عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

القائد عقبة بن نافع

د إبراهيم محمد مرجونة
د إبراهيم محمد مرجونة

هو عقبة بن نافع بن عبد القيس بن لقيط بن عامر بن أميّة بن الظرب بن الحارث بن عامر بن فهر القرشي، وُلد قبل الهجرة بسنة، في عهد رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- إلّا أنّه لم يصحَبه (لكنه صحابي بالمولد، لأنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم). نشأ في بيئة إسلامية خالصة، ووالداه من السابقين إلى الإسلام، وهو أخ لعمرو بن العاص– رضي الله عنه- وأمه هي النابغة؛ ولهذا فعقبة يُعدّ أخاً لعمرو بن العاص لأمّه، إلّا أنّ هناك روايات تذكر أنّهم أبناء خالة، وأخرى تقول أنّ عقبة ابن أخت عمرو بن العاص، وهو عموما من أقرباء عمرو بن العاص. 



وقد تأثّر عقبة بن نافع بالبيئة التي تربّى ونشأ فيها؛ فشارك في الفتوحات الإسلامية، بل إنّ عمر بن الخطاب– رضي الله عنه- ولّاه قيادة الجيوش، لشجاعته وقوّته، علماً أنّ عمر كان يعطي القيادة للصحابة فقط، إلّا استثناءً في حقّ عقبة، الذي لمع نجمه كقائد ومحارب، خاصة في المغرب العربيّ.

شهد عقبة مع عمرو بن العاص فتح مصر، ثم شارك معه في المعارك التي دارت في إفريقيا (تونس حاليا)، فولاه عمرو برقة بعد فتحها، فقاد منها حركة الفتح باتجاه الغرب، فظهرت مقدرته الحربية الفائقة وحنكته وشجاعته، وعلا شأنه.

ومن أحفاد عقبة بن نافع المشهورين يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري القرشي أحد القادة الدهاة، وعبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة مرة بن عقبة بن نافع الفهري أمه بربرية أمير من الشجعان الدهاة.

وقد قال شمس الدين الذهبي في صفات عقبة: كان ذا شجاعة، وحزم، وديانة، وقال مفضل بن فضالة: كان عقبة بن نافع مجاب الدعوة. وهكذا يُذكَر من مناقب عقبة بن نافع أنّه كان مُتديِّناً وشجاعاً وحازماً، إلى جانب أنّه كان ذا دعوة مُجابة، وما وصل عقبة هذه المنزلة الرفيعة في الجهاد والقيادة إلّا لمُقوّمات كانت عنده، فقد كان يتّقي الله في شأنه كلّه، ويُكثر من ذِكره، والاستعانة به، وتفويض الأمر إليه، وكان يعتقد بأنّ النصر من عند الله، وأنّ انتصار المسلم هو انتصار لعقيدة الله– سبحانه وتعالى- وكان حَسَن المعاملة مع جنوده؛ فكان يُحبّهم ويُحبّونه، ويثق بهم، ويطمئنّ على أمورهم، ويُجازي المُحسن منهم بما يستحقّ من الخير، ويتغاضى عن أخطائهم الصغيرة، ويُعاتب المُقصّر والمُخطئ بعبارة حَسنة، ولا يتتبّع عوراتهم، ولا زلّاتهم.

وتميّز عقبة عسكريّاً برجاحة عقله، وبخبرته في أمور الحرب والمكيدة والتدابير اللازمة، فكان يقتنص الفرص، ويفرض الحِيل، وكان لمّاحاً مُتيقِّظاً، قادراً على إدارة الأزمات، وإصدار القرارات سريعاً كلّما دعت الحاجة إلى ذلك، كما كان حريصاً على سلامة جنوده، وكان يتحمّل مسؤوليّتهم، إضافة إلى أنّه كان مُتمكِّناً في الاستراتيجيّات العسكرية، ذا معرفة فيها، كمبدأ المُباغتة، وتأمين خطوط المواصلات، وإرسال الاستطلاعات، والحفاظ على المعنويّات، وغيرها من الاستراتيجيّات العسكريّة، وكان مُدرِكاً لنفسيّات جنوده، فيدخل الأمان إلى قلوبهم، ويدرك نفسيّات أعدائه فيدخل عليهم الرعب في الحروب.

استشهاد عقبة بن نافع كان عقبة بن نافع المجاهد المخلص يحس إحساس المؤمن الصادق، أنه سيلقى ربه شهيداً في هذه الجولة، فعندما عزم على المسير من القيروان في بداية الغزو، نعى نفسه إلى أولاده، وطلب الشهادة، فتقبل الله منه وحقق له أمله في الشهادة، فقد أعد له الروم والبربر كمينا عند قرية “تهودة”، وأوقعوا به وقضوا عليه هو ومن معه من جنوده عام 63هـ وعمره آنذاك في حدود 64 سنة، وبهذا ندرك مبلغ القوة التي كان يتمتع بها أسلافنا، حيث قام بتلك الرحلة الشاقة وخاض المعارك الهائلة وقد جاوز الستين من عمره. 

وترجع المصادر أمر الكارثة التي تعرض لها عقبة بن نافع في موقعة “تهودة” إلى جعله معظم جيشه يسير أمامه بعد أن رجع من رحلته الطويلة من المغرب الأقصى قاصدا القيروان، ولما صار قريباً من القيروان أرسل غالب جيشه على أفواج، وبقي هو على رأس الفوج الأخير، ومعه فقط ما يقرب من 300 من الفرسان من الصحابة والتابعين، وكان من عادة عقبة أنه يكون في مقدمة الجيش عند الغزو ويكون في الساقة عند قفول الجيش، فهو بذلك يعرض نفسه لخطر مواجهة العدو دائماً، وأن هذه التضحية الكبيرة جعلته محبوباً لدى أفراد جيشه بحيث لا يعصون له أمراً ويتسابقون على التضحية اقتداء به. 

ولما علم الروم بانفراد عقبة بهذا العدد القليل من جيشه انتهزوا هذه الفرصة لمحاولة القضاء عليه، وهم يدركون أن وجوده القوي يعتبر أهم العوامل في تماسك المسلمين وبقاء قوتهم، فتآمروا عليه مع “كسيلة” زعيم قبائل أوْرَبَة وصَنْهَاجَة الأمازيغية وحاكم إفريقية لبضع سنوات، فجمعوا لعقبة وأصحابه جمعا لا قِبَلَ لهم به، عدته خمسون ألفا. فأقدم عقبة ومعه عدد قليل على معركة غير متكافئة، وكان بإمكان بعضهم الفرار ولكنهم ثبتوا ثبات الأبطال حتى استشهدوا جميعاً في “تهودة”، ويَذكر المؤرخون أن قبور هؤلاء الشهداء لا تزال معروفة في ذلك المكان، وأن بعض المسلمين يزورونها في مدينة “سيدي عقبة” التي سُميت على اسمه، وهي المدينة التي يقع بها اليوم مسجده وضريحه في مسجد “عقبة بن نافع”، وهو المسجد ذكره ابن خلدون وقال فيه: “إنه أشرف مزار في بقاع الأرض لما توفر فيه من عدد الشهداء والصحابة التابعين”. ويعد ثالث أقدم المساجد في المغرب العربي بعد مسجد القيروان ومسجد أبي المهاجر دينار. وهكذا استشهد هذا القائد العظيم بعد جهاد دام أكثر من 40 عاماً قضاها في فتوح شمال إفريقيا، ابتداء بمصر وانتهاء بالمغرب الأقصى. 

إلا أن استشهاده كان له اثار سيئة على الفتوحات في شمال إفريقيا، وضاعت القيروان من أيدي المسلمين لمدة خمس سنوات، وتأخرت الدعوة الإسلامية. 

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

كلية الآداب

جامعة دمنهور

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز