عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الكلمات تهرب يا رب القلم.. وداعًا ياسر رزق

الكلمات تهرب يا رب القلم.. وداعًا ياسر رزق

كأنها ضاقت على أصحاب المواهب في مهنة صاحبة الجلالة، أو كأن الموهوبين لم يعودوا يرغبون البقاء في دنيا الفناء وقرروا الرحيل، لم تمر أيام قلائل على رحيل الكاتبين الكبيرين إبراهيم حجازي، ووائل الإبراشي، حتى جاءت الفاجعة الأكبر اليوم برحيل النقابي العملاق والصحفي الفذ رب القلم ياسر فتحي رزق، قدوة أبناء جيلي في المهنة، ولا أعرف من أين أجد الكلمات القادرة على وصف مسيرة هذا العملاق في بلاط صاحبة الجلالة.



 

 

أنا دموعي عزيزة جدًا لا تسيل إلا في حالة ما يمس الكرامة، لكنها في الموت لا تعرف مجراها، لكن اليوم مع الراحل الكبير ياسر رزق سالت وانهمرت، القلب اتوجع والعيون أثخنت.

 

لست من أنصار الانقياد وراء مواقف أو تبني آراء أحد، ودائمًا أبحث عن الحقيقة وأُقلب أي ظاهرة تحتاج مني موقفًا من كل الجوانب وأبحث عن حقيقة قد تكون غائبة عن البعض ولا أتبنى مواقف أحد مهما يكن هذا الشخص أو ذام، ولكن عندما كان الراحل الكبير ياسر رزق يبدى رأيًا في أي قضية كان يوفر عليّ جهد العناء في البحث، عن معلومات أكون من خلالها رأيًا لأنه كان دائمًا تحكمه مهنتيه، ومصلحة الوطن.

 

لم يمالئ أو يداهن من أجل منصب أو جاهٍ أو غرض زائل، عاش الحياة كما يجب أن يعيشها الصحفي أو من يتصدر العمل العام، حيث كان نقابيًا دائمًا إلى جانب زملائه يقاتل من أجل الحق بكل جراءة وشمم.

 

عندما أصيب ابن أخي بالمرض اللعين قابلني في نقابة الصحفيين، وكنت مكتئبًا أثناء رئاسته مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، وسألني مالك في حاجة؟ قلت له والله ابن أخويا أصيب بـ"الكانسر"، وبحاول ادخله مستشفى" 57357"، قال: اكتب طلب وسلمه في مكتبي، وإن شاء الله خير، وكلنا معاك. 

 

وعندما أحيل للتقاعد احتشد أبناء مؤسسة أخبار اليوم العريقة في مشهد مهيب، يودعون الرجل الذي كان دائمًا يضع مصلحة الزملاء على سلم أولوياته.

 

وكنا دائمًا نطالبه بأن يترشح على منصب نقيب الصحفيين، لكن لم يفعل، وساند في الانتخابات الأخيرة صديقه النقيب الحالي ضياء رشوان، لم يستغل شعبيته ويسعى إلى منصب وهو الأجدر والأنسب له.

 

وكأن القدر يحدد طريقه، أعد كتابًا، تحت عنوان "سنوات الخماسين.. بين يناير الغضب ويونيو الخلاص"، رصد خلاله بكل صدق وإخلاص، ما جرى وما كان، وقدم رزق في كتابه، إهداء إلى الشعب المصري، قائلًا: “إلى شعب عظيم لا يرضخ لظلم، ولا ينحني لعاصفة، ولا يركع إلا لرب العباد”.

 

 

كما وجه رزق إهداء إلى الأجيال، وقال: إلى أجيال آتية، هذه ملامح من قصة آبائكم في زمن عصيب، ولمحات من حكاية وطنكم في حقبة فاصلة، عساها تنير لكم طريقًا، وتُعبد دربا، وأنتم تشيدون مجدًا جديدًا، معطرًا بعظمة تاريخ. 

 

وقال رزق في مقدمة كتابه "قبل أن أبدأ" هذه ليست محاولة لكتابة تاريخ، إنما محاولة لقراءة حاضر، علنا نهتدي بها عند مفارق طرق قد تقابلنا في المستقبل.. فلا يمكنك أن تؤرخ لأحداث ماضٍ قريب، بينما هي تنبض وتتحرك وتتفاعل، أو هي مازالت تدمى وتوجع وتؤثر.

 

لكن يمكنك أن ترصد مجريات أمور تثرى، بعدما تنقضي مسبباتها وتفتش عن جذورها. ليس هذا أوان التأريخ لما جرى في مصر في العقد الثاني من الألفية الجديدة، الذي اعتبره- وهذا رأيي- أكثر الحقبات صعوبة وتقلبًا، وأشدها جزرًا ومدًا في تاريخ مصر الحديث والمعاصر.

 

ربما يحين الأوان عندما تكتمل كل مكونات "البازل" المصري في ذلك المنعطف غير المسبوق أمام من يتصدى لمسؤولية التاريخ.

 

هل كان ياسر رزق يعلم بدنو الأجل؟ مؤكد لا، ولكنها خطوات رسمت من رب العباد لإنسان عاش يتحسس طريق الصدق، حتى جاءت اللحظة المؤلمة على قلوبنا برحيله، ولكنها خاتمة يتمناها أي إنسان؛ السير على طريق الصدق.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز