عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المفكر والسفير د. قيس العزاوي.. وداعًا

المفكر والسفير د. قيس العزاوي.. وداعًا

كان لي أول لقاء معه في جريدة الجريدة التي كان يرأس تحريرها ببغداد بعد 2003، وهو يرتكز على كرسيه بمكتبه، فحييته بتحية الود، والابتسامة على محياه، قدمت له مقالاً أدبياً في حينه، وبعد قراءته طلب مني العمل معه بالجريدة، فاعتذرت في حينه.



 

وشاءت الصدفة أن انتقل للعمل الدبلوماسي في بعثتنا بالقاهرة بالسفارة العراقية، فإذا بنا نلتقي ثانية بعد أصبح المندوب الدائم لجمهورية العراق بجامعة الدول العربية، واستمرت علاقاتنا الأدبية والدبلوماسية، خصوصاً بعد  أن أسس مع مجموعة من المفكريين والأكاديميين والإعلاميين الصالون الثقافي العربي، بينهم كل من د. جابر عصفور، ود. يحيى الجمل، رحمهما الله، ود. صلاح فضل، وآخرين.

 

لم يكن د. قيس العزاوي، أديباً أو مفكراً أو دبلوماسياً كتب العديد من المؤلفات والدراسات والبحوث والمقالات السايسة فحسب، بل كان نموذجاً للإنسان الذي يحمل معنى الإنسانية، عرفته إنساناً عروبياً يسعى من أجل عروبيته وناضل من أجلها منذ شبابه، وتعرض إلى العديد من المضايقات فهاجر إلى مصر، ودرس بجامعة عين شمس، وعاش فيها طويلاً فأحبها، بأهلها ونيلها ومفكريها، ولذا عندما أصبح سفيراً بعد عام 2003 أحب العمل والعودة إليها من فرنسا مرة أخرى.

 

عند نهاية فترة عملي بسفارة العراق بالقاهرة، أُعيرت خدماتي للعمل بجامعة الدول العربية، فكانت الصدفة الأكبر أن يرشح "العزاوي"، بعد إحالته على المعاش للعودة ثانية، وهذه المرة بصفة أميناً عاماً مساعداً لقطاع الإعلام والاتصال .

 

لقد كان له دور ثقافي كبير بحكم جذوره الإعلامية، وعلاقاته المتعددة وتنوع ثقافته وإنسانيته النبيلة، منذ أن أسس الصالون الثقافي العربي، الذي كان يعقد دورياً في مقر سفارة العراق بالزمالك، وحتى بعد انتقاله للعمل أميناً عاماً مساعداً بالأمانة العامة للجامعة العربية.

 

لقد استطاع أن يؤصل الفكر والثقافة والإبداع بمشاركة العديد من الدبلوماسيين من وجهاء المجتمع العربي، وهو يحمل بذور الثقافة العربية المنفتحة على الثقافة الفرنسية والحداثة وما بعد الحداثة، لقد بدأ رحلته مع الإعلام، ثم بعد إكماله الدراسات الأكاديمية والدكتوراه في جامعة السوربون، كان مؤرخاً رصد التاريخ العثماني، وشخصه في كتابه "التباسات الكتابات العربية عن التاريخ العثماني"، فضلاً عن قيامه ببذر نواة تجمع المفكرين والأدباء والإعلامين في بلد كبير كمصر التي أحبها كثيراً.

 

كان وجوده معي بالجامعة العربية، ومصاحبته رحمه الله في أغلب الأحيان من مقر العمل إلى سكننا بنفس العمارة بالمهندسين، فرصة للتداول في الشأن الثقافي العربي تارة، وطبيعة العمل الوظيفي بحكم ترأسه للقطاع تارة أخرى.

 

كثيراً ما تولد لهذه الأمة شخصيات فكرية وعلمية وأدبية وسياسية ترسم خطاها بوضوح، وتترك بصمتها للأجيال اللاحقة، وتكون مرجعاً لما قدموه عبر مسيرتهم الطويلة في خضم الصراعات والغزوات الفكرية، فكان "العزاوي" أحد هؤلاء الذين يعتز بهم العرب بلا جدال، كنا ندخل في نقاشات لوقت متأخر في دار سكناه بحضور مجموعة من الأصدقاء العرب، وكان رحمه الله هو من يتسيد الجلسة، أو إن صح التعبير هو من يتشعب بالمواضيع، فيأخذ مساحةً واسعة في الحديث والحوار والإجابة على تساؤلات الضيوف الحضور.

 

لم أكتب هذه الكلمات رثاء أيها "العزاوي الكبير" قيمة وقامة، أيها الأخ والصديق والاستاذ والمعلم، إنما قادني نابل القلم لأكتب بعض الوفاء إليك وظلك يطاردني كل يوم وأنا أدخل مبنى سكننا، لتذكرني خطواتك وأحاديثك ومزاحك بروح الشباب، حملتك ذاكرةً تفوح نبلاً وصدقاً وتضحية للآخرين، لم ترد من أرادك عوناً له، كلماتك ومقالاتك وكتبك وبحوثك، وكل ما سطره إبداعك الثرى الكبير، لا تزال تطرز مكتبتي، وأنفاسك فيها تفوح نداً للتأريخ.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز