عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
هذا جيشك يا بني.. فلنحيي الشهداء

هذا جيشك يا بني.. فلنحيي الشهداء

كما البشر، للدول تاريخ ميلاد ومراحل عمرية، تتخللها القوة والضعف، الانتصارات والانكسارات، لكن دائمًا مراحل قوتها مرهونة بقوة جيشها.



كما البشر، للدولة جسد، هو شعبها، تقوى إذا ما كان كالبنيان المرصوص، لها رأس قياداتها، عقلها حكومتها، أذرعها وأطرافها أجهزتها ومؤسساتها، بيد أن عمودها الفقري، الذي عليه ينتصب البنيان، ويستقيم هو جيشها، الذي يحمي حدودها وسيادتها واستقلالها.

يشهد التاريخ- الضارب بجذوره في عُمق البشرية لمسافة 7 آلاف عام- أن مصر أم الدنيا، منها أضاءت شمس الحضارة، عندما كان الكون يسبح في ظلمات الجهل والبداوة، بينما كانت مصر منذ العام 3200 قبل الميلاد، دولة حقيقية، بكل مقاييس الدولة العصرية التي استقر عليها العالم حديثًا.

كانت مصر دولة موحدة، ذات حدود معلومة، يحميها جيش، ويقيم على أراضيها شعب متجانس، يملك إرادة العيش المشترك، تمثله حكومة، ومؤسسات تبسط نفوذها على كامل أراضيها باستقلال سياسي تام.

تلك الدولة العظيمة، الأم قبل أن يعرف العالم ميلاد الأنظمة السياسية، كان لها جيش، يقوده الملك مينا، ذلك الحاكم والقائد العسكري الفذ، الذي تمكن من توحيد القطرين، فباتت مصر الموحدة التي نعرفها اليوم، وبات هو موحد القطرين، وملك التاجين، مؤسس أول وأعظم جيش نظامي في التاريخ.

بفضل جيش مصر، الذي أولته الأسرات الست الأولى، اهتمامها، استقرت الأوضاع في مصر، ونشأت الحضارة التي شهدت بناء الأهرامات، وأغلب الآثار والكنوز التي تُبهر العالم حتى يومنا هذا، يعجز الراسخون في العلم عن فك طلاسمها.

مصر القوية العفية بجيشها، ووحدة شعبها، استطاعت أن تحمي حدودها، وأن ترفع رايات النصر في قارات العالم، فقد وصل جيش مصر بلاد الشام، وبلاد بنط الصومال، وأوروبا وآسيا، حاميًا الحدود ومجالات الأمن القومي، قبل أن يعرف العالم ذلك المصطلح.

إحدى ثغراتنا الفكرية والتربوية، هي التقصير في دراسة التاريخ عامة، والتاريخ العسكري خاصة، فمنذ فجر التاريخ عاشت مصر أمة موحدة مستقلة ذات سيادة، لآلاف السنين، بفضل قوة جيشها وقدرة قيادتها على ردع العدائيات وحفظ أمنها وسلامة حدودها.

رفعت رايات النصر، في عهود أبطالنا، القادة مينا، وأحمس قاهر الهكسوس، وتحتمس الثالث بطل معركة ماجدو التي قهر فيها ملك قادش، وحافظ على قوة مصر، ورمسيس الثاني بطل معركة قادش، وبسماتيك الثالث قاهر قمبيز ملك الفرس، وصلاح الدين قاهر الحملات الاستعمارية التي اتخذت من الدين ستارًا، وابن طولون وبيبرس وقطز ومحمد علي باشا، وأنور السادات بطل تحرير سيناء قاهر الصهاينة، وصولًا إلى الصفحات التي يسطرها الأحفاد اليوم بحروف من نور في كتاب بطولات جيش مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في معركة تطهير سيناء من الإرهاب والتعمير في كل ربوع الوطن.

تلك المعركة الأخطر، التي استطاع فيها جيش مصر الحفاظ على الدولة المصرية، من هزات سياسية، ناتجة عن تسونامي 2011، الذي ضرب المنطقة العربية، فحطم دولًا لم تستطع جمع أشلاء مؤسساتها المبعثرة حتى اليوم، في حين حفظ الله مصر بكرمه ورعايته وقادة جيش مصر وجنوده المخلصين والثقة التي رسختها السنين بين الشعب وجيشه.

تحمّل الجيش أعباء الفترة الانتقالية منذ تنحي الرئيس الأسبق مبارك، وحتى الانتخابات الرئاسية، أخطر مراحل تاريخ مصر الحديث، بما شهدته من تهديدات لكيان الدولة، وتحديات سياسية وأمنية واقتصادية، قاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة سفينة الوطن، في محيط متلاطم الأمواج حتى رسا بها على بر الأمان.

ولم تمر أشهر، حتى بدأت التوترات ومؤامرات جماعة الإخوان الإرهابية، لأخونة الدولة وتغيير هويتها الوطنية، على النحو الذي عايشناه، وذكر به مؤخرًا مسلسل "الاختيار 3"، بما تضمنه من تسريبات وثائقية بالصوت والصورة لقيادات مكتب إرشاد الجماعة، الذي حوّل الرئيس الأسبق مرسي لأداة لتحقيق مخططات التنظيم.

أحد أخطر تلك المخططات، كانت اختراق الجيش والمؤسسات الأمنية، لتحويلها إلى أدوات تعزز من قدرة التنظيم على ابتلاع الدولة، وبسط نفوذهم بقمع الشعب الرافض لمخططات الأخونة، إلا أنه خاب ظنهم، ووجدوا في جيش مصر رجالًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وفي المؤسسات رجالًا مستعدين لفداء وطنهم بأرواحهم.

فكان سبيل تنظيم الإخوان الإرهابي وداعميهم ومن يحركونهم من دول وأجهزة معادية، لتحقيق أهدافهم، حشد الإرهابيين وتسليحهم وجلب الدعم لهم من صفوف التنظيم وخارج البلاد، في محاولة يائسة لإثارة العنف والتدمير والتخريب، لبسط نفوذهم على الشعب بالإرهاب وقوة السلاح.

وللمرة الثانية خاب ظنهم، فلا يُقهر شعب يملك جيشًا، لا ولاء له لغير الله والوطن والشعب، جيش نسيجه من خيوط الشعب، لا يعرف المذهبية ولا الطائفية، ولا الولاءات السياسية الحزبية، فإذا ما انتفضت ملايين الشعب ثائرة في 30 يونيو تهتف بسقوط حكم المرشد، كان الجيش حاميًا للإرادة الشعبية، معلنًا بلسان وطني مُبين، لقائده، أن اليد التي تمتد بأذى للشعب ستقطع، وأن جيش مصر مستعد لتلقي رصاصات الغدر في صدور رجاله حماية للشعب.

وانتصرت الإرادة الشعبية، وبدأت ملحمة وطنية جديدة، سطر فيها الأحفاد صفحات من نور تُضاف لكتاب البطولات التي سطرها الأجداد الأوائل منذ عهد مينا وأحمس، مرورًا بانتصار أكتوبر المجيد معركة التحرير، وصولًا إلى معركة التطهير من فلول الإرهاب بالتزامن مع البناء والتعمير.

ومثل كل المعارك، لا تخلو من شهداء، لكن أرواحهم تصعد فداءً للوطن، وتحقيقًا للنصر، لتستمر مصر آمنة مستقرة مستقلة، تنعم على أبنائها بخيرها جيلًا بعد جيل، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

مصر التي ذكرها الله في القرآن والتوراة والإنجيل، صراحة دون غيرها من الدول، وتجلى سبحانه في سيناء، لنبيه موسى، اختصها الله دون غيرها من الكون، محفوظة بأمر الله وبأبنائها المخلصين.

فقدت مصر من الشهداء في معركة مكافحة الإرهاب للتطهير  والبناء، 3288 شهيدًا منذ 30 يونيو 2013، وحتى المواجهة البطولية لأبطالنا لإحباط محاولة مجموعة إرهابية تفجير نقطة رفع مياه غرب سيناء، تلك المواجهة التي استشهد فيها ضابط و10 جنود، ارتقوا بإذن الله شهداء أحياء عند ربهم يرزقون، تضحيات جديدة ليحيا هذا الوطن آمنًا مستقرًا.

في كل معارك الجيش المصري التي خاضها الأجداد كانت الحروب نظامية، والأعداء جيوشًا معلومين، فكان النصر حليف مصر، وإن حدثت انتكاسات يعاود الجيش جولاته فيحقق الانتصارات، ولعل 6 أكتوبر 1973 نموذج لانتصارات جيش مصر في العصر الحديث التي تُدرّس حتى اليوم في كبريات الأكاديميات العسكرية.

بيد أن الحرب الأشرس والأخطر، هي تلك التي يواجه فيها أبطالنا، إرهابيين كالجرذان، والأفاعي، يختبئون في جحورهم، لانتهاز الفرصة لتوجيه اللدغات، خطورة المعركة تكمن في كونهم يختبئون وسط المدنيين، والجيش الشريف يأبى أن تصيب شظايا قذائفه أبرياء، فيدقق ويطيل أمد المعركة، حفاظًا على أرواح الأبرياء حتى يصطاد الخبثاء.

ما حدث بالأمس من عمل إرهابي غادر، دليل على أن الإرهاب يلتقط أنفاسه الأخيرة، فقد وجهّت لأفكارهم ومخططاتهم وأذرعهم الإعلامية صفعات مدوية، بأسلحة بناء الوعي، التي كانت أقوى قذائفها الناعمة مسلسل "الاختيار"، وذروته الجزء الثالث منه، بما فضح مظلوميتهم الكاذبة، وما كشفه من وثائق وآرائهم المخادعة لأقرب حلفائهم.

والصفعة الأقوى ما يحدث على أرض سيناء من تنمية وتعمير، تنهار أمامها كل طموحاتهم الخبيثة في تحويل تلك الأرض الطاهرة إلى أوكار وساحات للتخريب والتدمير، سيناء تُعمر، ومحطة بحر البقر الأكبر عالميًا في إعادة تدوير مياه الصرف، تنقل مياهها لسيناء لتعمير 500 ألف فدان، ومحطات المياه العذبة تضاعف طاقاتها لتتوالد مجتمعات عمرانية جديدة تحمل الخير لمصر.

لذلك سعى الإرهابيون لمحاولة تدمير نقطة رفع مياه، سعوا لتدمير التنمية، وقطع شريان الحياة، سعوا لمنع الحرث، والنماء، هؤلاء المتاجرون بالدين لا يريدون حرثًا ولا زرعًا، ولا نماء، إنهم يريدون السلطة، يخدعون الجهلاء باسم الدين، والإسلام منهم براء، لكنهم وجدوا رجالًا أشداء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، أحبطوا مخططاتهم، فدوا مصر بأرواحهم.

وما زالت البطولات تُكتب، بحروف من نور، لا يزال جيش مصر على الجبهة يقاتل وإنا بإذن الله لمُنتصرون، وإذا كان الجنود البواسل على الجبهة يقاتلون بأرواحهم، يضحون من أجل الوطن وأمنك، فتذكر يا بني أنك أيضًا جندي على جبهة الوعي، دورك الانتباه لخطر الشائعات وما يُثار لإحباط عزيمتك.

يا بني تلك الجرائم الإرهابية الغادرة، تستهدف النيل من عزيمة الوطن، ومحاولات يائسة لتعطيل جهود التنمية، والمواجهة المثلى تقتضي توحيد الصف الوطني، ومواصلة البناء والتعمير، بالتوازي مع مواصلة جهود التطهير من فلول الإرهاب ومموليهم وداعميهم.

ممولوهم وداعموهم لا يتوانون في استخدام أحقر الأساليب، وبالأمس القريب اخترقوا إلكترونيًا منصات إعلامية لبث أخبار كاذبة وشائعات عن قيادات مصرية، وكل لحظة يمارسون بث شائعاتهم لتفتيت وحدة الشعب وبث الفتن، وروح اليأس، ودور كل مواطن شريف القتال على جبهات الوعي، في وقت يبذل فيه أبطالنا الدماء.

فلنحيي الشهداء، ولا يزيدنا ألم الفقد والفراق إلا صلابة ووعيًا ودعمًا لوطننا ومؤسساته في حربنا المقدسة، لاقتلاع جذور الإرهاب.

لشعبنا العظيم وقواتنا المسلحة قيادات وجنود، ولأسر الشهداء وذويهم ومحبيهم، خالص العزاء، تغمد الله شهداءنا منذ فجر التاريخ وإلى يومنا هذا برحمته وأسكنهم فسيح جناته، وألحقنا بهم في الصالحين، على الإيمان بالله والوطن قابضين.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز