عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
دفتر عزاء وائل الإبراشي
البنك الاهلي
الإبراشي الذي أعرفه

الإبراشي الذي أعرفه

كأنه كُتب على المرحوم وائل الإبراشي أن يدفع فواتير لم يشترِ بها شيئًا، وحصل عليها الكثير من  الذين استغلوا وفاته في جذب الأبصار إليهم، وسرقة شيء من نجوميته؛ ليظهروا على السطح ويطمئنوا أنفسهم أنهم نجوم من ورق، ويخترعوا القصص والحكايات التي جمعتهم، في حين أن الحقيقة أن أحدًا منهم لم يقترب منه ولم يعرفه.



 

وبدلًا من أن يخلدوا ذكراه، قاموا بالمتاجرة بوفاته بادعاء صداقته، وحولوا وفاته إلى مهرجانات فاقت المئة مهرجان.

 

ويؤكد الحضور الكبير في عزاء الراحل، سواء في مسقط رأسه بمدينة شربين أو في مؤسسة "روزاليوسف"، مدى محبة الناس وتعاطفهم مع الإبراشي.

 

قد يقول البعض كيف نتكلم عن الإبراشي، الذي ترك "روزاليوسف"، منذ أكثر من 15 سنة، ونجيب بدورنا إن علاقة الإبراشي بـ"روزاليوسف"، هي الجامعة التي تعلم فيها ومن خلالها كل فنون العمل الصحفي، وأثبت من خلالها تفوقه وتميزه.

 

ومن حسن طالع "روزاليوسف"، أن الإبراشي جاء إليها، وقت أن بدأت التجربة الفريدة من نوعها في الصحافة المصرية والعربية على يد الساحر والمُعلم الكبير الأستاذ عادل حمودة، الذي استطاع أن يوفر أجواء العمل الذي يتنافس فيه الجميع بحرفية وبأخلاق على الانفراد والتميز، دون أي إضرار للآخر.

 

في هذه الأجواء الشريفة، استطاع عادل حمودة أن يُخرج أحسن ما في كل فرد من المجموعة الصحفية التي كانت على موعد مع القدر بأن تقود هذه المطبوعة الجميلة إلى أعلى المبيعات، وكذلك قوة التأثير بين مختلف فئات وشرائح المجتمع.

 

وكان من أبرز نجوم هذه المرحلة، إبراهيم عيسى رئيسًا للديسك، وأسامة سلامة المتخصص في الملف الديني والنقابات، ومحمد هاني في الفن، وعبد الله كمال أمهر من عمل في الديسك، بمشاركة عمرو خفاجي وإبراهيم منصور.

 

هذا الفريق، رغم احترافيته كان الأستاذ عادل حمودة يراجع عمله؛ حيث تعاملوا جميعًا بكل مهنية دون أدنى حساسية أو تأفف، باعتبار أن عادل حمودة كان يمتلك سعة الصدر، التي تتيح لكل المحررين أن تسمع وجهة نظرهم فيما يتم نشره من أعمالهم الصحفية.

 

ويبرز في هذا السياق أن الإبراشي كان شديد الحرص على قراءة موضوعاته قبل أن تنشر وفي كثير من الأحيان، كان عادل حمودة يأخذ بوجهة نظر الإبراشي فيما يتم نشره من تحقيقاته.

 

وهكذا كنا نعرف- جميعًا- أن الإبراشي شديد الاهتمام بعمله ودقة معلوماته وقوة مصادره الصحفية، ومن هنا جاءت ثقة مصادر الإبراشي فيه، إضافة إلى ذلك أن الإبراشي لم يأتِ من فراغ، بل جاء مؤهلًا بالأخلاق والقيم والمبادئ، التي كانت سائدة في كل تعاملاته، سواء مع زملائه وأصدقائه أو مع مصادره.

 

عندما كان يتواجد في أي مكان كان يُضفي عليه البهجة والمحبة والدفء، لما يتمتع به من آداب المجالسة وحسن التعامل، حتى إنه طوال حياته المهنية في "روزاليوسف"، لم نسمع منه لفظًا خارجًا أو تصرفًا غير مهذب، فكنا نتشارك في مكتب واحد، يضم ثلاثة صحفيين هم؛ الإبراشي وأسامة سلامة وأنا.

 

ودائمًا وأبدًا كان الهدوء يخيم على هذه الحجرة، والكل يعمل في صمت، حتى عندما يحضر مصدر لأي منا كان الآخر يتعامل معه على أنه مصدره، فأجواء المحبة والرقي كانت سائدة، ولم يحدث أبدًا أية خلافات، رغم التنافس الشديد، حتى في الأوقات العصيبة التي سادت المجلة، بعد انتقال الأستاذ عادل حمودة إلى جريدة "الأهرام".

 

وعندما أصبح الأستاذ محمد عبدالمنعم رئيسًا لمجلس الإدارة، ورئيسًا لتحرير مجلة "روزاليوسف"، لم تتغير أخلاقيات الإبراشي، واستمر في أداء عمله المتميز في التحقيقات، ولم يستغل علاقته الوطيدة السابقة مع رئيس التحرير الجديد، ولم يحصل منه على أي امتيازات، رغم العروض الكثيرة التي كانت أمامه، وأذكر منها أن الأستاذ محمد عبد المنعم، عرض عليه أن يكون مندوب المجلة في لجنة السياسات بالحزب الوطني، التي كان يتهافت عليها كثيرون، كطريق للحصول على المناصب الصحفية الكبيرة.

 

موت الإبراشي خسارة كبيرة للإعلام بجميع أطيافه، فـ"روزاليوسف"، هي الجامع الموحد للصحافة المصرية، التي صاغت الصحافة وأعادت كتابتها بمفردات حضارية خلاقة مبدعة في عالم مشحون بالحقد وكراهية الآخر المختلف، فجميع من دخل "روزاليوسف"، يعرف أن الصحافة لن تستمر أو تزدهر إلا بالحرية والاختلاف مع الآخر، وهي الأرضية المشتركة لإقامة الجسور، وحل المشكلات المستعصية.

 

خرج الإبراشي، منذ البدايات على الصحافة التقليدية وانصهر في الصحافة الشعبية، التي تدافع عن الفقراء ومن لا صوت لهم، وفي الفضاء الإعلامي الرحب كان من الرواد بأخلاقه الحميدة ونبله وصلابته وتفتيشه عن الحلول، فرفعة مصر كانت هدفه الأول والأخير.

 

رحم الله الإبراشي.. وداعًا لهذا الصديق صاحب السيرة الراقية في تاريخ الصحافة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز