عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

شهر رمضان في ذاكرة الشعر العربي القديم

رئيس قسم الأدب بجامعة الأزهر: تفنّن الشعراء في إبداع صور فنية مشرقة وضّاءة لشهر الصوم

 



تغنى شعراء العرب لشهر رمضان المبارك بابيات شعرية كثيرة متناثرة في كتب التراث ودواوين.

 

"  شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُذرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَان ... "  ( البقرة : 185 ) ،  "  أتاكم شهرُ رمضانَ ، شهرٌ مبارَكٌ ، فرض اللهُ عليكم صيامَه ، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ ، و تُغلَق فيه أبوابُ الجحيم ، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ " .

 

وقال الدكتور على مطاوع أستاذ ورئيس قسم الادب بجامعة الأزهر الشريف،  يهلّ على الأمة الإسلامية  على امتداد خارطة الوجد الإسلامي العالمي شهر رمضان ضيفًا كريمًا ،حاملًا معه صنوف الرحمات والتجليّات الربانية ، والنفحات والهبات والعطايا الإلهية – بعد انتظاره شهورًا عِدّة حتى يدور الزمان دورته ، ويأتينا  من جديد بأنواره ، وبركاته  ،وروحانياته ، وسكينته ، وتراويحه  ، ولياليه القرآنية،وحسبنا في ذلك أنه  شهر الفضائل والطاعات والنعم ، شهر تعظم فيه الحسنات ، وتكفر فيه السيئات ، وتُمحى الخطايا ، وتعمّ بركاته وأنواره هذا الكون الفسيح، فيجدّ المجدّون ، ويسهر المصلّون، وتحلو التوبة والرجوع إلي الله ، والاستغفار والتوسّل إليه طمعًا في الرضا ، والفوز بالجنة ، ولما لا ؟! وهو شهر الله  ، وسيّد الشهور كما قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم ) : " شهر رمضان شهر الله ، وشهر شعبان شهري " ، وقوله (صلّى الله عليه وسلّم ) : " سيّدُ الشهور رمضان ، وسيّد الأيام الجمعة " وقوله : " سيّد الشهور شهر رمضان ، وأعظمها حُرمةً ذو الحجة "  . 

  

واضاف مطاوع، تبلغ السعادة أقصى درجاتها ، بعد الصوم لرؤية الهلال والدخول المتجدد في طاعة الله ،والفوز برضاه وعفوه ومغفرته ، وصدق الحبيب المصطفى ( صلّى الله عليه وسلّم):  " مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ" ، وصدق شاعرنا مهندس القصيدة العربية في المعاصرة ثروت سليم  :  

      هلَّ الهِلالُ فمرحبًا رمضانُ *** والخيرُ فيك وشهرُكَ الإحسانُ  

    وبكَ الملائِكُ قد حملن بشائرًا *** وقد اختفى بقدومك الشيطـانُ

   وبِكَ السّماءُ تَزيّنَتْ ونُجُومُها   *** كَالدُّرِّ صَافحَ كـَفّهُ المَرْجَـانُ 

   وبِكَ الصّلاةُ رأيتُ في نفحاَتِها  *** ذِكْـرًا ، وفيـكَ تَـنَـزَّلَ القـرآنُ 

حقًّا : 

  هو رحمةٌ لِلنّاسِ عند هِلاله   ***  والبـدرُ عنـد بُلُوغِـه الغُـفْـرانُ .

 

    واشار رئيس قسم الأدب بجامعة الأزهر،  إلى ان البيان العربي حفل  بكثير من صور  الهَدْي النبوي  - مِمّن أشرنا لغيض من فيض منها آنفًا - والتي فجّرت طاقات الحب لهذا الشهر الفضيل في نفوس المسلمين ، حيث توالت صور البيان على اختلاف أجناسه الأدبية ، ومن أشهر هذه الصور وأخلدها بالوجدان المسلم ، تلك التي تغنّى فيها شعراء الأمة بشهر رمضان الكريم ، وهي كثيرة متناثرة في كتب التراث ودواوين. 

 

وأكد رئيس قسم الأدب بجامعة الأزهر ، ان الشعراء تفنّن في إبداع صور فنية مشرقة وضّاءة لشهر الصوم ، هذا الشهر الذي تبارى فيه شعراء الأمة قديمًا وحديثًا في وصفه بعناقيد البيان التي طرّزوها بجيد الفصاحة والبلاغة ، وألصقها بالوجدان ، وأوقعها بالنفس  . 

 

  وتابع مطاوع:  وفي هذه السطور نقف عند ثُلّة من شعراء العربية في القديم ، نستشرف صورة هذا الشهر الكريم في ذاكرة أشعارهم الماتعة ، وقد جرت عادتهم أن يرحبوا بهلال رمضان الذي يأذن بمجيء وبدء شهر الصوم ، ويتفنّنُوا في وصفه ويعدّوه أمارة خير وبشر ويمن وبركة ، ومن ذلك قول الشاعر الأندلسي عبد الجبار بن حمديس الصقلي الذي يشبّه هلال رمضان في نحافته بمحبوبته ، وما هذا إلّا لتزينه وتفرده في جماله عن أي شهر آخر ، كتفرّد وتميّز محبوبته عن غيرها : 

     قلتُ والناس يرقبون هـلالاً   ***  يشبه الصبّ من نحافة جسمهِ 

    من  يكن صائمًا فذا رمضانُ  *** خـطّ بالنـور للورى أول اسمهِ     

   

والبحتري ينتظر هلال رمضان على شوق ، فيذكر هلال شعبان حين أصبح قمرًا يؤذن بطلوع شهر رمضان ، فيقول : 

         قم نُبادرُ بها الصيام فقد  ***  أقمر ذاك الهلال من شعبان  

 

 واستكمل: ولا شكّ في أنّ المسلمين تسعد نفوسهم ، وتستبشر خيرًا برؤية هلال رمضان وقدومه ، ويهنئون بعضهم بعضًا ، على نحو ما رأينا في قول هبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك في التهنئة بقدوم شهر رمضان من قصيدة مشهورة : 

    تَهَنَّ بهذا الصوم يا خير صائر    ***    إلى كل ما يهوى ويا خير صائـمِ 

   ومن صام عن كل الفواحش عمره ***     فأهون شيءٍ هجره للمـطـاعـمِ

 

      وللأمير تميم بن المعز لدين الله يهنئ الخليفة العزيز بالله بقدوم شهر رمضان: 

         ليهنئك أن الصوم فرض مؤكد *** من الله مفروض على كل مسلم 

        وأنـك مـفـروض المحبة مثـله  ***  علينا بحق قـلـت لا بالتـوهم

 

 وقال أيضًا تميم يمدح الخليفة العزيز: 

     شهـر الصيام أجـل شهر مقبل  *** وبه يمحص كل ذنب مثقل

   وكذاك أنت أبر من وطئ الحصى *** وأجل أبناء النبي المرسـل 

وقال الصاحب بن عباد متحدثًا عن فضائل رمضان وحكمته : 

       قد تعدّوا على الصيام وقالوا *** حرم العبد فيه حسن العوائد 

      كذبوا في الصيام للمرء مهما *** كان مستيقظًا أتمّ الفـوائـد 

     موقـف بالنهـار غير مـريـب ***  واجتماعٌ بالليل عند المساجد 

 

    وما أجمل دقة تصوير الشاعر الأندلسي ابن الصبّاغ الجُذامي ، احتفالًا بمقدم هذا الضيف الكريم الذي يجب تعظيمه وتوقيره ، وإكرامه بإلزام قراءة القرآن ، كل ذلك جاش في وجدانه حينما لاح في الأفق هلال رمضان الذي قال فيه : 

     هذا هلالُ الصّومِ من رمضان *** بالأُفْقِ بانَ فلَا تكنْ بالوَانِي 

    وَافَاكَ ضيفًا فالْتَـزِمْ تعـظيـمَهُ  *** واجْعَلْ قِـرَاهُ قِرَاءَةَ الـقُـرآنِ

   صُمْهُ وصُنْهُ واغْتَنِمْ أيّامَهُ    ***  واجْبُرْ ذَمَا الضُّعَفَاءِ بالإحْسانِ.

 

وها هو ذا شاعر العربية يوجه بني الإسلام نحو فضائل  وسجايا هذا الشهر الكريم الذي يجمع الأمة على الهمم العظام ، ويدعوهم لقيام لياليه : 

     بَنِي الإسلامِ هذا خيرُ ضيفٍ  ***   إذا غَشِيَ الكرِيمُ ذُرى الكِرامِ

      يَلُمُّكُمُ على خيرِ السَّجايا     ***    ويجمعكُمْ على الهِمَمِ العِظامِ 

      فشُدُّوا فيهِ أيديكُمْ بعزمٍ      ***     كما شدَّ الكَمِيُّ على الحُسامِ

     وقُومُوا في لياليهِ الغوالي    ***    فما عاجـتْ عليكُم للـمُقـامِ.

 

       وفي شهر الصوم تصوم جوارح المسلم عن معصية الله ، فتصوم العين بغضها عمّا حرّم الله النظر إليه ، ويصوم اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة ، وتصوم الأذن عن الإصغاء إلي ما نهى الله عنه ، ويصوم البطن عن تناول الحرام ، وتصوم اليدُ عن إيذاء الناس ، والرِّجْلُ تصوم عن المشي إلي الفساد فوق الأرض ، وفي ذلك يقول الشاعرأبو بكر عطية  الأندلسي : 

   إذا لم يكن في السمع مني تصامم   *** وفي مقلتي غض ، وفي منطقي صمتُ 

  فحظّي إذن من صومي الجوع والظما *** وإن قلت : إني صمت يومًا فما صمتُ 

     ويقول الصّابي في الذي يصوم عن الطعام فقط ، ويدعو إلي التخلي عن العيوب

والآثام : 

          يا ذا الذي صام عن الطعام  *** ليتك صُمْت عن الظلم 

        هل ينفع الصوم امرؤ طالما  *** أحشاؤه ملأى من الإثم ؟ 

 

وهذا يذكرنا بقول البحتري الذي قال في مديح الخليفة المعتصم الذي صام عن الظلم والإثم ، وتمسّك بالبرّ في صيامه ، وبسنّة الله التي ارتضاها لعباده الصائمين ، فيقول : 

     بالبرّ صُمتَ وأنت أفضل صائم   ***  وبسنّة الله الرضيّة تفطر  .

 

ذلك أنه قد أُثر عن سيّد الخلق ( صلّى الله عليه وسلّم ) أنه كان إذا عاين طلعة رمضان البهيّة هتف بحبور دافق : " مرحبًا بالمطهر ! قالوا : يا رسول الله وما المطهر ؟ قال : مطهر من الذنوب والخطايا " .  

 

     فمرحبًا بك يا شهر الصيام ، ومرحبًا بك يا شهر الفضائل ، ويا شهر الطاعات ، ويا شهر صفاء الروح وانتصار إرادة المسلم ، وهنيئًا للمسلمين بك يا شهر التنزيلات ، ويا مغتسل التائبين ، ويا موسم المتّقين . 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز