عاجل
الإثنين 30 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

دراما الصعيد.. أين المسلسلات من واقع الحال؟!

قتل انتقامي يسمى بـ"الثأر"، هكذا نعرف أهل الصعيد كما صورتهم لنا الأعمال الفنية، ثمة نمط لا ينفك يتكرر في الدراما الصعيدية، وهو الانسلاخ عن الواقع، ليجهل الكثير أهل تلك البقعة الجغرافية الواقعة في مصر العليا. ومع الوقت، مستقبلا، سنرى هذا الوقت من عمر الصعيد كأنه لم يكن. بالطبع، سنجده فقط في الأنباء، وقوائم المؤرخين، ولكن لا شيء في المسلسلات.



 

 

أعمال عصية على التصديق من أبناء صعيد مصر أنفسهم، ومن هذا المنطلق، رأينا كتابا من أهل الصعيد، هم الأكثر إطلاعا على واقعهم، على غرار الكاتب القدير عبد الرحيم كمال يحمل على عاتقه تغيير هذه النظرة النمطية، وتصحيح المفاهيم وكسر الصورة النمطية المأخوذة عن الصعيد والمتمثلة في حصر مجتمع بأكمله بالجهل، والمرض، والثأر وغيرها من صور التخلف والرجعية، وتبديلها بموضوعات وقضايا تخص حياة أهل صعيد مصر بمختلف جوانبها، عاداته وتقاليده، وأزيائه، واحتفالاته، ولكنته، وعمارته، وتأصيل لما نراه من حكاية ابن مصر العليا.

 

ويقول الكاتب عبد الرحيم كمال: "الصعيد مميز جدا كجغرافيا وتاريخ، ويستاهل أن يقدم له دراما بمئات الأعمال، الصعيد شيق جدا بالنسبة لعاداته وتقاليده عندما يتم تقديمه بشكل جدي، لأن كذلك أهل العاصمة يستقبلونه استقبالا هاما".

ويضيف: "الصعيد في فترة من الفترات كان يقدم بشكل "مش لطيف"كأنه أقرب إلى السخرية إلى أن ظهر كتاب محترمين مثل محمد صفاء عامر ونحن من بعده، قدمنا صعيد نحترمه وصعيد حقيقي وشبه الناس، إلى أن تم تقديم نماذج أخرى لم أحبها".

ومضى، قائلا: "من يكتب دراما عن الصعيد يجب أن يكون على دراية به، ولم يكن كاتبه من أجل الإضحاك أو أن يكون الصعيد بالنسبة له لهجة أو ملابس أو أناس صوتها عالي وتحمل بنادق، لا، الصعيد أعمق وأجمل ويختلف تماما عن ذلك".

شيخ العرب همام

ورأى الكاتب أن هناك نهاية ترضي الجمهور ونهاية ترضي الصناع ونهاية ترضي المنتج ولكن دائما النهاية التي يتم غزلها من النص أول العمل ككل هي أصدق النهاية وإن لم تكن أسعدها، وتابع: "الجمهور تضايق مثلا من نهاية شيخ العرب همام وقاعدين مستنيين نهاية رحلته العظيمة ولكنه مات وانهزم ولكن للأسف لأن هذه حقيقة تاريخية وهذا ما كان. ولكن هذا نبهني إلى أن الجمهور يحتاج إلى أن يسعد في النهاية، أحاول طوال الوقت ليس مجاملة الجمهور ولكن أن أصل من مبتدأ القصة إلى غاية تناسبها".

 

التاريخ يستغرقك في أعمالك

وأكد الكاتب أنه مغرم بالتاريخ: "ومغرم بفكرة الزمن ومغرم بفكرة لعبة الزمن مع الشخصيات وهذا شيء مذهل وأرى أن التاريخ يعاد ويتكرر ربما بمعطيات وبمفردات مختلفة، ولكن طوال الوقت ونحن حتى في حياتنا اليومية نشعر بأن هناك تكرار ما للتاريخ، هو ليس بتكرار للتاريخ على قدر ما هو تكرار للأسئلة والمشاعر التي يختبرها الزمن معنا طوال الوقت، أنا مغرم بفكرة الزمن والبداية والنهاية وأين كنا وأين أصبحنا والماضي والمستقبل، هذا هاجس يسيطر عليّ طوال الوقت، من الممكن لأن حياتي لها علاقة جزء بالجنوب وجزء بأنني في القاهرة، ولي ذكريات في الجنوب، ولدي آمال وطموحات وحاضر أعيشه هنا، فالزمن شيء مرعب، ولا أظن أن هناك كاتب أخذ أمر الكتابة بجدية وأغفل لعبة الزمن".

سحر الجنوب

وجاء الكاتب والسيناريست محملا بسحر الجنوب، ونقله بحالته الساحرة إلى هذا العالم الكبير، وهنا يقول: "اللعبة هي أن هذا السحر القادم من الجنوب لا يمكن رؤيته إلا من خلال العاصمة، لأن الجنوب طوال الوقت يملك السحر ولكنه على الهامش، وأنت لا تملك أن تعرض سحرك إلا على شاشة العاصمة، هنا كانت اللعبة، الزمن في الصعيد الجنوب أبطأ فيه بركة مثلما يقال، والخيال هناك أعلى لظروف كثيرة جدا لها علاقة بالتهميش أيضا، في أن تأتي الكهرباء متأخرة والظلام وجبال ونيل وأحلام، كل هذا ثري جدا، ولكن هذا الثراء لا يمكن عرضه هناك، وكان توفيقا من الله أن آتي إلى القاهرة وأستطيع اكتشاف سحر وعذاب العاصمة، لأن العاصمة أيضا تملك سحرها، العواصم عامة وليس القاهرة فقط. العاصمة سريعة الإيقاع وقليلة الإكتراث أحيانا، ولا تأبه بالبني آدم العادي أحيانا، ولكن في نفس الوقت لديها سحرها وثقافتها الخاصة القائمة أيضا على ثقافات الهوامش، لأن معظم الذين أصبحوا نجوم كبار قادمين من ثقافاتهم الخاصة، أم كلثوم صاحبة هذا الصوت جاءت من ريف مصر وكذلك عبد الحليم حافظ قدم من إحدى القرى وأصبح صوت القاهرة، وهذه معجزة جميلة جدا ومتبادلة طوال الوقت ما بين العاصمة المتسلطة والهوامش الذين يضخون فيها الدماء ويعيدوا شبابها".

وأكمل: "العاصمة طوال الوقت بحاجة إلى الدماء الجديدة من خارج القاهرة، ورؤية جديدة وسحر الجنوب لأن متطلباتها كثيرة جدا ولديها سوق كبير جدا يريد عرض دراما ورياضة وثقافة ومختلف الفنون، وبحكم أنها العاصمة فتكون مترهلة قليلا وقديمة بعض الشيء، وقدرتها على تجديد نفسها أبطأ، وتكون في حاجة إلى الجنوبي وكذلك الشمالي والساحلي، وموسيقى سيد درويش تمنحها التغيير وأفكار طه حسين يأتي معها التغيير، وكله في النهاية يصب في مصر العظيمة".

 

خفة الظل في فلسفته

ويؤكد الكاتب أنه يوظف خفة ظل المصرييين في أعماله: "أستخدمها إلى حد كبير لأنني مؤمن بسرها، وأنا أرى أن أحد الأشياء المهمة التي تحمي هذا الشعب وهذا الكيان من سفك الدماء هي طباعنا المصرية ومنها خفة الظل ومنها أننا لسنا دمويين بطبعنا".

يحيى الفخراني في كفة والآخرون في أخرى

وهنا قال: "يحيى الفخراني فنان كبير وجمعت بيننا صداقة فنية ممتدة لأكثر من 12 سنة فيها وجهة نظرنا في الفن متقاربة إلى حد كبير جدا وهي أنه يفعل ما يحبه ويصدقه وهو ملهم بشكل كبير، فهو فنان بدرجة ملهم وأنا كنت محظوظ بالعمل مع أستاذ نور الشريف وأستاذ يحيى الفخراني، هما ليسا مجرد ممثلان كبار أو نجوم إنما هم مؤثرون في الصنعة، ويضيفوا الكثير للكاتب من المعاني والخيالات".

لا نغفل أن أي دراما تلفزيونية كلها مصدر للتثقيف، يوضع عليها بعض المسليات، وهذا لا يعني أن أي مسلسل لابد أن يعج بالآلام لينقل حقيقة الواقع، ولكن أقله أن يتواجد الواقع، حتى وإن مر في الخلفية. لا يجب أن ننسى أن النشء الجديد لا يقرأ التاريخ، ويتلقاه من تلك النوعية من المسلسلات.

 

محمد رياض

ورأى الفنان محمد رياض الذي عرفه محبي الدراما الصعيدية بشخصية "فارس" في مسلسل "الضوء الشارد"، أن الدراما ظلمت أهل الصعيد بحصر قضاياهم في الثأر والسلاح.

واستشهد رياض بمسلسله الصعيدي الأخير "بت القبايل" الذي عاد به إلى دراما الصعيد، مؤكدا أنه يسلط الضوء على وضع منطقة الصعيد الجنوبي التي يتمتع أهلها بعادات وتقاليد مختلفة عن بقية محافظات الصعيد، ويتحدثون بلهجة مختلفة، منوها إلى أنه خاطب المؤلف الشاذلي فرح  للتخفيف من حدة اللهجة، فرد عليه بأنه يسعى لتقديم أهل الجنوب بواقعهم الحالي نفسه بعيدا عن القضايا المحصور فيها كالثأر الذي سيطر على دراما الصعيد.

ويشدد رياض على ضرورة الخروج عن القضايا النمطية لدرما الصعيد المحددة في الثأر والسلاح والآثار، معتبرا أن تلك الموضوعات حتى وإن وجدت فأهل الصعيد لا يأبهون لها.

ومن وجهة نظر رياض فإنه من الممكن تقديم مسلسل صعيدى يسلط الضوء على البطالة بالصعيد، وكذلك الفقر أو إلقاء الضوء على الانفتاح على العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرا أن كل تلك القضايا هامة دراميا، منددا بأن المؤلفين لم يتطرقوا إليها وما زالوا يقدمون أعمالهم عن الثأر وكأن الصعيد ما هو إلا مرتع للثأر وتهريب الآثار والأسلحة، بحسب تعبيره، متسائلا: "لماذا استطاع مسلسل الضوء الشارد تحقيق كل هذا النجاح"، وأجاب بأن قضية المسلسل الرئيسية لم تكن الآثار على سبيل المثال، بل كانت تتمحور حول كبير العائلة.

الصعيد المعروف بطابعه التاريخي المميز يعد موطنا للعديد من موروثاتنا الشعبية، يجد نفسه ضحية الأعمال الفنية بشكل سلبي، تقدمه بتفسيرات مغلوطة على أنه بؤرة إجرامية تنتشر فيه لعنة الثأر التي لا تجلب إلا الموت وتسلط الضوء على ذلك العنصر الرجعي الوحيد.

ومن جانبها، رأت الناقدة ماجدة موريس، أن ما تم تقديمه جديدا حول دراما الصعيد لم تلق نفس نجاح مثيلتها القديمة، أمثال الضوء الشارد وذئاب الجبل، ورأت أن تلك الفجوة جاءت بسبب عدم وجود المصداقية التي رأيناها مثلا في أعمال محمد صفاء عامر الذي سلط الضوء في أعماله على الواقع.

واعتبرت الناقدة الفنية أن مسلسل نسل الأغراب الذي عرض في شهر رمضان لعام 2021، لم يكتب بشكل جيد، وتناول صعيد مصر بواقع يحتلف عما نعرفه عن الصعيد.

وشددت الناقدة الفنية على أنه ليس كل سيناريست يمكنه تأليف عمل درامي للصعيد، معتبرة أن تلك الأعمال في حاجة إلى مؤلف محترف أمثال محمد صفاء عامر وأسامة أنور عكاشة.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز