عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

انتشار الإسلام في "غرب إفريقية"

د. إبراهيم محمد مرجونة
د. إبراهيم محمد مرجونة

عقب فتح مصر انطلقت الجيوش الإسلامية عام ٢٠ه/ ٦٤٠م نحو بلاد المغرب، وتم فتح طرابلس عام ٢٢ هجرية لتأمين حدود مصر الغربية بقيادة عمرو بن العاص، وأراد بذلك أن يغزو ما وراءها في بلاد إفريقية. 



 

بعد عزل عمرو بن العاص، تولى عبد الله بن أبي السرح ولاية مصر، وسيّر جيشًا لغزو إفريقية عام ٢٧ هجرية، وانتصر المسلمون في موقعة أسبيلطة، وأشار إلى ذلك البلاذري في كتابه فتوح البلدان "لما ولي عبد الله بن أبي السرح ولاية مصر، بعث المسلمين فأجابوا من أطراف إفريقية وغنموا". وفي عهد معاوية بن أبي سفيان، عين ابن حديج أول والي على إفريقية عام ٤٥ هجرية، وفي عام ٥٠ هجرية عين عقبة بن نافع الفهري الذي افتتح عدة مدن وحصون، واختط مدينة القيروان لتكون مقرًا لجيشه، واختار لها مكانًا استراتيجيًا حتى لا تطرقها مواكب الروم.

 

وأصبحت القيروان قاعدة حربية ومركزًا تنطلق منه الغزوات على جبال أوراس، فكان أثناء زيارته لها يبعث لها بالسرايا، وقوى الجنود بمدينة القيروان، ودخل كثير من البربر في الإسلام.

 

آثر عقبة بن نافع أن تكون مدينة القيروان مدينة برية، إذ كان يخشى أن تطرقها مواكب الروم فتعرضها للغزو، وفي ذلك يذكر ابن عذاري "إني أخاف أن تطرقها مواكب الروم بغتة فيملكوها، فاجعلوا بينها وبين البحر ما لا تقتصر الصلاة في موضعها فأهلها مرابطون". 

 

بالإضافة إلى موقعها البري فقد كانت بالقرب من السبخة، حتى تتمكن الإبل من الرعي، وتكون في مأمن من عادية البربر والنصارى.

 

مما سبق نلاحظ أهمية موقع القيروان الذي يمتاز ببعده عن البحر، فلا تتعرض لغزو من جانب الروم، وفي الوقت نفسه كانت في مأمن من الأعداء في الداخل.

 

وموقع المدينة تحدده عوامل مختلفة، موقعها الجغرافي من حيث خطوط الطول ودوائر العرض التي تحيط بها، وموضعها من الناحية التكوينية التي تقوم عليها المدينة، وما يحيط بها من مظاهر طبيعية.

 

وهذا الرأي يؤكده ابن خلدون في "أن المدينة لا بد أن تكون في منازلها سياج من الأسوار في ممتنع من الأمكنة، إما على هضبة متوعرة من جبل، أو باستدارة بحر أو نهر، أو على قنطرة فيصعب على منالها العدو".

 

وبتأسيس مدينة القيروان أخذت العمليات العسكرية تأخذ طابعًا مستقرًا، إذ كانت العمليات مجرد غارات استكشافية للتعرف على الأرض تقوم بها الجيوش فتعود إلى برقة ومصر.

 

وأشار إلى ذلك عقبة بن نافع بقوله "أرى منكم يا معشر المسلمين أن تتخذوا بها مدينة تكون عزًا للإسلام لآخر الدهر"، ويتضح من قول عقبة أهمية مدينة القيروان كقاعدة حربية ومركزًا لنشر الإسلام والثقافة العربية، وقد وفد إليها كثير من الصحابة وأخذوا في نشر الإسلام، وهي مشهورة بكثرة مدارسها ومبانيها في عهد المدينة الإسلامية.

 

اختط عقبة بها المسجد ودار الإمارة، وهو أول المساجد الجامعة، وأكد ذلك العبدري في رحلته: "هو من الجوامع الكبار المتقنة الرائعة واسعة الفضاء به كثير من المؤلفات".

 

وذكر ياقوت الحموي"أن عقبة أول من وضع المحراب وحمل إليه السوريين الحمراويتين التي لم ير الراوون مثلها"، وبذلك أصبحت القيروان أهم مركز لنشر الثقافة والفنون الإسلامية، بالإضافة لكونها قاعدة حربية، ومركزًا لنشر مختلف العلوم.

 

بعد أن أتم عقبة بناء القيروان أتى أمر معاوية بن أبي سفيان بعزله سنة ٥٥ هجرية، وتولية أبو المهاجر الذي امتدت ولايته على إفريقية سبع سنوات، وكان سياسيًا بارعًا لترك العنف مع البربر ونشر بينهم الإسلام، حتى اعتنق زعيم البربر كسيلة الإسلام، كما استطاع أبو المهاجر أن يصل المغرب الأوسط ويحتل مدنه، فهو أول قائد عربي يصل تلمسين.

 

في سنة ٦٠ هجرية توفي الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وخلفه ابنه يزيد، وعاد إلى الولاية عقبة بن نافع خلفًا لأبي المهاجر، وغزا عقبة بلاد المغرب الأقصى حتى وصل إلى المحيط الأطلسي قائلًا: "يا رب لولا أن البحر منعني لمضيت في البلاد فاتحًا أقاتل من كفر بك حتى لا يُعبد أحد سواك".

 

يتضح مما سبق أن عقبة بن نافع أوغل في بلاد السودان ووصل إلى منحنى نهر النيجر ومصب نهر السنغال، وكان يتطلع إلى فتح مناطق جديدة.

 

وقد فتحت عملية الفتح الإسلامي لبلاد المغرب الطريق أمام التجار الذين بدأوا يتجولون في بلاد السودان، ووصلوا إلى منطقة تكرور وغانا، ويؤيد هذا الرأي الرحالة بارك، حيث يرى أن عقبة وصل بجيوشه إلى منطقة غانا، وأن حدودها امتدت شمالًا حتى المغرب الأقصى، وهذا ما يؤكد الفتح العربي لبلاد السودان.

 

استشهد عقبة بن نافع سنة ٦٤هجرية في معركة هُزم فيها المسلمون عند تهودا وانتهت باستلام البربر على القيروان، وفي هذه الأثناء مات الخليفة يزيد بن معاوية، وصارت الخلافة لعبد الملك بن مروان سنة ٦٥ هجرية.

 

بعث عبد الملك بن مروان مدادًا لزهير بن قيس، وأمره بأن يستعيد القيروان، ودارت معركة انتهت بهزيمة البربر وانتصار المسلمين، وعندما عاد إلى طرابلس اعترضته قوة بحرية فاستشهد عام ٦٩ هجرية.

 

لم ييأس الخليفة عبد الملك بن مروان فأعدّ جيشًا من أربعين ألف مقاتل، جعل قيادته في يد حسان بن النعمان سنة ٧٢ هجرية، وقد أوصى الخليفة عبد الملك حسان قائلًا: "إني خلفت في يدك أموال مصر فأعط من معك ومن ورد إليك، واخرج لبلاد إفريقية على بركة الله".

 

وصل حسان إلى القيروان واتخذها مركزًا لعملياته العسكرية، وبدأ بمهاجمة الروم واتجه نحو البربر وقتل زعيمهم كسيلة، ودخل إفريقية عام ٨٠ هجرية.

 

بعد أن فرغ حسان من استرداد إفريقية والقضاء على مقاومة البربر والروم، أخذ يوجه عنايته لتنظيم البلاد إداريًا، فدوّن الدواوين ونظم الخراج، ثم بعث عماله على سائر بلاد المغرب، وعمل على نشر الدين الإسلامي بين البربر، ووزع الفقهاء إلى سائر أنحاء البلاد لتعليم البربر قواعد الدين ونشر اللغة العربية، فأقبل البربر على الإسلام في حماس منقطع النظير، وحسن إسلامهم.

 

مما سبق يتضح أن حسان استطاع أن يسيطر على إفريقيا حربيًا، وأن ينشر الإسلام، ويحول إفريقية قلبا وقالبًا إلى ولاية عربية إسلامية.

 

في أوائل عهد الوليد بن الملك عام ٨٦ هجرية، عزل حسان بن النعمان، وولي موسى بن نصير، فاصطنع سياسة جديدة في المغرب وهي سياسة تتضمن عزمًا أكيدًا على فتح بلاد المغرب بالسيف والعنف، مع اصطناع الحذر والبدء بالعدو القريب قبل البعيد.

 

أخضع موسى بلاد المغرب الأوسط، ثم غزا في البحر سنة ٨٥ هجرية الغزوة المعروفة بالأشراف، وصل فيها إلى صقلية وعاد بغنائم كثيرة. 

 

وما زال موسى يفتتح قلاع البربر ومعاقلهم حتى بلغ السوس الأدنى وهي بلاد درعة.

 

أحدثت غزوات موسى هزة كبرى بين قبائل البربر، وسببت لهم الذعر والهلع، فأخذوا يستأمنون العرب على أنفسهم ويستسلمون لهم، وتسابقوا في إعلان خضوعهم لهم والدخول في طاعتهم واعتناق الإسلام، وهكذا نجح موسى بن نصير في إخضاع بلاد المغرب كلها للإسلام.

 

عاد موسى بن نصير إلى المشرق بأمر من الخليفة، وتولى أمر بلاد إفريقية محمد بن يزيد في ٩٧ هجرية.

 

ساد السلم والأمن بلاد المغرب في ولاية محمد بن يزيد، وفي خلال هذه الفترة السلمية القصيرة التي نعم فيها البربر بالاطمنئنان والعدل قام محمد بن يزيد بفتح المناطق الداخلية من المغرب الأقصى، كما بعث السرايا إلى ثغور إفريقية والجزر المجاورة لها، وكان للسياسة الحكيمة التي اتبعها محمد بن يزيد أعظم الأثر في كسب أفواه جديدة من البربر إلى الإسلام.

 

لما توفي سليمان بن عبد الملك استعمل الخليفة الجديد عمر بن عبد العزيز على إفريقية اسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر، وكان تقيًا ورعًا، وكان لحرصه على الإصلاح أعمق الأثر في انتقال البربر إلى الإسلام جملة، وهذا يؤكد أن الفاتحين هم من أسسوا دعائم العقيدة الإسلامية.

 

اتصل الولاة بقبائل الملثمين ونشروا بينهم الإسلام، والملثمين هم أول من اتخذوا اللثام وتميزوا به بين الأمم، وهم قبائل كثيرة أهمها قبائل لمتونة، وجدالة، ومسوفة.

 

سقطت القيروان وقامت دويلات مستقلة استطاعت أن تبسط نفوذها على المناطق، محاولة إقرار السلام فيها، ورغم أن ولاة القيروان قد فقدوا نفوذهم في المنطقة، إلا أنهم عملوا على إبقاء الصلات التي تربطهم بإفريقية وبصحراء المغرب، فاستطاعوا أن يعبروا الصحراء وينشروا الإسلام بين قبائل صنهاجة، وهي فرع من فروع البربر الملثمين، ومنهم البرانيس والبتر.

 

أصبح التجار المسلمون يتصلون بديار الملثمين عن طريق الساحل والطريق الذي أصلحه عبد الرحمن بن حبيب، فعملت هذه الجهود على نشر الإسلام جنوبًا، وانتشر الإسلام بين قبائل الملثمين، وتم تأسيس حلف قوي بزعامة قبيلة لمتونة بفضل الجهود التي بذلها تيولتان بن تلكان الذي أسلم وحسن إسلامه، فتوجه بفتوحاته نحو الجنوب في ديار الزنوج، واستولى على مدينة أودغست واتخذها حاضرة له.

 

تحكمت مدينة أودغست في طريق السودان وبلاد المغرب، وبلغت هذه المدينة أهميتها في القرنين التاسع والعاشر الميلادي، فقامت بدور كبير في نشر الإسلام وتنشيط حركة التجارة، وكان لها الأثر في دخول عدد كبير في الإسلام قبل القرن الحادي عشر، وبالتالي أدت هذه الجهود إلى انتشار الإسلام في غرب إفريقية.

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية 

رئيس قسم التاريخ- كلية الآداب

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز