المُرضي بالنسبة لي، لعدم توافر نفس درجة الاحترافية في باقي عناصر العمل. 

 

- عاصرت وزاملت رموز وعمالقة التمثيل.. ما القيمة الأسمى التي اكتسبتها منهم كفنان ويفتقدها هذا الجيل؟

 

الانضباط والتفاني كانتا سمتين بارزتين فينا، وهذا لا يعني عدم توافرها في بعض نماذج الجيل الحالي، ولكنها مسألة نسبية، علاوة على انتشار مصطلحات ومفردات لم تكن مُستحبة ولا مستساغة فيما بيننا، مثل "عادي، إيه يعني، معلش، مش مشكلة"، لما نستشعره فيها من لا مبالاة وعدم تحمل للمسؤولية.

 

- ماذا أضاف لك عمك المخرج الراحل فايز حلاوة؟

 

سأذكر لك واقعة توضح لك ما الذي تعلمته منه، في أحد الفترات الزمنية كنت أعمل ضمن فرقته، وكان لدينا عرض يستمر مسرحي له جدول يسمح بعرضها خمسة أيام في القاهرة، ويوم في إحدى المحافظات، على أن يكون لدينا يوم راحة وحيد، يفصل فيما بينهما، وذات مرة وبعد انتهاء عرضنا بمحافظة بورسعيد، قررنا النزول للتبضع في المنطقة الحرة، قبل العودة للقاهرة، استعدادا للعرض الرئيسي هناك، والذي كانت تذاكره مُباعه مُسبقًا، المهم أن القوام الأساسي للفرقة، قرر المُشاركة في تلك الجولة، فيما قرر المخرج فايز حلاوة الانتظار، على أن نعود في تمام الساعة الثانية ظهرًا، لنتحرك فورًا إلى القاهرة، وهي المهمة التي أوكلها للفنان الراحل أنور محمد بوصفه الأكبر سنًا، المهم أننا تأخرنا عن الموعد المُحدد، ولم يجل بخاطرنا أن يُغامر عمي بالتحرك تاركًا خلفه 70% من قوام الفرقة، لنفاجأ بأنه غادر بالفعل، وبعد مداولات لحقنا به على مضض، ولا زال يحدونا الأمل بأننا في موقف قوة، وهنا كانت المفاجأة الصاعقة.. العرض بدأ ووصلنا في نهاية الفصل الأول من المسرحية، ليحصل كل منا على خصم 5 أيام من راتبه، فيما تم إنهاء التعاقد مع "أنور محمد".. وهو الدرس الذي لم أنساه أبدًا، ليصبح الانضباط أهم مبدأ في حياتي.

 

- وماذا تعلمت منه على الصعيد الفني؟

 

تعاونا في كثير من الأعمال التي تُصنف على أنها ضمن الكوميديا السياسية، وكانت القاعدة الأبرز التي استقيتها منه هي أن الكوميديا "تلميح وليست تصريح"، فالنكتة تكون أقوى أثرًا ووقعًا إذا حملت قدرًا من "التوريه"، فيما تفتقد لذتها إذا كانت صريحة ومباشرة، أما الميزة الثانية التي تشربتها منه، فكانت القدرة على الارتجال، وكيفية توظيفه بشكل صحيح.

 

أحمد حلاوة وجمال سليمان في لقطة من مسلسل  أفراح إبليس

 

 

- وماذا عن دراستك للهندسة.. فيما أفادتك؟

 

النظام والدقة والترتيب والتحليل المنطقي لأي موقف يواجهني، فالنظام من أهم أسس النجاح.

 

- بعد هذا التطور التكنولوجي على مستوى الإنتاج والإخراج.. ما الذي ينقص السينما المصرية لتغزو العالم؟

 

لدينا عقبتان رئيسيتان، الأولى تتمثل في الجانب المادي، لأن تنفيذ الخدع البصرية والجرافيك أمر مُكلف جدًا، وبالرغم من توافر الخبرات والمواهب الشابة، التي تمكنت من اقتحام هذه المجال، إلا أن هذا الأمر لا زال يُمثل عائقًا كبيرًا، فيما تُمثل البيروقراطية مانعًا قويًا أمام قيام الفن برسالته، كأحد أدوات الدولة وقواها الناعمة، علاوة على أنها مصدر هام للدخل والناتج المحلي، وهو ما استغلته دول مثل أوكرانيا والمغرب وتركيا، للترويج لنفسها، عبر تسهيل التصوير على أراضيها، فهي صناعة تُدر ملايين الدولارات.

 

- كيف ترى احتفالية ممر الكباش؟

 

رسالة عظيمة عصرية لحضارة زاخرة بالعظمة والأسرار التي لم تُكشف بعد، وأحيي القيادة السياسية على هذه الرؤية التي أعادت تصدير صورة مصر "القادرة" للعالم.

 

- ماذا نحتاج كيما تُفرز الأنشطة الفنية التي تتبناها وزارتا "الشباب والرياضة" و"التربية والتعليم" النتاج اللائق؟ 

 

إسناد الأمر لأوليائه ومتخصصيه، أو كما يقول المثل العامي الدارج "إدي العيش لخبازه"، وسأذكر لك مثال عاصره جيلي، عبر التجربة التي تبناها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بإنشاء مركز شباب الجزيرة، كأول لبنة لمراكز تأهيل الشباب، لخدمة أهداف المبادئ الاشتراكية، من خلال الأنشطة الفنية والثقافية، التي تُعزز تلك المفاهيم في نفوس النشء، وكان مسؤولًا عن تعليم فريق المسرح حينها قامات عملاقة مثل "سعد أردش، صلاح منصور، عزيزة حلمي"، فيما كنت أنا نتاج الدفعة الأولى التي مثلت حصاد هذا النشاط، إلى جوار نور الشريف، أحمد عبدالوارث، أحمد راتب، سعاد نصر، د. محمد عبدالمعطي، زكريا يوسف "شقيق حسن يوسف"، عائشة الكيلاني، فيما كان الدكتور حسن شرارة أحد كوادر فرقة الموسيقى، الخلاصة أن هذه التجربة قابلة للتكرار، فقط إذا ما أوكلت للمختصين فيها.

 

- رسالة توجهها لصناع السينما والدراما؟

 

إتقان العمل حتى تكون المُحصلة النهائية مُرضية وتحمل رسالة ذات قيمة ومعنى.

 

- نصيحة لشباب الفنانين؟

 

أن يضع كل منهم في اعتباره أنه سيُحاسب أمام الله عما قدمه لجمهوره.

 

- أكبر خطايا الإعلام من وجهة نظرك؟

 

السعي وراء "الترند" وإبراز أسوأ ما فينا، وتقديمه في شكل جاذب وبراق، في أمور كان يقتضي أن يكون التجاهل هو السلاح الأمثل لمجابهتها، ولنا في فساتين "الجونة" عبرة، علاوة على حرص البعض لتغليب مصالحهم الشخصية، على المصلحة العامة، خوفًا من بطش وسطوة رأس المال.

 

- هل انتابك الشك للحظة في رسالة الفن ودوره الفاعل لبناء المجتمع؟

 

أتذكر أن هذا الشعور انتابني في فترة ما، وراودتني فكرة الاعتزال بقوة، وحينها توجهت إلى أحد الأئمة الكبار، لاستشيره في الأمر، فإذا به يُعطيني سكينًا وتُفاحة ويأمرني بقطعها، قبل أن يباغتني بسؤال مُفاجىء حول السكين، وهو الأمر الذي أدهشني.. فما علاقة هذا الأمر بما جئتك لأسأل عنه، وهنا كانت الإجابة الشافية، التي هدأت من روعي.. إذا قال لي حينها أن الفن كالسكين، يمكنني استخدامه فيما أحله الله بقطع هذه الفاكهة إلى قطع يسهل أكلها، فيما قد تكون نفس السكين سلاحًا فتاكًا يسفك دماء الآخرين، لأطبق بعدها الأمر عينه على باقي الأشياء من حولي. 

 

- في مراحل معينة من حياة الفنان ينبغي عليه التخلي عن بعض مبادؤه للبقاء داخل بؤرة الأضواء.. متى حدث هذا الأمر مع أحمد حلاوة؟

 

لم يحدث على الإطلاق أن تخليت عن مبادئي وقناعاتي الشخصية، حتى في أحلك الفترات التي أعقبت عودتي للسوق المصري بعد سنوات من الابتعاد، وكان ما يُعرض عليَّ حينها لا يرقى للقبول، لأوجه طاقتي صوب استكمال دراستي الأكاديمية، إلى جانب خوض تجارب قوية بالتأليف والإخراج، وفي هذا التوقيت كانت نفسي تتوق للعودة إلى التمثيل مرة أخرى، وهنا اتخذت قرارًا جريئًا بقبول أي عمل على أن أضيف له من واقع خبراتي، بالشكل الذي يجعله يبدو بشكل أفضل مما هو موجود على الورق، ليخرج بصورة تتماشى مع رؤيتي وقناعاتي الشخصية، والشاهد هنا أنه يمكنك إعادة تطويع قدراتك لتجميل الواقع من حولك.  

 

- نختتم هذا الحوار بسؤال كلاسيكي.. أيهما أقرب لقلبك “المخرج” أم “الممثل”؟

 

كلاهما قريب إلى قلبي شريطة أن أقدم أفضل ما عندي أيما كان دوري.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز