عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

إفريقيا والصيد والجمع

د. إبراهيم محمد مرجونة
د. إبراهيم محمد مرجونة

الصيد والجمع: هذه هي أقدم حرفة عرفها الإنسان من العصر الحجري حتى الثورة الزراعية، وكانت هذه الحرفة سائدة إلى فترة حديثة نسبيًّا، في شرق وجنوب القارة، حينما لم يكن يسكن هذه المنطقة سوى البشمن والأقزام، ومع تقهقر أوطان هاتين المجموعتين- الأولى إلى صحراء كلهاري، والثانية إلى الغابة الاستوائية الكثيفة- انكمشت المساحة التي تُمارَس فيها هذه الحرفة إلى حد كبير، وأصبحت تنحصر في مواطن البشمن والأقزام من ناحية، وفي مناطق متفرقة محدودة من شرق القارة، تحتلها جماعات صغيرة تعيش في ظل حماية القبائل الرعوية أو الزراعية المجاورة. 



 

ومن أمثلة هذه القبائل القديمة: الدروبو وزاني Sanye في كينيا، والكنديجا والزانداوي في تنجانيقا، والديم Dime والماجو في جنوب الحبشة، والويتو Woito في منطقة بحيرة تانا، وطبقة من الصيادين تُعرَف بأسماء عديدة داخل القبائل الصومالية، وأشهر أسمائها الميدجان Midgan.

 

وينقسم العمل عند البشمن والأقزام وغيرهم إلى قسمين كبيرين، على أساس الجنس؛ فعلى النساء، إلى جانب رعاية الأطفال وإعداد الطعام، البحث عن الثمار والجذور النباتية التي تدخل في الطعام، إلى جانب اللحم الذي يأتي به الرجال من حيوان الصيد، ولكن الرجل ليس محظوظًا في الصيد كل يوم، ومن ثَمَّ فإن الغذاء النباتي الذي تجمعه النساء هو في الواقع الغذاء اليومي، أما الرجال فإنهم يجهدون أنفسهم إلى حد التعرُّض للموت، خاصةً إذا كان حيوان الصيد كبيرًا؛ فالبشمن قد تخصَّصوا في صيد الزراف والوعول والنعام، وهم يصيدونها بطرق أبسط ما يقال وصفًّا لها: إنها قديمة قِدَم تاريخ الإنسان! فالطريقة المتبعة هي أن يلبس أحد مَهَرَة الصيادين قناعًا من جلد الوعل أو ريشًا من النعام، ويتسلَّل بهدوء داخل قطيع الحيوانات، ثم يطعن أحدها برمح، ويهرب الحيوان، وعلى الأثر تبدأ مطاردة عنيفة يتفوق فيها الحيوان، ولكن عصبة الصيد تتبع أثره يومًا أو أكثر على أمل اللحاق به، بعد أن أنهكه نزيف الدماء الذي أحدثه الرمح، ولكن قد يحدث أن يسبق حيوان مفترس الصيادين إلى فريستهم!

أما الأقزام فرغم أنهم يصطادون بالشباك الوعولَ، وبالحراب الفيلةَ، إلا أن هناك آراءً جديدة تؤكِّد أن الصيد بهذه الوسائل ليس اختراع الأقزام، إنما نَقْلٌ حضاري من الزنوج المجاورين. ورغم براعتهم في الصيد لكنهم أصبحوا يعتمدون كثيرًا على الزنوج من جيرانهم، عن طريق ما يُعرَف باسم التجارة الصامتة.

 

ولقد كانت حياة الصيادين تقوم على أساس اصطياد الحيوان الذي يُؤكَل بالقدر الذي يكفي، وبعبارة أخرى عدم الإسراف في الصيد، ولكن استخدام الوسائل الحديثة في الصيد في الوقت الحاضر، ودخول جماعات الصيادين المحترفين الإفريقيين والأوروبيين لصيد أنواع مرغوبة من الحيوان، قد أدَّى إلى اختلال التوازن في الظروف الطبيعية، وأحدث تغيُّرًا كبيرًا في إيكولوجية الحياة الحيوانية والنباتية، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك: أن كثرة اصطياد التماسيح من أعالي النيل من أجل الجلد قد أدت إلى ازدياد أنواع السمك السفَّاح، وهو غذاء التمساح المستطاب، وترتَّبَ على ذلك ازدياد استهلاك السمك السفاح للأسماك الأخرى، وبالتالي اختلَّ ميزان التعادل وقلَّ السمك الذي كان الناس يعيشون على صيده. 

 

ومثل آخَر: صيد الفهد بكثرة قد أدَّى إلى ازدياد أنواع الحيوان الذي كان يعيش عليه الفهد كالبابون والخنزير البري، وقد أصبح تزايُدُ أعداد الخنازير البرية والبابون من منغصات الحياة للزرَّاع الذين يجدون حقولهم وقد تعرَّضت للتخريب بواسطة هذه الحيوانات.

 

وكما تأثَّرَتْ إيكولوجية الحياة الحيوانية بعد تدخُّل عناصر غريبة في الصيد، نجد أيضًا أن الحياة النباتية قد تأثَّرت بواسطة الإنسان المزارع؛ ففي الوقت الذي يحافظ فيه جامع الغذاء على ظروف الحياة النباتية كما هي دون تغيير، نجد أن المزارعين من البانتو الذين غَزَوا إقليم الغابات الاستوائية في وسط إفريقيا قد قطعوا مساحات لا بأس بها من الغابة ليخلقوا متسعًا للحقول، وعلى هذا فإن معظم مساحة الغابات الاستوائية الإفريقية التي تُقدَّر بحوالي خمسة ملايين كيلومتر مربع لا تستغل الآن فيما تُستغَل فيه الثروة الغابية (أخشاب وثمار) إلا في أضيق الحدود، بينما تهدم الثروة كل يوم لتحل الزراعة محلها.

 

ولقد تنبَّه الباحثون المسؤولون حديثًا إلى أن اجتثاث الغابات يحتوي على أخطار بالغة؛ فالقضاء على الغابة يعني القضاء على: (١) ثروة خشبية هائلة. (٢) صمغ ومواد أخرى من عصارة الشجر. (٣) الثمار. (٤) أنسجة. (٥) زيوت بذرة. (٦) أصباغ ومواد دباغة. (٧) زيت النخيل. (٨) النحل وشمع النحل والعسل. (٩) خامات عقاقير طبية. (١٠) تعرية التربة. (١١) تغير ظروف المناخ بقلة الرطوبة المحتجزة في الشجر. 

 

وعلى ضوء هذه الخسائر بدأت السلطات سياساتٍ من أجل المحافظة على الغابات وزيادة المساحات المزروعة أشجارًا، ولكن نقص الخبرة الفنية ما زال عائقًا أمام حُسْن تنفيذ هذه السياسات.

 

ونظرًا لقلة وسائل المواصلات الحديثة، فإن استغلال الغابات في الوقت الحاضر كمصدر للأخشاب ما زال متأخرًا، إلا في بعض مناطق الغابات في غرب إفريقيا لمجاورتها للساحل، كما أن الطلب المحلي على الأخشاب محدود إلا فيما يختص بخشب المناجم وفلنكات السكك الحديد.

 

وأكثر أنواع الأشجار استغلالًا: الماهوجني، والخشب الأحمر Makoré، والخشب الأبيض Avodiré، وكلها موجودة في غابات غرب إفريقيا من ساحل العاج (٤٪ من صادرات الأخشاب والقشرة) إلى نيجيريا (٤٪ من الإنتاج العالمي للأخشاب الصلبة)، وجابون (٦٪ من مجموع الصادرات العالمية للأخشاب والألواح والقشرة)، وإثيوبيا (٤٪ من إنتاج الأخشاب الصلبة)، كما توجد أيضًا مساحات كبيرة من الماهوجني في حوض الكونغو.

 

وخلاصة القول إن هناك ما يقرب من ١٥ نوعًا من الأشجار الإفريقية التي تقطع وتدخل التجارة المنتظمة، ومعظم صادرات هذه الأخشاب تتجه إلى أوروبا وجنوب إفريقيا وأمريكا، إلى جانب أنواع خشب المناجم، والسكك الحديد التي زاد عليها الطلب في مناطق التعدين داخل السافانا، كما هو الحال في نطاق النحاس في زامبيا وكاتونجا ومناجم هضبة جوس في نيجيريا.

 

وإلى جانب الأخشاب، فإن الزيوت النباتية تشكِّل أكبر مظهر من مظاهر استخدام الغابات الاستوائية الإفريقية؛ فمن مجموع الإنتاج العالمي لزيت النخيل (١٩٧٠) كان إنتاج إفريقيا يساوي ٥٩٪ منه، ونصيب نيجيريا ٢٧٫٢٪، وزائير ١١٪ من إنتاج العالم، يلي ذلك إنتاج محدود في دول غرب القارة، على رأسها الكاميرون وساحل العاج وداهومي.  

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية – بكلية الآداب جامعة دمنهور  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز