عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
الكتاب الذهبي
البنك الاهلي

هكذا عبـّر بطاركة الكنيسـة عن وطنيتهم لمصر

بيان 3 يوليو بمشاركة البابا تواضروس وشيخ الأزهر
بيان 3 يوليو بمشاركة البابا تواضروس وشيخ الأزهر

"جعلتك يا مصر فى مهجتى / وأهواك يا مصر عمرك الهوَى 



إذا غبت عنك ولو فترة / أذوب حنينا أقاسى النوَى

إذا عطشت إلى الحب يومًا / بحبك يا مصر قلبى أرتوى»

بهذه الكلمات عبّر قداسة البابا شنودة الراحل، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية السابق، عن حبّه الشديد لبلاده، كما صرّح البابا تواضروس الثانى البابا الحالى، أنه خلال الرحلات الرعوية خارج البلاد يشعر بحنين شديد إلى مصر، ويرغب فى أن تنتهى رحلاته سريعًا ليعود إلى الوطن.. هذه المشاعر والكلمات ما هى إلا انعكاس لما فى قلب وعقل الكنيسة نحو مصر، كدولة احتضنت المسيحية منذ ما يقرب من 2000 عام. 

وطنية الكنيسة المصرية ظهرت فى العديد من المواقف، منها مواقف مباشرة من شخصيات داخل الكنيسة، مثل البابوات، ومنها مواقف شعبية مثل تلك التي ارتبطت بالثورات، منها عندما قام القمص بولس غبريال بفتح أبواب كنيسة السيدة العذراء المغيثة بحارة الروم لاستقبال المتظاهرين خلال ثورة 1919، وذلك بعد قيام قوات الاحتلال بإغلاق الجامع الأزهر أمامهم، وهو نفس ما قامت به العديد من الكنائس خلال ثورتى 25 يناير و30 يونيو.

ورفضت الكنيسة فرض أى حماية أجنبية عليها طوال تاريخها، وفى عهد محمد على باشا، تقدّم مندوب قيصر روسيا إلى بطرس السابع الملقب بالجاولى، بابا الأقباط فى هذا الوقت؛ ليعرض عليه حماية القيصر لأقباط مصر، فسأله البابا: هل القيصر إنسان يأكل ويشرب وسيموت؟ 

فأجاب المندوب: نعم. 

فقال البابا: كيف نقبل حماية من سيموت؟ ونحن فى حمَى الله الذي لا يموت!. 

وتكرّر الأمرُ كثيرًا، ففى عهد الاحتلال الإنجليزى لمصر عرضت كنيسة إنجلترا حماية الأقباط، فرَد البابا كيرلس الخامس: "يا ولدى؛ إن الأقباط والمسلمين منذ أقدم العصور يعيشون جنبًا إلى جنب، ويترحّمون معًا فى كل ظروف الحياة فى السّراء والضرّاء"، ويذكر التاريخ أن البابا كيرلس الخامس كان له علاقة وطيدة بـ"سعد زغلول"، وكان يحث المصريين جميعًا على المطالبة بوحدة وادى النيل والاستقلال.

وعقب ثوره 30 يونيو وفض اعتصامى رابعة والنهضة، وقيام المتطرفين بحرق أكثر من 100 كنيسة، عَكَسَ قداسة البابا تواضروس الثانى النهج نفسه الذي قام به البطاركة على مَرّ تاريخ الكنيسة؛ حيث أكد خلال لقائه بأعضاء من الكونجرس الأمريكى، أن هذا جزء من الثمَن نقدمه لبلادنا بصبر، مؤكدًا أن حرق الكنائس ثمَن بسيط يقدمه الأقباط من أجل مصر، قائلًا جملته الشهيرة: "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن".

وأكد قداسته فى كثير من الاجتماعات الخارجية، وأثناء الزيارات الرعوية لمختلف دول العالم، أن ثوره 30 يونيو ثورة شعبية، وليست انقلابًا كما يردد البعض، وعَكَسَ هذا التوجّه أيضًا أثناء مقابلته مع  المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال لقائه معها فى الكاتدرائية، مؤكدًا أن أحوال الأقباط فى مصر تحسنت كثيرًا عقب ثورة 30 يونيو.

وكان هناك هذا الحب المتبادل بين الكنيسة والدولة فى العديد من المواقف التاريخية؛ حيث تبرّع الرئيس الأسبق "جمال عبدالناصر" من ماله الخاص لبناء الكاتدرائية بالعباسية، وعَلّم أبناءه أن يتبرعوا لبناء الكنائس كما المساجد، وخلال مقابلة ودّية مع البابا "كيرلس السادس" طلب منه أن يقبل تبرع أطفاله الأربعة لبناء الكاتدرائية، وبعد مرور ما يقرب من 50 عامًا قام الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، بعمل موقف مشابه عندما تبرّع من ماله الخاص لبناء كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة، فى الوقت نفسه الذي تبرع فيه لبناء "مسجد الفتاح العليم" المجاور لها.

3 مراحل فى التاريخ الحديث للكنيسة القبطية

سوف نجمل ثلاث مراحل أساسية فى تاريخ الكنيسة القبطية الحديث، وكيف عكست دورًا وطنيّا فعالًا فى عهد كل من "البابا كيرلس السادس، والبابا شنودة الثالث، والبابا تواضروس الثانى". 

 

البابا كيرلس مع الرئيس عبدالناصر

البابا كيرلس مع الرئيس عبدالناصر

 

البابا كيرلس السادس 

كانت العلاقه بين الرئيس الأسبق والبابا كيرلس السادس علاقه شخصية وعميقة جدّا، وكان البابا كثيرًا ما يقوم بزيارة الرئيس فى منزله، ولم يكن لديه اعتمادات مالية كافية عندما أعلن عن رغبته فى بناء الكاتدرائية الجديدة فى العباسية، وخلال إحدى زياراته للرئيس جمال عبدالناصر فاتحه فى الأمر، فأبدى تفهمًا كبيرًا وقرر أن تساهم الدولة بنصف مليون جنيه فى البناء، نصفها يُدفع نقدًا والنصف الآخر عينيّا عن طريق شركات مساهمة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام فى عملية البناء، وشارك الرئيس عبدالناصر بنفسه فى افتتاح الكاتدرائية، وألقى خطبة حماسية كعادته أكد فيها أن ثورة 53 قامت لتدعو إلى المساواة وتكافؤ الفرص والمَحبة، وهى القيم التي تستطيع أن تبنى المجتمع الصحيح السليم الذي نريده، والذي نادت به الأديان.

وعندما أعلن الرئيس الراحل تنحيه فى 8 يونيو 67 توجَّه البابا كيرلس إلى منزله بمنشية البكرى بصحبة ثلاثة مطارنة و15 كاهنًا، إلا أنهم لم يتمكنوا من الدخول بسبب الآلاف الذين احتشدوا حول المنزل لمطالبته بالتراجع عن القرار، وتدخلت رئاسة الجمهورية لفتح الطريق أمام سيارة البابا كيرلس، وبعد دخوله أعرب عن رغبته فى مقابلة الرئيس، إلا أن الأخير تحدّث إليه هاتفيّا قائلا له: "أنا عمرى ما اتأخرت عنك، قابلتك فى بيتى فى أى وقت، لكنّى عيان والدكاترة حولىّ".

فقال له البابا: طيب عاوز أسمع منك وعد..  فقال له الرئيس: "قول يا والدى"- وهكذا كان يناديه دائمًا- فقال له البابا: "الشعب يأمرك أنك متتنازلش".. فرد عليه عبدالناصر: "وأنا عند الشعب وأمرك".

وقد ساند البابا كيرلس جمال عبدالناصر؛ خصوصًا بعد هزيمة 1967، عندما أصدر قرارًا بمنع سفر الأقباط إلى القدس.

البابا شنودة الثالث

كان البابا شنودة الثالث رجلًا وطنيّا من طراز رفيع، وكان الجميع يحبونه ليس فى مصر فقط ولكن فى الوطن العربى كله، فقد عبّر بشعره وبكلماته وبمواقفه. 

بعد أحداث الشغب فى 1977 اجتمع الرئيس الأسبق أنور السادات بالقيادات الدينية لاقتراح بعض الحلول التي تؤدى لعدم تكرار ما حدث، فتقدّم البابا شنودة بمجموعة من المقترحات، منها عمل لجنة مشتركة دائمة الاجتماع لمواجهة مثل هذه المشاكل، وأكد أهمية تعليم الأطفال فى المدارس حب الأبوين والمعلمين، وحب بعضهم بعضًا واحترام الغير، وعمل كتب دينية مشتركة فى مقاومة الإلحاد، والتوحيد، والفضيلة، والأخلاقيات، والوحدة الوطنية، والقضايا العامة، ويكون المسؤولون عن تأليفها قادة الدين الإسلامى والمسيحى.

وبعد أحداث الكشح المؤلمة، ورُغم بشاعتها كان الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى جولة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فأرسل قداسته رسالة إلى أقباط المهجر يطالبهم بالتعامل بحكمة ودون انفعالات غير مدروسة مع الموقف، وقد شجع البابا شنودة الثالث أبناءه كثيرًا على المشاركة فى الانتخابات لاختيار أفضل العناصر للبرلمان. وكانت وطنية البابا شنودة مرتبطة بالأرض وبالوطن، وليس بالأشخاص، فقد كان بينه وبين الرئيس أنور السادات خلافات احتدمت بعد عَقد اتفاقية كامب ديفيد، وطلب السادات من البابا شنودة أن يقوم بإرسال وفود قبطية إلى القدس كتفعيل لاتفاقية السلام، إلا أنه رفض معللًا بموقفه السياسى الرافض لتلك الاتفاقية، وليس هذا فحسب؛ بل أصدر أمرًا بمنع المسيحيين من دخول القدس ما دامت تحت سُلطة الاحتلال، قائلًا جملته الشهيرة: "الأقباط لن يدخلوا القدس إلا مع إخوانهم المسلمين"، وهو الموقف الذي أدى لإصدار السادات قرارًا  بتحديد إقامة البابا شنودة بدير الأنبا بشوى بوادى النطرون.

وكان البابا شنودة بابا للعرب جميعًا، فقد كان له مواقف واضحة تجاه القضية الفلسطينية، رافضًا ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلى، وكان دائمًا يستقبل الزعيم ياسر عرفات كلما زار مصر، كما أقام مؤتمرًا شعبيّا كبيرا ًفى الكاتدرائية عام 2002 لدعم القضية الفلسطينية، خصوصًا بعد تحديد إقامة ياسر عرفات. 

قاد شنودة الكنيسة فى فترة عصيبة على الوطن، هى حرب 1973 وقد زار قداسته  الجنود على الجبهة عدة مرات، وقام بفتح مراكز تدريب الدفاع المدنى فى كنيسة مار جرجس بالجيوشى بشبرا، وفتح باب التطوع للراهبات والمكرسات العاملات فى مجال التمريض لإسعاف المصابين، بالإضافة إلى جمع التبرعات لإرسالها عبر وزير الأوقاف إلى الجنود البواسل فى الجبهة، وفتحت الكنائس أبوابها للمصابين، وخصصت أدوارها السفلية لتكون مخابئ وقت الغارات، مع تدبير الإسعافات الأولية وسيارات الإسعاف.

كما كان للبابا شنودة كثير من الكلمات التي حُفرت فى قلوب المصريين، كما حُفرت فى التاريخ، مثل:"إن مصر هى أغنيتنا الحلوة"..

 

البابا شنودة على الجبهة فى حرب أكتوبر

البابا شنودة على الجبهة فى حرب أكتوبر

 

البابا تواضروس الثانى

"أن نصلى فى وطن بلا كنائس، أفضل من كنائس بلا وطن".. هذه المقولة التاريخية التي أثبت بها قداسة البابا تواضروس الثانى أصالة ووطنية وقوة الكنيسة المصرية فى وقت الشدائد، قيلت عندما تلقى خبر حرق أكثر من 100 كنيسة على مستوى الجمهورية، بعد فض اعتصامَى النهضة ورابعة.

وقال أيضًا إن القبطى المصري مَهما عاش فى بلدان، أو حمل جنسيتها، يظل ينتمى لمصر الأرض المقدسة التي تباركت بأقدام السيد المسيح وعائلته فى القرن الأول الميلادى.. وقال أيضًا ما معناه إن الوحدة الوطنية أغلى ما فى حياة المصريين، ومن يشككون فيها يحاولون مثل اللصوص سرقة أغلى ما يملك الشخص. 

وأوضح فى رسالة أخرى إلى أقباط المهجر، أن دور الكنيسة دور وطني وليس سياسيّا، مؤكدًا أن تفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين فيه خطورة كبيرة.

كما حاولت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالتعاون مع الكنيسة الإثيوبية التي كانت خاضعة للكنيسة المصرية حتى عهد البابا كيرلس السادس، أن تعالج مشكلة مياه النيل وسد النهضة، ولكن دون إنجازات، وشجع البابا تواضروس الأقباط على عدم التقوقع داخل الكنيسة، والتوجه إلى المجتمع عن طريق فتح مستشفيات أو مدارس، حتى إذا كان عددها قليلًا.

وقد أدرك البابا تواضروس الثانى مَطالب الجماهير فى 30 يونيو، وقام بالمشاركة فى اجتماع القوى الوطنية قبل إعلان بيان العزل، وقال: جلسنا نتشاور قبل إذاعة البيان لمدة خمس ساعات كاملة، وكانت مناقشة ديمقراطية، واستمعنا لآراء بعضنا البعض، وبعد الاستقرار على ما سنفعله بدأنا فى صياغة البيان، وتمت مراجعته عدة مرّات للاستقرار على الصيغة النهائية، مؤكدًا أن شيخ الأزهر هو من قام بمراجعته لغويّا. وأكد أن مشاركة الكنيسة فى 3 يوليو مشاركة وطنية وليست سياسية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز