عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

قضايا "خضراء" مثيرة للجدل طُرحت أمام قمة القارتين البيضاء والسمراء

انطلقت القمة الإفريقية - الأوروبية السادسة في بروكسل أول أمس في سباق مع الزمن لإيجاد صيغ توافقية وردود على تساؤلات وقضايا ساخنة ومثيرة للجدل ومحل اهتمام شعوب القارتين السوداء والبيضاء، ولعل أبرزها قضية "الطاقة" والتحول إلى المصادر صديقة البيئة، أو ما بات يعرف بـ"الطاقة الخضراء"، وهي أحد الأركان الخمسة للشراكة الإفريقية- الأوروبية التي أبرمها الجانبان لتعزيز التعاون بينهما في عام 2020.



 

 

وترى الباحثة البارزة في "معهد الدراسات الأمنية" في إفريقيا ISS، أيمي- نويل مبيوزو، أن مسألة الطاقة هي الركيزة المحورية لعملية التنمية والتحول إلى الاقتصادات الخضراء في القارة الإفريقية، التي تضمنتها نقاشات الزعماء والمسؤولين والخبراء المشاركين في القمة التي اختتمت أعمالها أمس الجمعة في بروكسل. فمن زاوية الطاقة في إفريقيا، يبدو المشهد مؤلماً وكئيباً، ويكفي معرفة أن 600 مليون مواطن إفريقي (44% من سكان إفريقيا)، ومعهم 10 ملايين شركة ومشروعا متوسطة الحجم، يفتقرون للقدرة على الوصول إلى تيار كهربائي، فضلاً عن ملايين الأسر والعائلات الإفريقية تعتمد على الفحم والأخشاب والكيروسين في الطهي. وهنا تشير الباحثة إلى أن تصاعد الطلب الراهن على الفحم والأخشاب لتلبية مثل تلك الاحتياجات يمحو ما يقدر بـ3 في المائة من مساحات غابات إفريقيا سنوياً.

 

 

وتبدي الباحثة مبيوزو تشككها في أن النقاشات التي تضمنتها القمة تجاوزت البون الشاسع بين القارتين فيما يتعلق بمسألة الطاقة والتحول إلى الطاقة النظيفة والخضراء في القارة الإفريقية، نظرا لتخوف القادة الأفارقة على ما يبدو من المقترحات الأوروبية التي طرحت من قبل وتشككهم فيما إذا كانت ستصب في مصلحة الشعوب الإفريقية.

فقد استبق الاتحاد الأوروبي انعقاد القمة بالإعلان في 10 فبراير الجاري عن خطة استثمار طموحة بـ 150 مليار يورو تستهدف التركيز على التحول إلى الطاقة النظيفة في إفريقيا، بما فيها توليد الطاقة من مصادر متجددة وحماية التنوع البيولوجي، بيد أن تفاصيل "خطة الطاقة الأوروبية" وتداعياتها على إفريقيا تبدو، من وجهة نظر الباحثة مبيوزو، "غامضة وقد تؤثر سلبياً على الكثير من دول القارة". وتقول باحثة "معهد الدراسات الأمنية" في إفريقيا ISS إن العلاقات بين أوروبا وإفريقيا في القضايا ذات الصلة بالمناخ عادة ما تكون "متوترة". كما أن هناك "تبايناً هائلاً" بين أوضاع الطاقة بين الدول الإفريقية؛ فبعضها مثل المغرب وموريشيوس وناميبيا، تعتمد على واردات الطاقة وتبدو تواقة لاستثمارات مصادر الطاقة المتجددة؛ ومن ثم فإن الدول ذات فرص استخدام مصادر الطاقة المتجددة والتي تفتقر لمستويات إمدادات الكهرباء بها سيكون بوسعها تحقيق طفرات في التخلي عن الكربون وأن تصبح نموذجاً يحتذى في مسألة تحديث الطاقة الخضراء وعمليات التصنيع منخفضة الكربون.

 

وفي المقابل هناك دول مصدرة للطاقة مثل موزمبيق وكينيا وتنزانيا وغانا وأوغندا والسنغال وكوت ديفوار، وكثير من تلك الدول تعتمد على صادرات الوقود الأحفوري وانخرطت أخيراً في استثمارات ستكون عرضة لأن تكون أصول مجمدة لا نفع لها. لذا فإن مقترحات التخلي عن أنواع الوقود الأحفوري دون وجود بدائل واضحة مثيرة للقلق بالنسبة لتلك الدول، وفقا للباحثة نويل مبيوزو.

 

وتقول الباحثة مبيوزو إن زعماء القارة الأفارقة لديهم الحق في الانزعاج والقلق بشأن بدائل صادرات الوقود الأحفوري إذا ما تخلى الشركاء الأوروبيين عنها في مسعاهم نحو الطاقة النظيفة والحياد. وقد اقترح الاتحاد الأوروبي آلية ضبط حدودية للكربون، وهو ما يعني فرض رسوم على سلع مستوردة معينة، وهو الأمر الذي سيلقي بتأثيرات سلبية على المصدرين الأفارقة. فإذا أقدم الأوربيون على تقليص تلك الواردات أو فرض حظر تجاري عليها دون إيجاد بدائل أو مساعدة الأفارقة على خلق مثلها، فإن ذلك بلا شك سيخلق فريقاً من الخاسرين الاقتصاديين داخل القارة.

 

وتنقل الباحثة انتقادات المراقبين الأفارقة، مبينة أن البعض يتهمون أوروبا بـ"ازدواجية المعايير"؛ إذ يشكل الوقود الأحفوري إلى حد بعيد معظم واردات الاتحاد الأوروبي من إفريقيا، كما أن أوروبا تقر بحاجتها إلى الاستمرار في الاستثمار في مشروعات الغاز الطبيعي المصدر إليها والمخصص لاستخداماتها، في وقت تتوقف فيه عن تمويل مشروعات الغاز الطبيعي المخصص للاستخدام في البلدان النامية.

 

وترى أن تنمية سلاسل جديدة للقيمة وللإمدادات من الطاقة النظيفة الخضراء بما يمكن الاقتصادات الإفريقية على النمو بمعدلات قوية، ينبغي أن توضع كأولوية بين بنود الشراكة الإفريقية الأوروبية، مبينة أن هناك بعض الكيانات الأوروبية تستشرف فرصاً لإنتاج الهيدروجين الأخضر في بلدان إفريقية باعتباره بديلاً لواردات الوقود الأحفوري التي تصدر إلى أوروبا، لكن إنتاج الهيدروجين نفسه كثيف استخدام الطاقة.

 

فإذا كانت الصادرات المخصصة لأوروبا يتطلب إنتاجها مصادر طاقة كثيفة في مناطق يقطنها سكان أفارقة محليون يفتقرون للطاقة أصلاً، فإنها ستكون غير مستدامة، إذ أنها ستفضي إلى توترات سياسية واجتماعية وربما تنقلب إلى نزاعات. وتؤكد الباحثة في هذا الإطار أن أي تقنيات منخفضة الطاقة يجري ابتكارها أو إيجادها لتلبية احتياجات الطاقة في أوروبا لابد أن تضيف قيمة لإفريقيا وتكون لصالح شعوبها.

 

وتشير الباحثة مبيوزو إلى أن هناك جدلاً واسع النطاق في إفريقيا حول استمرار القارة في استكشافات الغاز الطبيعي وتنمية آباره لتلبية احتياجاتها من الطاقة، خصوصاً في ظل القلق من أن مصادر الطاقة المتجددة غير كافية لدفع عمليات التصنيع بها. لذا فإن التوصية بأن يكون الجدل بشأن الغاز منصباً على إطار معين يوازن بين التقدم الاقتصادي للدول وعمليات التخلي عن الكربون.

 

وتؤكد أن بعض الدول الإفريقية قد تتأثر سلبياً بتداعيات خطة الطاقة الأوروبية، فالتحول نحو الطاقة الخضراء في أوروبا يعتمد على خامات أولية مثل الكوبالت والليثيوم والنيكل والنحاس، وإفريقيا غنية بمثل تلك المعادن (حوالي 60 في المائة من الكوبالت في العالم يأتي من جمهورية الكونغو الديمقراطية). لذلك ينبغي على الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي التأكيد على أن التنافس في استخراج مثل تلك الموارد الناضبة لا يتسبب في إذكاء الصراعات أو الإضرار بنظم الحكم في تلك المناطق.

 

تعتمد معظم البلدان الإفريقية بشكل مزمن على صادرات الخامات الأولية والموارد الطبيعية والمنتجات الأولية، ولا شك أن الدخول في عمليات التصنيع البيئية الخضراء تعد حيوية لتنويع الاقتصادات الإفريقية وتنميتها وتقلص من اعتمادها الكثيف على استخراج الموارد الطبيعية وأنواع الوقود الأحفوري، "وسيكون من المستحيل تحقيق ذلك بدون الوصول إلى الطاقة"، على حد تأكيد الباحثة التي أوصت بضرورة إعطاء الأولية للتحول إلى الاقتصاد الأخضر وأن يشكل ذلك أساس الحوار الأوروبي الإفريقي بشأن تحول الطاقة واستخداماتها، فضلا عن رسم خريطة بالرابحين والخاسرين اقتصاديا جراء التعاطي مع قضايا التغير المناخي، والعمل بصفة مشتركة على الاستثمار في استراتيجيات طويلة المدى لبناء القدرات والتمويل.

 

وجددت الباحثة الإشارة إلى مواطن التوتر بين أوروبا وإفريقيا في القضايا المتعلقة بالتغيرات المناخية، لافتة إلى أنها تعكس بصورة جلية تلك الخصومة الأزلية بين الدول المتقدمة والنامية التي يعززها الرأي السائد الذي يقول إن الدول الثرية لا تلقي بالاً بالمخاطر المناخية التي تتعرض لها البلدان الفقيرة رغم أنها لا تسهم في التغيرات المناخية إلا بنسبة ضئيلة تكاد لا تذكر إذا قورنت بنظيرتها الثرية.

 

كما أن الدول المتقدمة تتسبب في الحصة الأعظم في تلك التأثيرات المناخية الكارثية، بينما لا تخصص من الموارد إلا النزر البسيط للتعاطي مع مخاطرها. لذا، والحديث للباحثة، فإن التحول إلى الطاقة الخضراء في ظل ما هو مقترح حالياً، قد يضر بالتنمية في إفريقيا.

 

وتسوق الباحثة مثالاً على عمليات الشد والجذب بين الجانبين بما حدث أثناء "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي"، الذي استضافته مدينة جلاسجو الاسكتلندية العام الماضي، عندما جأرت الدول الإفريقية بالشكوى قائلة إن الدول الغنية فشلت في الوفاء بوعدها لزيادة تمويل المناخ بقيمة 100 مليون دولار، مؤكدة أن احتياجات إفريقيا لم تلب إلى حد بعيد، في وقت تعاني فيه القارة انكشافاً خطيراً أمام المخاطر المناخية مع افتقارها للاستثمارات اللازمة لمواجهة ذلك. وتدور تلك الإشكاليات بينما لم تبرأ القارة بعد من جائحة "كوفيد- 19" وتداعياتها.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز