عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. علي موسى الموسوي يكتب: سيكولوجية الإشاعة والقوة الإعلامية

د. على موسى
د. على موسى

يُقال إن زنادَ الإشاعة هو أشدّ الحروب النفسيّة فتكاً، حيث إنها وسيلة دسمة للفتنةِ والوقيعةِ بين بني البشر وهدر الدماء وإضاعة الحدود الاخلاقية.



ولذلك خصها القرآن الكريم بقولهِ تعالى: (والفتنة أشدُّ من القتل) لأنها تتمدد بفضاءٍ عام يمكّن الناس من إطلاقها وتداولها لتعمل على شقِ الصف، وتُعمي الناس عن الحقِ والبصيرةِ.

 

وهي بالتالي أداة خصبة للفاسدين وأصحاب القيل والقال باعتبارها معول هدمٍ مجتمعيّ، ولها قدرة بارعة على بث الطاقة السلبية والانهزامية بذاتِ الإنسان بدلاً من الإنتاجيةِ والإيجابيةِ.

 

 والذي مهّد لكل ذلك وجعله مُتاحاً وأضاف للفارغين من خلالهِ وجوداً وفضاءً حراً، هو ثورة الاتصالات والمعلوماتية وأذرعها الإعلامية، التي جعلت عملية كشف أستار الناس وتلويث سمعتهم وتخريب حياتهم بالاحتيالِ والابتزاز والبذاءات والصفحات الوهمية الصفراء، أمراً سهلاً، ولا يحتاج من شخوصه الظهور العلنيّ، لأن الإشاعة- بنظر مفكري ما بعد الحداثة- ستتمدد وتفرض وجودها ما بين المعرفة والقوة.

 

وقد تكلّم الفيلسوف الفرنسي "فوكو" عن التعبيرات الدنيا من المعرفة أو المعرفة الشعبية وغير المؤهلة وصراعها التاريخي مع المعرفة الرسمية، أو الصادرة عن مواقع القوة الإعلامية والسلطة، فيكون السؤال المُلح هنا: حينما تتحول القيّم الفطرية لهباءٍ إلكتروني، ماذا بقي من الفوائد التنكولوجية العظيمة؟!

 

تساهمُ الإشاعة المُجتمعية في الكثيرِ من الآثارِ السلبيةِ والمدمّرة على ذاتِ الفرد، من خلالِ خلق حالة القلق والعبث بالصحةِ النفسيةِ للأفرادِ، وتسويق فكرة الحرب النفسية بذواتهم سواء الباردة أو الحامية، وكذلك تحطيم المعنويات واستبدال التواكل والتخاذل والسلبيات بها، وبالتالي ستؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على تخريبِ أمنهم المجتمعي، وتساهم بإرباكِ وزعزعةِ الثقة بخزّانات التفكير والعلماء والساسة والرموز ممن يقتدون بهم.

 

 والمتأثرون من ذلك أيضاً الصالحون والأبرياء والشرفاء واستبدال السلبيةِ والقيمِ الكاذبة والمفبركة بروحية العطاء، وإضعاف دعامة الثقة بالنفسِ وانهيارِ منظومة القيم وتسيّد السطحيين والضعفاء، ليسيطروا على المجتمعات ويصبحوا مصدراً رئيساً للمعلومةِ وأصحابُ قرارٍ، كما تساهم الإشاعة في إيقاع العداوة والبغضاء بين أفراد العائلة الواحدة، وغرس بذور الفتنة الطائفية في المجتمع ونشر الأحقاد والكراهية وخلخلة الاستقرار من خلال الطعنِ في نزاهةِ ومصداقيةِ الجميع، وقتل روح الإبداع والإنتاجية لدى الشباب باعتبارهم أدوات تغيير وقيادات مُستقبل، وبالتالي اندثار مفهوم القدوة الحسنة من الأساس.

 

ولا تقتصر الإشاعة على الترويجِ الثقافيّ المُضر، وإنما تكون أحياناً برمزيّةٍ مؤذيةٍ من خلالِ اغتيال شخصية أو إنجازات وطنية أو بطولة، أو تضخيم أو تقزيم لفكرة أو حدث أو مناسبة أو شخص بهدف بعيدٍ أو قريب المنال للجهةِ المستفيدةِ، وهنالك ضحايا وجامعو وقانصو فرص فيها، ومتسلقون كُثر، وبالتالي فإن الحصيلة ستكون إنتاجِ أجيالٍ مهزوزةٍ، وغير سويّة وفاقدة للثقة بنفسها ومن حولها وكل الناس.

 

إذن الإشاعات والأخبار المُلفقة ليست أمرًا جديداً، وإنمّا هيَ موجودة منذُ الأزل لكن الأمر المستجدّ في يومنا هذا هو الستارة التقنيّة التي أُسدلت ليتشارك الجميع المعلومات، سواءً كانت صحيحة أو خاطئة، حيث تتيح منصّات التواصل الاجتماعي لأي شخص مهما كان أن ينشر قصصه أو يفبرك معلوماته ويشاركها مع العالم بدون تحرٍ من المصدر، وهنا يفترض أن يتكون وعيّ مجتمعي وثقافة إلكترونية تعيد إنتاج الاستيعاب وتوثقه في الذاكرة، ولذلك وضع خبراء الاعلام ومتخصصو الشبكة المعلوماتية مجموعة قواعد تُتيح للقارئ التحقق من المصادر المختلفة، فإن وصلك الخبر على إحدى منصّات التواصل الاجتماعي، قم أولاً بإلقاءِ نظرةٍ على عددِ المتابعين لهذه الصفحة وتأكد من أنهم متابعون حقيقيون وليسوا مجرّد حساباتٍ وهمية، ويجب عليك قراءة ما ينشره المتابعون في قسم التوصيات "Reviews" في الصفحة التي نشرت الخبر أو القصّة، وأيضاً ضرورة متابعة تقييم الصفحة، وكذلك التأكّد من رابط الموقع الذي نشر الخبر، حيث إنّ المواقع التي ينتهي الرابط فيها بامتداداتٍ مثل "infonet." أو "offer." بدلاً من "com." أو "net." أو الامتدادات المعروفة هي في الغالبِ مواقع مشبوهة، ولا بد من التأكد أنه في حال اشتمل رابط الموقع أو الخبر الذي تقرؤه على الكثيرِ من الأخطاءِ الإملائيةِ والنحويةِ غير المبررة، ففي ذلك إشارةً قويةً إلى أنّه يفتقر إلى المصداقيةِ لأن الأخبار المهمّة المنشورة بواسطةِ مؤسساتٍ موثوقةٍ غالبًا ما تكون مدقّقة ومصححة، وكذلك في حال سمعت الخبر من شخصٍ معيّنٍ في مقطعِ فيديو مثلاً، فتأكد ممن سمعتهِ وهل هو مختصّ ومعروف بصدقهِ في هذا المجال، وهل ذكر المصادر التي لجأ إليها قبل التصريح بهذهِ المعلومات.

 

أمّا في حال أنك سمعت الخبر من شخصٍ معيّن مباشرة، فاسأله عن المصدرِ ومن ثمّ تحقق من موثوقية هذا المصدر بالخطواتِ التي ذكرناها سابقاً، كيّ لا تقع في فخ الإشاعة وبيئتها التي تحتاج تمييزاً ذكياً لما يتم تداوله في الأوقات التي تقضيها مع الأصدقاء والمعارف في تَسَقُّط أخبار المجتمع والناس والأحداث.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز