عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

ا.د عمرو حسن يكتب: زواج الأطفال

دائمًا ما يتناول الرئيس السيسي، موضوع الزيادة السكانية في مصر وانعكاسه على التنمية، وذكر مرارًا أن الزيادة السكانية، تمثل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد المصري، وفي 11 سبتمبر 2021 وخلال كلمته في ندوة نقاشية بعنوان: "حقوق الإنسان.. الحاضر والمستقبل": قال عن زواج القاصرات



 "أنتو بتعملوا إيه في أولادكم".. والحقيقة أن التسرب من التعليم.. عمالة الأطفال.. زواج الاطفال.. هي من أهم المشكلات التي تواجه الطفل المصري وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالزيادة السكانية، والعوامل الثلاثة كل منها متشابك مع الآخر، وكل منها سبب وكل منها نتيجة للآخر، فالتسرب من التعليم يؤدي إلى عمالة الأطفال والزواج المبكر.. والزواج المبكر تكون نتيجته التسرب من التعليم، وأيضًا ممكن عمالة الأطفال.

فالطفل الذي لا يكمل تعليمه يتجه إما إلى العمل أو الزواج.. وأيضًا الطفل الذي يعمل، ويحصل على المال فى سن صغيرة لا يُدرك أهمية التعليم، لأنه يحصل على المال بدونه فيؤدي ذلك إلى هجره صفوف الدراسة.. والزواج المبكر خصوصًا للفتيات يدفعهن إلى هجر التعليم لوجود أعباء الأسرة. 

وبعد الزواج يبدأ إنجاب الأطفال فى سن مبكرة ومن ثم زيادة معدلات الإنجاب، حيث الفرصة أكبر للخصوبة فى السن الصغيرة، ومع زيادة معدلات الإنجاب ترتفع الزيادة السكانية.

 ويعد زواج القاصرات، أحد الأسباب المباشرة للزيادة السكانية، حيث يرتفع متوسط عدد الأطفال للمرأة المصرية في حالة الزواج قبل 18 سنة إلى 3,7 طفل لكل سيدة. 

 

والزواج المبكر، من أهم المعوقات التي تعوق التنمية، لأنه يزيد من أعباء الفقر، والضغوط المجتمعية، وفي الغالب يفشل الاستقرار الأسري، وتتحمل الأم المسؤولية، وتظهر لنا مشكلات أخرى نتيجة لذلك مثل زيادة معدلات الطلاق وأطفال الشوارع. فالسلسلة متشابكة والنتيجة ضعف قوة الدولة الاقتصادية والتهام ثمار التنمية. 

 

يُذكر أن منظمة اليونيسيف وضعت تعريفاً للزواج المبكر بأنه "زواج رسمي أو غير رسمي قبل إتمام ثمانية عشر عاماً"، وهناك من يعرفه بأنه "زواج أي فتاة دون سن الثمانية عشرة من العمر بما ينطوي على صورة من صور الاستغلال أو الاتجار".

والزواج المبكر.. زواج الأطفال.. زواج القاصرات.. هي مسميات عديدة لجريمة مكتملة الأركان في حق الفتيات قبل بلوغهن السن القانونية للزواج. وهي ظاهرة اجتماعية خطيرة منتشرة في كل دول العالم ولا تقتصر على الدول النامية فحسب، ولكنها تختلف في نسب الانتشار والشيوع.

 

ولأن الظاهرة تخلف آثارًا سلبية، اقتصادية واجتماعية وإنسانية بالغة الخطورة على المجتمعات فإنها كذلك تنطوي على آثار عميقة على المستوى الجسدي والفكري والنفسي والعاطفي للفتيات، ولذلك هي مثار نقاس وبحث فى جميع المراكز البحثية والهيئات الدولية ذات العلاقة برعاية الطفولة.. وبصفة عامة فإن ظاهرة الزواج المبكر للفتيات والقاصرات، تعد مقياسا حضاريا لمدى تقدم المجتمعات وتطورها. 

 

ومن أهم الأسباب التي تدفع الآباء لاختيار الزواج المبكر لأبنائهم، رغم معرفتهم بمخالفتها للقانون هو خوف الأهل ورغبتهم في تزويج الفتيات في سن مبكرة، تفادياً لتأخرهن في الزواج نتيجة لانتشار مفاهيم مثل السترة والعنوسة وإلصاقها بالفتاة، واعتبار أن الزواج هو الإطار الحامي لشرف العائلة وخاصة في المجتمعات الريفية.

 

 وللأسف مازال هناك قطاع عريض من الشعب المصري يحمل من الموروثات الثقافية الخاطئة ما يجعله يقبل على الزواج المبكر. ولا يرى فى التعليم وخصوصا الفتيات جدوى تذكر، ويرى أن عمل الطفل هو نوع من القوة والرجولة وبعض الأسر تعتبر الأولاد مصدر دخل لها، لذلك يدفعوهم للعمل في سن الطفولة، يأتي هذا الموروث نتيجة الفقر والعنف الاجتماعي وغياب القانون وانعدام الوعي والثقافة الصحية لدى المجتمع.

 

ومواجهة هذه المشكلات، تعتمد في المقام الأول على تغيير البيئة الثقافية وزيادة الوعي لدى بعض الفئات في المجتمع، والتي تتعامل مع هذه المشكلات باعتبارها جزءا من عاداتهم وتقاليدهم فلابد من توعية الأسر بضرورة تعليم الفتيات ومنع تسرب الأبناء من التعليم لغرض الزواج أو العمل في سن مبكرة.

وأيضًا تفعيل العقوبات التي أقرها البرلمان المصري فى هذا الشأن أصبح ضرورة ملحة، وأيضا لابد من تحسين وضع المدارس وتقديم خدمة تعليمية جيدة.

 

ومن الناحية الصحية، نجد أن الحمل المبكّر الناتج عن زواج الفتيات ممن هن دون سن الـ18 له آثار سلبية قد يؤدي إلى وفاة الأم أو الطفل أو كليهما. فالحمل المبكّر يأتي في مرحلة عدم اكتمال نمو حوض الفتاة، وبالتالي فإن تبعاته خطيرة فقد تتعرض أثناء الحمل الى مضاعفات ارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل بنسبة 20% مقارنة بالحوامل بعد سن العشرين، وترتفع لدي الصغيرات احتمالات الإصابة بالأنيميا والالتهابات وأمراض سوء التغذية، وقد يتسبب ذلك في تعسّر الولادة وحدوث انفجار رحم الأم الصغيرة، وبالتالي وفاتها وطفلها، وقد يؤدي الحمل المبكّر أيضًا إلى أضرار صحية ربما تصاحب الفتيات الصغيرات مدى الحياة مثل الناسور الولادي الذي مشاكل نفسية واجتماعية للسيدات، أيضًا نجد أن تعسّر الولادة الناتج عن الحمل المبكّر مرتبط بتعرض المولود لضمور المخ، نتيجة نقص الأوكسجين وطول فترة الولادة ، بالإضافة إلى إمكانية حدوث نزيف ما بعد الولادة للسيدات وماله من آثار صحية مميته على الأم، وفي أغلب الحالات يتم إجراء عمليات قيصرية لإنقاذ حياة الفتاة. 

أيضا الحمل المبكّر ينتج عنه إجهاض في كثير من الحالات ونزيف يهدد حياة الأم الصغيرة، فالتأثير النفسي للفتيات الصغيرات الحوامل يكون سيئاً للغاية ويصبحن أكثر عرضة للاكتئاب والإصابة بالانفصام بعد الولادة، أيضا نجدة زيادة معدل وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة لدى المراهقات إلى الضعف ويزيد المعدل كلما قل سن الفتاة حتى يصل إلى خمسة أضعاف في عمر من هم دون الـ15 عاماً.

 

بالإضافة إلى المشكلات الصحية، التي يعاني منها أطفالهن مثل "التقزم"، وهو قصر القامة الشديد عند الأطفال مقارنة بأقرانهم من نفس العمر، ففي دراسة حديثة عام 2017 ثبت وجود علاقة مؤكدة بين زواج المراهقات والتقزم عند أطفالهن، حيث بلغت نسبة التقزم في الأطفال المولدين للمراهقات 40% منهم 17% يعانون من التقزم الشديد. هذا بالإضافة إلى زيادة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والهضمي والأمراض العقلية وزيادة نسبة ولادة أطفال ناقصي النمو وازدياد الاحتياج إلى رعاية مكثفة وتنفس صناعي.

 

والواقع أن الكثير من الآباء وأولياء الأمور يجهلون النتائج، التي تترتب على زواج بناتهم في سن صغير، كون الأدلة والشواهد، أكدت أن الغالبية منهن تعرضن لأذى نفسي وإلحاق الضرر بأنفسهن وبأولادهن، بالإضافة إلى المشاكل الأسرية التي تصل في النهاية للطلاق والتفكك الأسري.

 

لذا فإن زواج القاصرات من القضايا المهمة التي تواجه الفتيات ويعرضها لخطر الموت، وهذا يعتبر نوعًا من أنواع القتل، وأن ما يحدث للقاصرات من زواج مبكّر يمكن أن يندرج ضمن جرائم الاغتصاب.

 

أيضًا نستطيع أن نقول إن تعزيز حقوق المرأة مع تحسين التعليم للفتيات هي نقطة انطلاق جيدة، لأن الدور الذي يمكن أن تلعبه النساء والفتيات في معالجة مشكلة الزيادة السكانية هو دور استراتيجي مهم ومؤثر لأن النساء اللاتي يتمتعن بقوة اجتماعية وعلمية وقدرة على اتخاذ قرار ذاتي واختيار حقيقي، هن أكثر قدرة على السيطرة على النمو السكاني المتسارع.

 

  وبالنظر إلى الأرقام ووضع المرأة المصرية نجد أن الأمية خصوصا بين النساء، تعد من الأسباب الجوهرية للمشكلة السكانية، وطبقا لبيانات الهيئة العامة لتعليم الكبار في أغسطس ۲۰٢١ للشريحة العمرية ١٥ سنة فأكثر بإضافة التسرب، نجد أن نسبة الأمية بين الإناث ترتفع عن الذكور، حيث بلغت أعدادهن 10.1 مليون نسمة بمعدل 31.2٪، مقابل 7.3 مليون نسمة للذكور بمعدل 21.3%، وهناك ٥ محافظات مصرية، تتجاوز الأمية بين البنات والسيدات 40% ففي المنيا نجدها 45.8%، وأسيوط 42.4%، والبحيرة 41.6%، وسوهاج 41.1% والفيوم 41%.

 

وارتفاع معدلات الأمية بين النساء، يؤدي إلى عدم تأهيلهن بصورة مناسبة للنزول إلى سوق العمل، فضلاً عن انتشار النمط الثقافي، الذي يحد من دور المرأة في المجتمع، وبالتالي تصبح الحياة المنزلية وإنجاب وتربية الأطفال محل الاهتمام الأساسي لغالبية النساء.

 

ا.د عمرو حسن 

 

أستاذ مساعد النساء والتوليد والعقم بقصر العيني 

مقرر المجلس القومي للسكان السابق

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز