عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

عادل القليعي يكتب: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".. "اعدلوا هو أقرب للتقوى"

عادل القليعي
عادل القليعي

بين الفينة والفينة تطالعنا المواقع الإعلامية الإخبارية بأخبار مؤسفة وأفاعيل شيطانية يندى لها الجبين، جرائم قتل هنا وهناك، لأسباب غريبة، فمنذ فترة رأينا من يذبح رجلا ويدور برأسه في الشوارع، وبالأمس القريب، شاهدنا من يذبح زميلته أمام حرمها الجامعي وسط النهار عيانا بيانا وأمام الجميع.



ما هذا الذي يحدث ولماذا يحدث، وما أسبابه؟!

هل هناك مبررات لإزهاق الأرواح التي حرم الله قتلها، هل هناك مبرر لقتل روح عظمها الله تعالى ورسوله الذي قال “لأهون على الله أن تهدم الكعبة حجرا حجرا، أهون عند الله من إزهاق روح شهدت لله تعالى بالوحدانية”.

أغيثونا يرحمكم الله، أغيثونا من أفاعيل هذه الشرذمة الضالة المضلة الذين يعيثون في الأرض فسادًا مهلكين الحرث والنسل وأدين الحياة التي أمرنا الله أن نحياها.

اعدلوا، أقيموا العدالة بحذافيرها على كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات هذا الوطن وثروته البشرية.

فالعدل اسم من أسماء الله الحسنى، الحكم العدل، فهو حكم ومن ثم بالضرورة ومبدأ الحتمية المنطقية لا بد أن يكون عدلا، أي يحقق العدالة للجميع وألا يفرق في المعاملات بين الناس.

والعدالة فضيلة وضدها الظلم وهو رذيلة بغيضة، بالعدالة قامت السموات والأرض وما بينهما. والعدل الوزن بالقسط بين الناس، والعدالة رأس الفضائل الأخلاقية وقمتها فإذا ما تحقق العدل تحققت خيرية الأفعال، بمعنى العادل شجاع لا يخشى في الحق لومة لائم، والعادل عفيف النفس لا يحيد ولا يميد عن طريق الحق ولا تتجاذبه أهواء وميول الشهوة فلا يمد يده حتى يغير رأيه أو يزور، فهو العفيف صاحب الخلق الرفيع.

وصاحب العدالة وحارسها واثق بنفسه قد تحاك ضده المؤامرات وقد تتقول عليه الأقاويل وقد تلاحقه نظرات الازدراء وتثار حوله الشبهات والفريات، لكنه ثابت على مبدئه لا يحيد عن قول الحق قيد شعيرة. 

يقول الحق جل جلاله (وأمرت لأعدل بينكم) ويقول (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).

ولنا في المعصوم- صلى الله عليه وسلم- القدوة والأسوة الحسنة في عدالته في توزيع غنائم الحرب ويأتيه رجل يدعي ذي الخويصرة. يقول له أعدل يا محمد، فيتغير وجه النبي- صلى الله عليه وسلم- ويقول له إذا لم أعدل أنا فمن الذي يعدل. 

وعندما تسرق المرأة ويريد أن يقيم عليها الحد والمرأة من الأشراف ويأتي إليه صحابي ليشفع لها ويقول النبي قولته الخالدة التي سطرها التاريخ بأحرف من نور، تشفع في حد من حدود الله، والله لو أن فاطمة- أعز الناس إلى قلب أبيها- بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها. 

كان في من قبلكم إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق الشريف تركوه لحسبه ونسبه- فلو كان ذا حسب ونسب ما سرق- وها هو الفاروق عمر ضرب أروع الأمثلة في عدله، ألم يحمل جوال القمح على ظهره ويذهب إلي المرأة ويشعل النار ويطهو الطعام بنفسه ويطعم صغارها والسيدة لا تعرفه وتقول الله الله في عمر تركنا جوعى ونحن أمانة في رقبته، ولم يتركها حتى أطعم الأطفال وتركهم يضحكون بعد أن علا بكاؤهم من شدة الجوع، ويقول لها احضري غدا إلى القضاء لتأخذي مظلمتك وتذهب وتجده فيقول لها يا أمة الله بكم تبيعي مظلمتك لعمر ويشتريها منها بمائة درهم، ويقول لابنه ضعوها في كفني عند موتي، حقا حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر، وكذلك عمر بن عبد العزيز، الذي من عدله حمت الذئاب الأغنام ولم يوجد فقير ويخاطب الغمام، قائلا امطري أنى شئتِ سيأتينا خراجك، لماذا لأنه عدل بين الناس بالقسط ولم يفرقوا في المعاملات، فليس معنى أنه ابن فلان يأخذ المناصب العليا والوظائف الكبيرة، والآخر ابن رجل فقير يلقى في غيابات الجب بدعوى التفاوت الطبقي، والغريب أن هؤلاء يستشهدون بالقرآن والقرآن منهم براء (ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات)، نقول لمثل هؤلاء الحمقى: الرفعة هنا في منزلة الأعمال الصالحة وليس في ابن الوزير والسفير، وابن البواب والرجل الفقير، هل الأوطان تبنى بهذه الطبقية العفنة؟

وإذا أردنا أن نحيا حياة كريمة فلا بد أن نحقق العدالة في كل شؤون حياتنا، في بيوتنا مع أبنائنا، فلا نفرق بين الولد والبنت في المعاملة، وكذلك في أعمالنا لا نفرق بين زيد، وعبيد، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والجميع سيقف أمام الله، هل عدلتم بين مرؤوسيكم (وقفوهم إنهم مسؤولون)، وهذه المسؤوليات تكليف وليست تشريفا.

ثم نطبق العدالة في معاملاتنا مع بعضنا البعض، وكذلك مع أنفسنا دون إفراط أو تفريط، فكلوا واشربوا والبسوا ولا تغالوا ولا تسرفوا، إن الله لا يحب المسرفين.

ثم أعدل بينك وبين الله تعالى ولو بالقدر اليسير من حق الله عليك، أحسن إلى الله كما أحسن الله إليك والله يحب المحسنين. 

أيها السادة الأكارم الأفاضل أقول لكم ولست بأعلمكم، ولكن من باب حقوقكم علي وحقوقكم علي هي التذكرة، (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).

إن فلاسفة الأخلاق جعلوا لفضيلة العدالة مكانتها ورفعوها مكانا عليا، فها هو سقراط يقر نوعين من القوانين أولهما غير المكتوبة القوانين الإلهية التي لا يظلم معها أحد. والقوانين المكتوبة الوضعية التي تنتظم من خلالها حياة الناس إذا طبقت تطبيقا صحيحا.

وكذلك حدثنا أفلاطون عن العدالة وكيفية تحقيقها قائلا: إذا أردنا تحقيق العدالة فلا بد من سيطرة القوة العاقلة في الإنسان- ببساطة شديدة دون تعقيدات فلسفية- تحكيم العقل- سيطرة القوى العاقلة على القوتين الشهوية والغضبية- نبسط المسألة- الإنسان به ثلاث قوى، 1- الشهوية وفضيلتها العفة، والإنسان بتكوينه الفسيوبيولوجي يميل إلى إشباع شهواته المادية، ولا أحد ينكر ذلك لأننا من جبلة إنسية، ولسنا ملائكة، وإن كانت بنا هبات ملائكية، ويأتي دور العقل ليقوم بعملية فرملة لهذه الشهوات الجامحة فيلجمها بلجام الحكمة ويصير الإنسان عفيفا. 2- القوة الغضبية وفضيلتها الشجاعة، ويأتي دور العقل ليهذب هذا الغضب، فقد يقودك الغضب لاقحام نفسك في مشاريع لا طاقة لك بها فيأتي العقل ليمنعك من التهور، فالشجاع ليس بالصرعة، وإنما من يملك نفسه عند الغضب.

3- القوة العاقلة وهي التي تسيطر على القوتين السابقتين عن طريق الحكمة.

فبالعقل تتحقق الفضائل وتتحقق العدالة وكما يرى أفلاطون أن الفلاسفة هم أهل الحكمة وأهل الحل والعقد ومن ثم لا بد أن توضع مقاليد الحكم بأيديهم هذا ما ذكره في جمهوريته. 

وكذلك نجد رائد الاتجاه العقلاني في الفكر اليوناني، أرسطو، يقول إن العدالة إذا ما تحققت في الإنسان تضعه تحت عرش الله وهذا ما ذكره في كتابه الأخلاق النيقوماخية، نيقوماخوس ابنه- وإذا ما تركنا فلاسفة اليونان واتجهنا إلى مفكري الإسلام سنجد الغزالي يحدثنا عن هذه الفضيلة في كتابه ميزان العمل، ويجعلها رأس الفضائل. 

أيها السيدات والسادة إذا أردنا السعادة وتحقيق السيادة فعلينا بتحقيق العدالة، لأن أسلافنا ما قادوا الدنيا بأسرها إلا من خلال إقامة العدل، ونزع الجور والظلم من بين الناس، بل وملؤوا الدنيا عدلا فاستقام أمرهم واستوت ممالكهم ودويلاتهم.

ما أحوجنا إلى العدالة وإقامة العدل بيننا، لأن العدل أساس متين وحصن حصين لإقامة الممالك والسلاطين والدويلات والدول، فدول الظلم قد تستمر عاما أو أعواما كثيرة، لكنها لن تدوم، أما دول العدل فتظل إلى قيام الساعة، لماذا لأن قادتها حكموا فعدلوا في القضية ووزعوا وقسموا بالسوية، لا فرق بين وزير فيها ولا غفير، الكل مواطن من الدرجة الأولى، فمثلما له حقوق فعليه واجبات.

فبالعدالة نحيا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله. 

فمن كان به شبهة جاهلية وظلم فليراجع نفسه وليرد المظالم إلى أهلها، ويعجل بالتوبة والاستغفار، والمظالم كثيرة في أيامنا هذه، منها، على سبيل المثال لا الحصر، أكل مال اليتيم بغير حق، عدم العدالة في توزيع المواريث وأكل حقوق الإناث، عدم عدالة الإنسان لنفسه وظلمه لها عند طريق عدم تهذيبها وتربيتها، عدم إقامة العدالة والمساواة في البيت والتفرقة بين الأبناء لأنه ذكر ولأنها أنثى، عدم العدالة والانصاف لأوطاننا، وإهمال قضايانا المعيشة وبيعها بحفنة عملات نقدية، وحسابات وأرصدة ملئت البنوك.

أفيقوا واعدوا، أعدلوا هو أقرب للتقوى.

أستاذ الفلسفة الإسلامية

آداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز