عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

بالانفوجراف.. عملاق مالي يزحف بهدوء ويسيطر على العالم

العولمة
العولمة

أكد "انفو جراف" أعده مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري، أن العولمة أخذت أشكالًا جديدة، ولم تعد على حالها عندما تقدمت في ثمانينيات القرن العشرين في تدفقات التجارة العالمية.



 

انفوجراف1
 

 

وقال مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": تقدمت العولمة منذ الثمانينيات عبر زيادة تدفقات التجارة العالمية، لكنها تنتشر حديثًا عبر تدفقات البيانات والمعلومات المتزايدة باستمرار. 

 

ولا مفر من النمو في التجارة الرقمية والاقتصاد الرقمي، ووجدت دراسة للمفوضية الأوروبية أن سوقًا واحدة للاقتصاد الرقمي دون قيود تنظيمية قد تدعم الاقتصاد الأوروبي بأكثر من 500 مليار دولار سنويًّا.

ويُتوقع أن يعتمد نحو 70% من القيمة الجديدة في الاقتصاد خلال العقد القادم على نماذج أعمال منصات مدعومة رقميًّا.

 

المواطنة الرقمية وتشكيل الوعي السياسي لدى الشباب

 

انفوجراف2
 

 

من ناحية أخرى، وفي إطار حرص الدولة المصرية على الاهتمام بالرقمنة، أعدت الدكتورة "علياء سرايا" دراسة تحت "المواطنة الرقمية وتشكيل الوعي السياسي لدى الشباب"، ونشرتها في الإصدار نصف الشهري لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.

 

حَظِي مفهوم المواطنة بالاهتمام من قِبل العديد من العلماء في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، وبصفة خاصة: القانون وعلم الاجتماع والأنثروبولوجي والتاريخ والفلسفة وعلم السياسة، كما تبنّى كل منهم اقترابًا مختلفًا لتحليله.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن القانون يركز على كل من شروط التمتع بصفة المواطنة والحقوق والواجبات المرتبطة بها.

 

كما يؤكد كلٌّ من علم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجي أهمية دراسة المواطنة باعتبارها علاقة اجتماعية وشكلًا من أشكال الانتماء إلى جماعة سياسية وتأكيد مسألة الهوية.

 

أما التاريخ فيتتبع عملية تشكيل المواطنة باختلاف الزمان والمكان.

 

يركز علم السياسة ليس على تحليل هذا المفهوم وما يثيره من تساؤلات نظرية وفلسفية فقط، إنما على عملية بناء المواطنة وممارستها أيضًا.

وانطلاقًا من ذلك، يمكن القول إن المواطنة نشأت كمفهوم وكممارسة في سياق الديمقراطية المباشرة في أثينا أثناء العصور القديمة، وشهدت تطورات مختلفة عبر العصور. ففي الوقت الذي ناقش فيه عدد من المفكرين والمنظرين السياسيين المفهوم، وبلوروا رؤى متباينة حوله، أخذت المواطنة في الواقع أشكالًا مختلفة خلال العصور الحديثة.

 

 

وفي هذا الصدد، بدأ الحديث منذ أواخر القرن العشرين عن "المواطنة الرقمية" في ظل تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال.

 

 

وتسعى هذه الورقة إلى تحليل ماهية "المواطنة الرقمية"، كما تناقش علاقتها بتشكيل الوعي السياسي للشباب، وكيفية تدعيمها، وتنقسم بالتالي إلى ثلاثة أقسام: يتناول القسم الأول المواطنة الرقمية وذلك باعتبارها شكلًا جديدًا من أشكال المواطنة. أما القسم الثاني فيحلل علاقة الإنترنت بالوعي السياسي للشباب وبممارسة المواطنة. ويركز القسم الثالث على سياسات تدعيم المواطنة الرقمية.  

 

أولًا: المواطنة الرقمية كشكل جديد من أشكال المواطنة  

 

يأخذ مفهوم المواطنة معاني متعددة، ولكن يمكن التمييز بين خمسة اتجاهات "6"، برزت في أدبيات ركزت على تعريفه وتحليله. فالمواطنة، وفقًا للاتجاه الأول، هي بالأساس وضع قانوني وتعبير عن الانتماء إلى جماعة سياسية معينة. وتشير المواطنة، وفقًا للاتجاه الثاني، إلى مجموعة من الحقوق التي تميز عضو الجماعة السياسية، والذي يمكنه بالتالي المطالبة بها.

 

في المقابل، أكد الاتجاه الثالث أن المواطنة تتضمن مجموعة من الواجبات ينبغي على أعضاء الجماعة السياسية القيام بها. ويَعتبِر الاتجاه الرابع أن المشاركة في الحياة السياسية هي جوهر المواطنة. أما الاتجاه الخامس، فقد عَرَّفَ المواطنة باعتبارها سلوكًا مدنيًّا وتعبيرًا عن قيم معنوية.

 

ويمكن الاستناد إلى هذه العناصر المختلفة التي يشملها مفهوم المواطنة، والتي حددتها هذه الاتجاهات، أي الوضع القانوني، والحقوق، والواجبات، والمشاركة في الحياة السياسية والقيم المعنوية، لفهم أبعاد هذا المفهوم وتطوره في سياقات مختلفة.

 

نشأت المواطنة في أثينا في العصور القديمة في سياق الإصلاحات التي أدخلها "كليستان" "Clisthène" "7"؛ حيث تم الاعتراف لفئة معينة من الأفراد أي "المواطنين" بحق المشاركة في الحياة السياسية. فقد كانت هناك معايير معينة للتمتع بصفة المواطنة الأثينية، وهي أن يكون الفرد ذكرًا، حرًّا، أثيني الجنسية، وبالغًا سن الرشد. لكن أخذت المواطنة في ظل الإمبراطورية الرومانية طابعًا قانونيًّا وليس اجتماعيًّا؛ حيث أصبحت تشير إلى وضع قانوني يعطي لصاحبه مجموعة من الحقوق، في مقابل القيام بالواجبات.

 

 

كما كانت بالتالي أكثر اتساعًا من المواطنة الأثينية؛ حيث سمح الرومان للنخبة في المناطق التي تم ضمها، ثم للرجال الأحرار فيها بالتمتع بها؛ وذلك لمواجهة التوترات التي كانت تضعف الإمبراطورية.

 

ويعد أرسطو من أبرز مفكري العصور القديمة الذين اهتموا بتحليل مفهوم المواطنة. ويُلاحظ أن المواطنة تراجعت على مستوى الفكر السياسي والممارسة، نتيجة اختفاء التجارب الديمقراطية في العصور الوسطى، لكن أسهم كل من تشكيل الدولة القومية في أوروبا.

 

إرساء حكم القانون

 

في عودة الاهتمام تدريجيًّا بها منذ عصر النهضة. في هذا الصدد، برزت نقاشات حول حدود السلطة السياسية، والمشاركة في الحياة السياسية. كما أدى ظهور نظريات العقد الاجتماعي ثم انتشارها إلى بروز اتجاهين فكريين في نهاية القرن الثامن عشر، وهما الاتجاه التعددي، الذي انطلق من فكر "لوك" "Locke"، والاتجاه العالمي، الذي انطلق من فكر "روسو.

 

 

"Rousseau"

 

ويُلاحظ أن المواطنة الحديثة تتضمن عنصر المشاركة في الحياة السياسية كنظيرتها القديمة، لكنها تؤكد حرص المواطن على تحقيق الصالح العام.

 

 

كما ظهرت منذ القرن العشرين أشكالًا جديدة من المواطنة لا ترتبط بالضرورة بالدولة.

 

 

وفي هذا الصدد، ناقش كل من "هابرمس" "Habermas"، و"فيري" "Ferry" "مواطنة ما بعد الدولة"، وبصفة خاصة المواطنة في سياق الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى ذلك، أثارت مسألة مدى تشكل "مواطنة عالمية" تساؤلات في الوقت الذي بدأ فيه الحديث عن "المواطنة الجزئية والمؤقتة" "15"، التي تُمنَح للأجانب، وتسمح لهم بالمشاركة على المستوى المحلي.

 

 

وطُرِح أيضًا مصطلح "المواطنة المتشكلة" "16" للإشارة إلى المواطنة التي ترتبط بتجمعات معينة، مثل: الجمعيات الأهلية، والحركات الاجتماعية، وتظهر بهدف الدفاع عن قضية معينة تتعلق بالصالح العام ثم تختفي.

 

 

كما برزت "المواطنة الرقمية" كأحد الأشكال الجديدة للمواطنة، وبصفة خاصة مع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال وفي سياق العولمة. وعلى الرغم من أن هذا المصطلح يشير بالأساس إلى أن ممارسة المواطنة في الوقت المعاصر أصبحت تستند إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصال، فقد شهد تطورًا في معناه؛ حيث تم الانتقال من الاكتفاء بتأكيد استخدام هذه التكنولوجيا إلى أهمية اتباع مستخدميها سلوكًا آمنًا ومسؤولًا.

 

وانطلاقًا من ذلك، يمكن القول إن المواطن الرقمي، بالرغم من تعدد تعريفاته، هو الذي "يستخدم بانتظام هذه التكنولوجيا من أجل المشاركة في قضايا المجتمع، ويمتلك مهارات ومعرفة للتواصل بفاعلية مع الآخرين، كما أنه ينتج ويستهلك مضامين رقمية تتعلق بالمواطنة"، ومن المهم أن يتم هذا الاستخدام بشكل آمن مع التمسك بالأخلاقيات.  

 

لكن يلاحظ أن تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال أثار معضلة تتعلق بمدى إمكانية اعتبار الإنترنت أداة لتعزيز مشاركة المواطنين. هذه المعضلة يترتب عليها بالتالي نقاش حول مدى تراجع المواطنة في الوقت المعاصر بصفة عامة، أو بالعكس مدى تدعيمها. كما انعكس هذا التطور على مفاهيم أخرى مرتبطة بالمواطنة، مثل: الحكومة الديمقراطية، وفتح المجال ليس لإعطائهم أبعادًا جديدة فقط، وإنما للنقاش حول علاقة المواطن بالسلطة السياسية أيضًا. 

 

في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن هذه العلاقة تختلف في حالة "الحكومة الرقمية" عن حالة "الحوكمة الرقمية"، أي تختلف من علاقة استفادة من الخدمات، عن علاقة شراكة في صنع السياسات؛ ففي الواقع، تُعرَّف "الحكومة الرقمية" بالتفاعلات التي تتم بين ممثلي الحكومة والمواطنين، والتي تتعلق بتبادل المعلومات الخاصة بالمسائل الإدارية والخدمات إلكترونيًّا بين الطرفين، بينما تشير "الحوكمة الإلكترونية" إلى التفاعلات التي يمكن أن تشكل مصدرًا للسياسات. هذا وقد برز أيضًا في السياق نفسه مصطلح "الديمقراطية الرقمية"، نظرًا لنشأة المواطنة وازدهارها عبر العصور في سياق ديمقراطي.

 

وتشير "الديمقراطية الرقمية" إلى تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصال على الممارسات السياسية في الديمقراطيات .

 

ففي الواقع، تتيح هذه التكنولوجيا ليس فقط إمكانية تنظيم منتديات للنقاش، وإجراء استطلاعات للرأي، وتصويت إلكتروني، إنما تتيح أيضًا إمكانية إرسال الشكاوى. ومن هنا يتضح ارتباطها بممارسة بعدين مهمين للمواطنة الحديثة، وهما: المشاركة والاحتجاج.  ثانيًا: علاقة الإنترنت بالوعي السياسي للشباب وبممارسة المواطنة.  

ركزت بعض الأدبيات الخاصة بالمواطنة على الشباب، باعتبارهم أساس المجتمع ومستقبله؛ حيث يتميزون بالنشاط والطاقة، ويلعبون بالتالي دورًا أساسيًّا في النهوض به، وانشغلت بالتالي بتعريف "المواطن الصالح" "Good citizen".

 

وعلى الرغم من اختلاف هذه الأدبيات في تحديد سماته، فقد أكدت أن القدرة على تخطي المصالح الفردية والالتزام بالعمل على تحقيق صالح الجماعة الكبرى التي ينتمي إليها، هي سمة جوهرية له.

 

 

هذا يعني أن "المواطن الشاب الصالح" لا يكتفي بالتمتع بالحقوق المكرَّسة لكل المواطنين، إنما يؤدي واجباته، ويشارك في الحياة السياسية، متمسكًا بالقيم المعنوية الخاصة بالجماعة السياسية التي ينتمي إليها.

 

"فالمواطن الشاب الصالح" هو الذي يهتم بممارسة كل أبعاد مواطنته بصفة عامة، والمواطنة الرقمية في ظل تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال بصفة خاصة.

 

 

لكن ممارسة الشباب مواطنتهم كغيرهم من المواطنين من الفئات العمرية الكبرى، تتطلب وعيًا سياسيًّا، لأن هذا الأخير يسمح لهم بمعرفة الواقع ومشكلاته وتحدياته، من أجل السعي إلى تحقيق الصالح العام.

 

يتعلق الوعي السياسي، كما اتفق معظم الكُتَّاب بالأساس، باكتساب معرفة بالأمور السياسية، ويمكن القول إن هذا المفهوم يُعبِّر عن مدى اهتمام الفرد بالسياسة، وبفهم المعلومات المتعلقة بها؛ ما يعني أنه يختلف من فرد إلى آخر. ويُستخدَم أيضًا مفهوم "الوعي السياسي" للإشارة إلى معرفة المواطن بحقوقه السياسية وواجباته، والأحداث المختلفة وفهمها، كما يتعلق باكتساب معلومات عن النظام السياسي والسلطة السياسية وإمكانية تقييمها.

 

ويُلاحَظ أن مستوى الوعي السياسي يتوقف على مدى الرغبة في متابعة الأخبار السياسية وفهمها، والقدرة على الاحتفاظ بها، وتنظيمها.

 

وهناك مصادر مختلفة للوعي السياسي للشباب، ويعد الإنترنت إحدى أدوات تشكيله، وذلك مع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال، في عصر المواطن الرقمي. وفي هذا الصدد، يتميز الإنترنت– الذي يوفر للشباب المعلومات بصفة عامة والمعلومات السياسية اللازمة لممارسة مواطنتهم بصفة خاصة- بعدة خصائص:

 

تعد أولًا تكلفة نشر المعلومات وتخزينها إلكترونيًّا منخفضة نسبيًّا، مقارنة بالصحف المطبوعة على سبيل المثال، ويترتب على ذلك إتاحة الإنترنت لِكَمٍّ كبير من المعلومات السياسية للمواطنين. وثانيًا يستطيع المواطنون الوصول بشكل مباشر للمصادر الأولية للمعلومات من خلال استخدامهم للإنترنت، أي الحصول على النصوص الأصلية والكاملة المتاحة، مثل: نصوص الخطابات، والقوانين، والإعلانات، والاتفاقيات، وذلك دون تدخل أي وسطاء يعرضون المعلومات المتاحة فيها وفقًا لمنظورهم. ثالثًا يفتح الإنترنت للمواطنين المجال واسعًا للبحث عن معلومات معينة يرغبون في الحصول عليها، وفقًا لأوضاعهم وتساؤلاتهم. وأخيرًا، تتعدد وتتنوع الجهات التي تنشر المعلومات إلكترونيًّا؛ مما يسمح للمواطن بالاطلاع على وجهات نظر مختلفة بخصوص القضية نفسها.

 

 

ويُلاحظ أن هذه الجهات لا تقتصر على الهيئات الحكومية فحسب، إنما تشمل أيضًا مؤسسات غير حكومية.

ويتيح الإنترنت، بخصائصه الأربع السابقة، المعرفة السياسية للشباب التي يستندون إليها لممارسة مواطنتهم، سواء في المجال العام الواقعي أو في المجال العام الافتراضي الذي يخلقه. فالإنترنت لا يلغي المجال العام الواقعي، إنما يوفر إطارًا جديدًا ليس للمشاركة السياسية فقط، وإنما لممارسة حقوق مدنية وسياسية أيضًا، مثل: حرية الفكر وحرية الرأي والتعبير. وبالتالي، يمكن القول إن الشباب يستطيعون استخدام الإنترنت لممارسة مواطنتهم الرقمية بأكثر من شكل.  

 

يسمح الإنترنت، في المقام الأول، ببروز نقاش سياسي إلكترونيًّا، سواء من خلال الرسائل الشخصية والحسابات الشخصية الإلكترونية على التطبيقات المختلفة، أو في ظل منتديات النقاش حول القضايا السياسية. وبهذا الشكل، يستطيع المواطنون، بجانب التعبير عن آرائهم إلكترونيًّا، تبادل وجهات النظر المختلفة بخصوص قضية مثارة مثلًا.

 

 

 

كما يمكن، في المقام الثاني، أن يقوم المواطنون بالتصويت إلكترونيًّا في حالة قيام السلطة السياسية بتنظيم الانتخابات وإتاحة التصويت الإلكتروني. هذا ويتيح الإنترنت، في المقام الثالث، للمواطنين المشاركة في استطلاعات الرأي بخصوص قضايا سياسية، والتي يمكن أن تنظمها جهات حكومية أو غير حكومية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمواطنين، في المقام الرابع، استخدام الإنترنت ليس لإرسال شكاوى لجهات مختلفة فقط، وإنما أيضًا للتوقيع على بيانات صادرة من منظمات المجتمع المدني، كما أصبح الإنترنت أداة للتعبئة السياسية.

 

 

ويلاحظ أن ممارسة الشباب لمواطنتهم الرقمية، والتي يسهلها الإنترنت، تأتي إما بمبادرة منهم أو تلبية لدعوة نابعة من نظائرهم، أو من جهات حكومية أو غير حكومية، لكن يمكن القول إنه إذا كانت ممارسة الشباب لمواطنتهم الرقمية تتطلب تمتعهم بوعي سياسي، فإن هذا الأخير قد يتشكل أيضًا من خلال ممارسة فاعلين آخرين لمواطنتهم الرقمية. هذا يعني أن هناك علاقة متبادلة بين ممارسة المواطنة الرقمية وتشكيل الوعي السياسي للشباب.

 

فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكتسب الشباب معرفة سياسية من الأفكار والآراء التي يُعبِّر عنها المواطنون الآخرون إلكترونيًّا، سواء على حساباتهم الشخصية على التطبيقات الإلكترونية المختلفة، أو في الصحف الإلكترونية، أو في منتديات النقاش حول القضايا السياسية التي تُنظَّم على الإنترنت؛ فممارسة بعض المواطنين لحقهم في حرية الفكر والرأي والتعبير إلكترونيًّا، يمكن اعتبارها مصدرًا من مصادر تشكيل الوعي السياسي للشباب. 

وتجدر الإشارة إلى أن هناك دراسات أكدت في تحليلها للوعي السياسي للشباب العلاقة الطردية بين مستوى الوعي السياسي ومدى المشاركة السياسية، أي أن تمتع الشباب بمستوى مرتفع من الوعي السياسي يؤدي إلى زيادة مشاركتهم السياسية. لكن في المقابل، شددت دراسات أخرى على أن الوعي السياسي المرتفع لا يترتب عليه بالضرورة مشاركة في الحياة السياسية، أي أنه ليس العامل الوحيد، كما أنه قد يكون هناك "حواجز" تحول دون ذلك.

 

 

فالمواطن الرقمي الذي يتميز بمستوى مرتفع من الوعي السياسي هو الذي لا يدرك فقط فرص الانخراط في الحياة السياسية، إنما يدرك أيضًا مخاطرها وقيودها.

 

من هنا يمكن القول إنه إذا كانت ممارسة المواطنة الرقمية تتطلب وعيًا سياسيًّا، فإن هذا الأخير لا يترتب عليه بالضرورة ممارستها.

 

 

فالإنترنت يوفر للشباب المعرفة السياسية، وإطارًا جديدًا للمشاركة السياسية، وممارسة حقوقهم، أي أنه يسهل ممارستهم للمواطنة الرقمية، دون أن يؤدي بالضرورة إليها.

 

سياسات تدعيم المواطنة الرقمية

 

إذا كان الشباب، كغيرهم من المواطنين، يتمتعون في ظل تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال بمواطنة رقمية، فإن ممارسة هذه الأخيرة تتطلب أن يتم وضع وتنفيذ سياسات تدعمها. وفي هذا الصدد، يمكن النظر إلى هذه السياسات باعتبارها عنصرًا أساسيًّا في تحليل المواطنة الرقمية؛ نظرًا لأنها تسمح بتحقيق العناصر الأخرى المرتبطة بها، والتي تتمثل في حقوق المواطن والقضايا المتعلقة بها، مثل: حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، والمشاركة، وإمكانية استخدام تكنولوجيا الاتصال، وبصفة خاصة الإنترنت، والتمتع بمهارات لاستخدام هذه التكنولوجيا بانتظام أو بشكل يومي. 

 

من المهم أن تكون السياسات التي تدعم المواطنة مبنية على احترام حقوق الإنسان Human rights based approach، وليس على العمل الخيري Charity approach، أو الاحتياجات Needs approach. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاقتراب اعتمدته "اليونيسف" "UNICEF" فيما يتعلق بالأطفال في سنة 1997، كما اعتمدته الأمم المتحدة فيما يتعلق بالتنمية في سنة 2003.

ويختلف الاقتراب المبني على حقوق الإنسان، بالأساس في تأكيده للتمتع الفعلي بالحقوق، وليس للعمل الخيري، أو لتلبية احتياجات. كما أنه يَعتبِر حقوق الأفراد والجماعات بمثابة مطالب يقع على المسؤولين، معنويًّا وقانونيًّا، واجب الوفاء بها، وبالتالي لا يَعتبِر الاحتياجات مطالب، وبالإضافة إلى ذلك، يستطيع الأفراد والجماعات، وفقًا لهذا الاقتراب، المطالبة بحقوقهم، أي أنهم ليسوا مجرد ضحايا أو فئات تستدعي أوضاعها التدخل من أجل تحسينها. هذا ويتطلب تطبيق الاقتراب المبني على حقوق الإنسان احترام عدة مبادئ، لا تتمثل في المشاركة والإدماج فقط، وإنما أيضًا في المساواة، وعدم التمييز، وتطبيق مبدأ المساءلة.

  

انطلاقًا من ذلك، يمكن الحديث عن نوعين من السياسات التي من المهم أن تكون مبنية على حقوق الإنسان لتدعيم المواطنة الرقمية، وهما: السياسات التعليمية، والسياسات التكنولوجية. بالنسبة للسياسات التعليمية، فيُلاحَظ أن الدراسات أكدت أهمية التعليم للمواطنة، وذلك قبل ظهور المواطنة الرقمية. ويمكن القول إن هذا التعليم يركز بالأساس على القيم، والحقوق، والتربية المدنية، والمعرفة السياسية، والديمقراطية، والمسؤولية.

 

لكن تقتضي المواطنة الرقمية، بالإضافة إلى ذلك، تعليم مهارات وأخلاقيات معينة؛ فالمهارات تتعلق بالأساس بإمكانية استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال، والحصول على المعلومات وتصفيتها وتقييمها، وكيفية القيام بالبرمجة وإنتاج مضامين رقمية ومشاركتها، بالإضافة إلى كيفية التعامل مع المعلومات والمضامين الرقمية وحمايتها.

 

أما الأخلاقيات، فتتعلق باتباع سلوكيات تتضمن احترام الآخرين، والتسامح، أي تقبل الاختلاف، وعدم انتهاك حقوقهم، مثل: حرية الفكر والرأي والتعبير والملكية الفكرية.  

 

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي أكد في توصياته الصادرة في سنة 2018، والمتعلقة بالمهارات الأساسية التي من المهم أن يركز عليها "التعليم مدى الحياة"، أن المهارة الرقمية تتعلق باستخدام التكنولوجيا، والتعامل معها بثقة وبشكل نقدي ومسؤول من أجل التعلم والعمل والمشاركة في المجتمع.

كما يمكن القول إن أهمية الدراسات الميدانية الخاصة بتعليم المواطنة الرقمية تكمن في إبراز التحديات التي تواجه هذه العملية في سياقات معينة، والتي تتطلب السعي من أجل التغلب عليها حتى يمكن تدعيم المواطنة الرقمية. هذا وقد توصلت إحدى الدراسات الصادرة في سنة 2019، والتي ركزت على الحالة اللبنانية، إلى أن التعليم المستدام والتدريب المرتبط بالمواطنة الرقمية في المدارس الحكومية يواجه تحديات ليست سياسية واجتماعية واقتصادية فقط، وإنما نابعة أيضًا من نظام التعليم ذاته.

 

 

وترتبط السياسات التعليمية الخاصة بتدعيم المواطنة الرقمية بالسياسات التكنولوجية، ويمكن القول إن هذه الأخيرة تتعلق بإتاحة الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وجعل استخدامها آمنًا. وفي هذا الصدد، تشير الدراسات إلى أن تطور تكنولوجيا المعلومات والاتـصـالات صـاحـبـه ظـهـور ما سُـمي "الانقسام الرقمي" Digital divide، الذي يتعلق بوجود "تفاوتات منهجية" في إمكانية الوصول إلى أجهزة الحاسب الآلي، والإنترنت، والتي تؤثر على الأشخاص الأكثر فقرًا، والذين لم يحظوا بمستوى وافٍ من التعليم الأساسي، بالإضافة إلى كبار السن، والمنتمين إلى أقليات.

 

 

هذا وإذا كان مفهوم المواطنة يثير منذ نشأته في العصور القديمة مسألة الإدماج والإقصاء من الجماعة السياسية، فإن بروز المواطنة الرقمية أضاف بُعدًا جديدًا لها؛ فالأمر ارتبط في أثينا بالنوع والجنسية؛ حيث كانت المرأة والأجانب مستبعدين من المواطنة، بالإضافة إلى العبيد، لكن منذ أواخر القرن العشرين ومع إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وامتلاك مهارات استخدامها، فأصبح هناك عامل جديد يحدد درجات الإدماج والإقصاء من الجماعة السياسية من الناحية الفعلية وليس القانونية.  

من هنا تبرز أهمية توفير إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للمواطنين الرقميين، سواء كان هذا الوصول عامًّا، أي داخل المؤسسات التعليمية أو مراكز خدمة المجتمع على سبيل المثال، أو خاصًّا، أي داخل المنزل أو بشكل شخصي. 

 

 

 

لكن من المهم أن يرتبط هذا الوصول العام والخاص بتأمين استخدامها. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن كل من Mike S. Ribble، Gerard D. Bailey، و،"Gerard D. Bailey" شددوا على أن السلامة، أي الحماية من المخاطر الجسدية، والأمان، أي حماية النفس والآخرين، من أي تأثيرات ضارة، بالإضافة إلى حماية المعلومات والأجهزة، تُعد من العناصر الأساسية المرتبطة بممارسة المواطنة الرقمية، التي تشمل أيضًا– وفقًا لهؤلاء الكتاب-: آداب السلوك أو الأخلاقيات.

 

وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن منظمة "التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD" أكدت في تقرير أصدرته، في سنة 2003.

 

يتناول استخدام المواطنين للإنترنت بهدف المشاركة السياسية، أن التحديات التي تحول دون مشاركة أكبر عدد من المواطنين في عملية صنع القرار ليست تكنولوجية، إنما ثقافية، وتنظيمية ودستورية. لكنها أوصت في الإطار نفسه بعدم الاقتصار على الوسائل الإلكترونية، بل استخدام وسائل متنوعة، أي إلكترونية وغير إلكترونية؛ حيث إن ذلك من الممكن أن يحقق نجاحًا أكبر في التواصل مع المواطنين، وزيادة مشاركتهم السياسية. 

 

وختامًا، تُعد المواطنة الرقمية، التي ظهرت مع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، شكلًا جديدًا من أشكال المواطنة التي نشأت في العصور القديمة؛ فمنذ أواخر القرن العشرين، أصبح الإنترنت أداةً لتشكيل الوعي السياسي للشباب، كما أنه يوفر لهم إطارًا جديدًا لممارسة مواطنتهم الرقمية بأكثر من شكل، أي أنه يسهلها، ولكنه لا يؤدي بالضرورة إليها. وفي هذا الصدد، يُلاحَظ أن الوعي السياسي المرتفع، الذي تسمح بتشكليه وسائل إلكترونية وغير إلكترونية، قد لا يقود بالضرورة، كما وضحت الدراسات، إلى المشاركة السياسية، نظرًا لوجود عوامل أخرى متنوعة. هذا ويمكن القول إن تدعيم المواطنة الرقمية يتطلب اتباع سياسات تتلاءم معها، وبصفة خاصة في مجالي التعليم والتكنولوجيا. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز