عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

الرقص الإفريقي

د. إبراهيم محمد مرجونة
د. إبراهيم محمد مرجونة

عندما ترى نغمات متتالية، وحركات طبول متناغمة، وارتداء ملابس ذات ألوان مختلفة وأشكال جديدة في مكان واحد؛ فأنت على موعد مع الرقص الإفريقي، الذي يعتبر وسيلة مهمة للتعبير في إفريقيا، حيث اهتمت القبائل هناك بالرقص والحركة باعتبارهم وسيلة مهمة للتواصل، ويعد نمط مجتمعي يحمل قيمة، فالأفارقة يرقصون لمساعدة الأشخاص على العمل، ويرقصون في الجنائز ويرقصون للثناء، وغيرها من الطقوس الروحانية.



لغة الجسد وحدها التي تبقى.. ارتعاشاته وسكناته ورقصاته المجنونة لغة تستطيع الصراخ والضحك واللعب والكراهية ومقاومة الخوف والبلادة، والشعوب الإفريقية هي أول من عرفت لغة الجسد أو تحديد (لغة الرقص) وهي أول من وطدت سلطة هذا الجسد.

وحتى اليوم لا يذكر التاريخ تفوقًا ما لحضارة أخرى، وما زالت الرقصات الإفريقية هي الأكثر قدرة على التعبير من غيرها.

وفي واحدة من أهم الدراسات الجادة عن الرقص الإفريقي يقول د. عز الدين إسماعيل، إن ثمة حقائق تاريخية لم يثر حولها الجدل بين أساتذة علوم الموسيقى والرقص، وهي أن الشعوب الإفريقية هي أول شعوب العالم معرفة بفنون الرقص والموسيقى، كما أنها من أصدق الجماعات الإنسانية تعبيرًا عن بيئتها الفنية، لاسيما فن الرقص، حتى برع الإفريقي- في عصر الصيد- في محاكاة الحيوانات التي كان يصطادها في الغابة، وتقليد حركاتها بطريقة تقليدية.   ولعل أقدم ما وصل إلينا من أشكال الرقص الإفريقي المدون، تلك الرقصة التي عثر على لوحة منحوتة تصورها على إحدى صخور جنوب إفريقيا، تلك اللوحة التي قلدها الرسام (جورج ستاو) وعرضها في عام 1867، وفيها نرى رجلًا يرقص وهو ممسك بعصا رفيعة طويلة، وخلفه خمسة من الرجال يقلدونه في حركاته رافعين أرجلهم اليمنى، وأيديهم قليلا إلى الأمام مثله، بينما يوجد أسفل الصورة حيوان يرمز إلى الغزال الذي يعبر عن مصدر الحركة الراقصة.. والرقص الشعبي في إفريقيا كما يعرفه المفكر والفنان الإفريقي المعاصر "كتافوديبا" هو طابع طقوسي سحري من طابع الحياة الإفريقية لا ينفصل عن أي شيء آخر بها، وهو مزيج من النغم والحركة أبعد من أن يكون فنًا مستقلًا، كما هو الحال بالنسبة للرقص الأوروبي، يتعلمه الإفريقيون كما يتعلمون الكلام ليعبروا عن مشاعرهم وأحاسيسهم، ويتميز بمقومات درامية تعكس صورة الصراع المتبادل بين الإنسان الإفريقي وقوى الطبيعة المحيطة به.

وهذا التعريف الموجز يشير إلى علاقة الرقص بالحياة داخل المجتمعات الإفريقية، وهي علاقة وثيقة متلازمة تكاد تجعل منهما شيئا واحدًا أو على حد تعبير الكاتبة الإفريقية الأمريكية "بيرل بريمياس": (الرقص عند الإفريقي هو حياته، وبين الرقص والحياة زواج مغناطيسي، وحين أكتب عن الناس والحياة في إفريقيا، لا أجد أمامي مصدرًا أصدق من الرقص).

ومن هنا كانت الجماعية سمة أصيلة من أبرز مميزات الرقص الإفريقي، فالناس في إفريقيا كلهم يرقصون، الأطفال والصبية والشباب والشيوخ، رجالًا ونساء. 

وليس من الممكن هنا أن نقدم حصرًا كاملًا لأنواع الرقصات الإفريقية التي تمارسها الجماعات على اختلاف مواقفها الجغرافية، لكن من المناسب أن نعرض فقط لأهمها، وأكثرها شيوعًا. 

ومن التعرف على دوافع هذه الرقصات يمكن أن نتبين مدى أهميتها وأثرها العميق في حياتهم، وهل من الأفضل هنا أن نقتفي أثر المنهج الذي اتبعته الدكتورة "بيرل بريمياس" في تصنيفها لمجموعة الرقصات التي تمثل في تتابعها دورة الحياة الكاملة من بدايتها إلى نهايتها، وهي المجموعة التي تتكرر في كل مجتمع إفريقي، وهي رقصة الإخصاب، فرقصة الميلاد، فالتكريس أو البلوغ، فالخطبة، فالزواج، فالموت، وهي المراحل التي يمر بها كل كائن حي. 

قد يكون من الغريب أن نتصور مجتمعًا يرقص في مناسبة الموت، لكنه تقليد لا يرى فيه الإفريقي هذه الغرابة التي يراها غيره، لأن الإفريقي يعتقد أن دورة الحياة إنما تكتمل بالموت، أو على حد تعبيره بالعودة إلى العالم اللامنظور، لأن المرء حين يموت ينتقل إلى عالم الخلود مع أرواح السلف.. وفي هذا خير كبير لمن فارق حياة الأرض، وعلى الأحياء أن يسعدوا بهذا الخير، وأن يعبروا عن فرحهم المصوب بالغناء والطبل.

ولقد لخص الفيلسوف الإفريقي المعروف "ألكسيس كاجامي" سر سعادة الإفريقي بالموت، وعدم إحساسه العميق بالحزن بقوله إن الفلسفة الإفريقية تؤمن بالخلود، فالموت ليس إلا الامتداد الأولى للحياة المنظورة، والإفريقي ينظر إليه باحترام، تماما كما ينظر إلى الميلاد.. ولهذا يحتفل بموت أقاربه وأعزائه بالرقص. لأنها المناسبة التي سيعود فيها الميت إلى أرواح أسلافه). 

لقد كان وما زال لأهل القارة السمراء الريادة في استخدام الرقص لاستلهاب الحماسة، والحث على العمل، والتخلص من الضغوط النفسية، ليس فقط لكونه وسيلة للاستمتاع والإثارة والترفيه والاحتفال بالطقوس الدينية والاجتماعية المختلفة، ليصنعوا بهذا طابعهم الخاص، ويبرزوا به هويتهم الفريدة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز