عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
خلاصة القتال على جبهة كورونا.. وجراح ضمدها الله

خلاصة القتال على جبهة كورونا.. وجراح ضمدها الله

منذ اللحظة الأولى لاكتشاف العدو الأحدث للبشرية، المدعو "كورونا"، تحسست سلاحي، ومع اقترابه من ثغور الوطن، شمّرتُ عن ساعدي، ودّعت الراحة، استعدادًا لمعركة الوفاء بالعهد، لا حماية النفس. 



 

فمسؤوليتي عن مشروع العلاج، الذي أوكله إليّ مجلس نقابة الصحفيين، قبل أشهر من قرع كورونا طبول حربها؛ حتّمت عليّ إخلاص نية الجهاد، في معركة لا هوادة فيها، ولا سابقة خبرة، ولا معلومات كافية عن العدو القادم من المجهول.

 

فالعدو أشبه بشبح يطعن في الظهر ويتلاشى، بينما مختبرات العالم تلهث تسابق الوقت، لاصطياده أملًا في تحليل تكوينه، ونشأته وخصائصه، للانطلاق إلى مرحلة البحث عن آليات مواجهته، للحد من نزيف أرواح تُزهق حول العالم.

 

أوقات عصيبة، وحّدت العالم المُتصارع إراديًا، بحثًا عن نفوذ وثروات، في جبهة قتال إجبارية، باسم الإنسانية، في مواجهة عدوها الخفي، الذي لا ترصده رادارات ولا دوريات حراسة الحدود، ولا أعين وآذان الاستخبارات، لا يطلب قبل دخول الدول تأشيرات.

 

كالشبح، قادر على التسلل إلى ساكني العشش والعشوائيات، كما القصور الملكية والفيلات، عدو اشتراكي يؤمن بعدالة التهديد، تنقل بين دول العالم، فإذا العظمى منها ينالها منه أضعاف خسائر ما وصفت بالدول النامية، لم تُفلح معه العضلات العسكرية ولا الهيمنة الاقتصادية، ولا الخبرات المتراكمة في إدارة الأزمات.

 

وضعت الحروب الاختيارية أوزارها، لتتعالى صرخات المعركة الإجبارية التي فرضت على الجميع، ولم يبق من الصراع الاختياري إلا تنابز بالألقاب بين القوى العظمى، فها هي أمريكا تصف كورونا بالفيروس الصيني، بينما الصين ترد بنجاح في احتواء الأزمة، فيما تظل أمريكا شهورًا طويلة تواجه نزيف الوفيات.

 

أوقات عصيبة، عاشها العالم، دولًا وأفرادًا، مليارات البشر، لم يجدوا حائط صد غير جدران منازلهم للاحتماء، فباتت دعوة "الزم بيتك" نصيحة الحكومات، التي تجاهد لإقناع مواطنيها الالتزام بها، فخلت شوارع العالم، وقطعت شرايين المواصلات، لا طائرات ولا سفن، لا سياحة ولا رحلات.

 

كان العزل المنزلي، بالنسبة لي، غرفة عمليات، يكفي الهاتف بما يحويه من شريحة ووسائط تواصل، لأداء رسالتي في تلقي الاستغاثات وتقديم الدعم على مدار الساعة لمن يطلبه، بلا استثناء، ساعد في ذلك رجال عظماء في غرفة الدعم الطبي العاجل بمنظومة الشكاوى الموحدة بمجلس الوزراء، ووزارة الصحة، ونخبة من قيادات مستشفيات حكومية وجامعية، كانوا- وما زالوا- نعم العون، قدر المُستطاع، شكرهم موصول، وجهودهم يقدرها الجميع.

 

تلك الجائحة العالمية، بمثابة قنبلة كونية، أذابت الحدود، والخلافات، والثقافات، وتلاشى معها تفاوت القدرات، لتضع العالم أجمع بين اللاخيارات، إما التعاون وإما الفناء الجماعي.

 

وبين تلك التأثيرات العالمية سيكولوجية واقتصادية، وتكنولوجية وعلمية، التي لم تأخذ حقًا كافيًا من الدراسة العلمية الدقيقة لاستخلاص دروسها، فقد كانت هناك قصص وبطولات، صدمات وانكسارات إنسانية، تباينت ردود الفعل معها، باختلاف الثقافات والقيم المُجتمعية، من دولة لأخرى. 

 

في مجتمعنا المصري، أتاح لي الالتحام في المعركة، مشاهدة عن قرب، أصالة وعراقة هذا الشعب، عبر "عينة عشوائية" باللغة البحثية، قصص بطولات، وإيثار، وفاء وعطاء، الصفة السائدة، وإن كانت هناك السلبيات، التي تمثل الشذوذ عن القاعدة.

 

تُقاس البطولات، والتضحيات، بمقياس الموجة الأولى، زمن العزل المنزلي، وحظر التجوال الجزئي، وقت كان شعور أحد أفراد سكان الحي بأعراض كورونا، يُربك باقي السكان خوفًا وقلقًا.

 

في تلك الموجة، أصيب والد بطلتنا، بكورونا، وهو مسن، وهي ابنته الوحيدة، فيما كان زوجها لم يتعاف بعد من تبعات جراحة قلب مفتوح، تواصلت معي، وهي بين نارين، الذهاب للأب، وهذا يعني المخالطة وتهديد حياة الزوج، الذي- حال إصابته- سيكون في موقف شديد الصعوبة، ولأنها ابنة مصرية بارة وفية، ذهبت لأبيها وبدأنا رحلة البحث عن سرير العناية، وفور دخول الأب عناية العزل عادت لتعزل نفسها، أسبوعًا، خشية أن يتسلل كوفيد اللعين عبرها إلى زوجها.

 

كثيرًا هي الحالات التي استغاثت لإنقاذ جار لها، أو زوجة حارس عقار، تكاتفٌ إنساني، يعكس جوهر الصفات السائدة بالشعب المصري.

 

أسمى معاني الإنسانية، تجسدت في تلك التي استغاثت، لمساعدة أمّ مسنة وزنها تعجز معه قدماها على حملها، وزاد من مشكلتها أنها تسكن في الطابق الرابع، في عقار بلا مصعد، وتزداد المأساة، كون زوجها ونجلها انتقلا منذ عامين إلى دار البقاء، تواصلنا، ويسّر الله مسعفًا ومكانًا، غير أن المسعف لا يستطيع حملها دون معاونة عدة أفراد، في وقت كان يفر فيه عدد غير قليل من مكان يحتمل تواجد مُصاب به؛ خشية العدوى.

 

جلست أفكر في حل، بعد أن طلبت من المسعف محاولة الاستعانة بزملاء له، فإذا باتصال هاتفي من زميلة، كان الله يسر دخول والدتها منذ يوم مستشفى صدر العباسية، شعرت بنبرة حزن في صوتي، استفسرت عن السبب، اختصرت لها أزمة السيدة المسنة الوحيدة، فإذا بها تقرر على الفور: "أعطني العنوان.. هروح أنا وأخي نساعد في نقلها، لقد يسّر الله لنا أمس، وعلينا أن نساعد اليوم قدر المستطاع".

 

شكرتها، على وعد بأن أطلب منها الذهاب، إذا لم يكن هناك حل آخر، لكن قدر الله أن استعان المسعف بمن عاونه، ونُقلت السيدة للمستشفى، لكن قدر الله لها الوفاة بعد أيام، وزاد ألمي أن رحلت والدة الزميلة- الشهمة- أيضًا بعدها بأيام، رحمهما الله. 

 

هذه النماذج بعض من بطولات كثيرة، تفوق عدد أيام حرب كورونا، التي لم تضع أوزارها بعد، بطولات تفوق كثيرًا السلبيات التي جعلت بعض أوهام العوام تحاول منع سيارة إسعاف من الولوج لمقابر قرية أحد شهداء كورونا ليوارى جثمانه الثرى، في واقعة تنافي- بالمطلق- ما نعهده عن أخلاق القرية، هي لا شك حالة شاذة، تستحق دراسة عن أثر بناء الخيالات والأوهام لدى الجماهير في وقت الأزمات.

 

لم تضع الحربُ أوزارها بعد، بينما مع العدو تتوالد أجياله وتتكاثر بـ"متحورات"، ومع استمرار الحرب تزداد خزائن مصنعي السلاح الطبي "اللقاحات"، هي ذاتها تجارة الموت، لكن أرباح السلاح هنا، تفوق أضعاف أرباحهم من صناعة وتجارة السلاح العسكري.

 

مثل المقاتل على الجبهة لا أخشى رصاصات العدو، وإن كنت أتخذ ما يمكن من إجراءات، فكان قدري أن تصيبني شظايا العدو للمرة الثانية، الأولى كانت مع الموجة الثانية، بينما الإصابة الأحدث كانت منذ عشرة أيام بفعل المدعو "أوميكرون"، فكان فضل الله عظيمًا، وشملتني رحمته بدعوات أمهات المُحبين والمُخلصين، فالحمد لله رب العالمين.

 

وهنا أود أن أنقل إليكم تجربة القتال على الجبهة، متواصلًا مع مصابي المعركة على مدار عامين، وأحد مصابيها المتعافين في تجربتين، تخللهما الحصول على جرعتين من اللقاح، لعل فيما أذكره نفعًا لمن يُطالع هذا المقال. ١ - كلمة السر في النجاة بفضل الله وقدره، الالتزام بالهدوء النفسي التام.

 

فخلاصة المعركة التي تدور داخل الجسد، أشبه بمصارعة أذرع بين الفيروس وجهاز المناعة، والأخيرة تتأثر مباشرة- سلبًا وإيجابًا- بالحالة النفسية، بل هناك أعضاء في الجسد تفقد القدرة على أداء وظائفها نتيجة للحالة النفسية السلبية، ولكم دليل في قوله تعالى عن سيدنا يعقوب: "وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ"، فقد ضعف بصره من أثر الحزن.

 

فضلًا على أن الشعور بالقلق والخوف، يُحدث تزايدًا في ضربات القلب، وعدم انتظام في التنفس، بينما ذلك الفيروس- بالأساس- يصيب الجهاز التنفسي، لذلك التوتر والقلق يؤثر سلبًا على المناعة، لصالح تنامي سيطرة الفيروس اللعين. ابعد عن التوتر، أغلق هاتفك، التزم الهدوء، اشغل نفسك بذكر الله، والاستماع للكتب الصوتية، أو أي شيء يؤثر إيجابًا في نفسيتك.

 

٢- سرعة التعامل مع أبسط أعراض تشعر بها، اعتبرها بردًا، وابدأ فورًا- من أول ساعة تشعر فيها بأعراض نزلة البرد- بالذهاب إلى طبيب، أو تناول البروتوكول المُعتمد، وفي كل الحالات يفيد، سواء كان بردًا أو "كوفيد"، مع أهمية الذهاب للطبيب المُتخصص في أمراض الصدر، حال كانت الأعراض متزايدة أو تُعاني من أمراض أخرى.

 

في تجربتي، بمجرد شعوري بأعراض أتعامل فورًا، "زيثركان مضاد حيوي، أوكسي فيري فيتامين سي وزنك، وبنادول، ومعه أسبوسيد دواء سيولة خفيف"، ثم أذهب للطبيب بعد إجراء مسحة، وتأكدي من إيجابية الإصابة، وأعرض عليه تفصيلًا الأدوية التي بدأت بها، وفي الحالتين ذهبت ومعي الأشعة المقطعية لتيسير دقة تشخيص آثار الإصابة على الرئة.

 

٣- شخصيًا أتجنب الإفراط في العلاج، فالقصة، وهذه ليست فتوى طبية، بل إعمال العقل، وتجربة، هذا الفيروس ليس له علاج معروف عالميًا، فكل ما يحصل عليه المرضى من أدوية هو مضادات للآثار المترتبة على الإصابة، التهابات الرئة يُمنح المريض "مضاد حيوي" لمحاصرتها، وخافض للحرارة مسكن للآلام، ودواء سيولة لتجنب التجلطات المحتملة، وفيتامينات تدعم المناعة.

 

٤- إذا كانت هناك حقيقة علمية مفادها أن المعركة بين فيروس يهاجم ومناعة تدافع، وحالة المريض مرهونة بمن ستكون له الغلبة، فإن فلسفة واستراتيجية العلاج يجب أن تنطلق من: أ- تعزيز دفاعات المناعة. ب- محاصرة آثار الفيروس.  - تعزيز المناعة، يتم عبر أساليب أساسية طبيعية، في مقدمتها التغذية السليمة، خضر وفواكه، أيًا كان نوعها، ويفضل المحتوية على فيتامين سي مثل؛ البرتقال واليوسفي، مع بروتين، وتجنب السكر والنشويات كليًا. - زيادة عدد ساعات النوم والراحة التامة. - بينما تكون زيادة المناعة كيميائيًا عبر فيتامين سي وزنك. - محاصرة آثار الفيروس: بمضاد حيوي يشمله البروتوكول المعلن من وزارة الصحة، ومضاد تجلطات، دواء سيولة يشمله البروتوكول، مع الاهتمام بتوازن يقاس بميزان حساس من الطبيب الماهر، بحيث لا يفرط في الأدوية بالحد الذي يخلق حملًا على المناعة، فيأتي بعكس ما يستهدف، لذا من المهم أن يذهب المُصاب لطبيب متخصص، ويعرض عليه أي تفاصيل خاصة بحالته وتاريخه المرضي، إذا كان يُعاني مشكلات صحية أخرى، وما يتناوله من علاجات. 

 

فهم طبيعة المشكلة الصحية، واستراتيجية العلاج المثلى، مهم جدًا للعلاج، لذا أتمنى أن يُعطي الأطباء من وقتهم دقائق لمنح المرضى توصيات، وشرح أهدافها وانعكاساتها على صحتهم، كما ينبغي أن يُضاعف الإعلام اهتمامه بقضايا التثقيف الصحي.

 

حمدًا لله الذي كتب لنا عبور تلك المحنة، لنعاود من جديد، حمل السلاح للقتال على جبهة كورونا، فالمعركة ما زالت مستمرة.. حفظ الله مصر والمصريين والإنسانية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز