عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

عادل القليعي يكتب: فلسفة القوة

عادل القليعي
عادل القليعي

هل هناك فلسفة للقوة؟ هل من الممكن مناقشة مفهوم القوة فلسفيًا، فماذا نقصد بالقوة، هل هي قوة بدنية، أم قوة نفسية، أم هي قوة عقلية، أم أنها قوة أخلاقية، أم هي قوة الإرادة "قوة الشخصية"؟!



نعم تلك أسئلة مشروعة أثارها العديد من الفلاسفة، منذ حضارات الشرق القديم، مرورًا بفلاسفة اليونان، إلى فلاسفة العصور الوسطى اليهودية، المسيحية، الإسلام، إلى فلاسفة العصر الحديث فالمعاصر، كلٌ فلسف ونظر للقوة من منظوره ورؤيته الفلسفية، وحالة المجتمع الذي كان يعيش فيه، فنجد على سبيل المثال كونفوشيوس حكيم الصين، جعل القوة جماعًا لكل ما سبق أن طرحته سابقًا، من أجل بناء مجتمع متوائم مع ذاته متكامل بتكامل أفراده، وأيضًا نجد حكماء مصر القديمة جعلوا القوة البدنية مدعومة بقوة ورجاحة العقل أساسًا متينًا لبناء الدولة المصرية القديمة، أما سقراط حكيم اليونان فقد جعل من رؤوس الفضائل التربية البدنية، فحفظ الصحة يضمن بناء إنسان متوازن جسديًا وعقليًا، فالبدن العليل السقيم لا يصلح في بناء عقل ناقد مفكر.

وكذلك نجد هذا الأمر عند أفلاطون، الذي جعل القوة العقلية أساس بناء الإنسان، الذي يستطيع أن يقيم جمهورية فاضلة يسودها الحب، وتسودها قيم الحق والخير والجمال.

أما أرسطو، فقد شدد في كتاباته الأخلاقية على الجمع بين الخيرات الأولية والخيرات الثانوية، الخيرات الأولية (الفضائل العقلية التي تضع الإنسان تحت عرش الإله)، وفي نفس القوة لم يهمل الصحة والقوة البدنية، فالإنسان إذا ما خيّر بين الصحة والمرض سيختار منطقيًا الصحة، وإذا ما خيّر بين القوة والضعف سيختار القوة في شتى صورها.

وكذلك فلاسفة العصور الوسطى، وخصوصًا فلاسفة الإسلام، وأخص بالذكر أبو نصر الفارابي الذي جعل قوام المدينة الفاضلة القوة البدنية والقوة العقلية التي ينبغي أن تتوافر في أهل هذه المدنية على تفاوت طبقاتهم، والتي يجب أن تكون في حاكم المدينة. وإن كان الغزالي قد ركز على هذه الأمور في رسالته أيها الولد، وفي كتابه ميزان العمل، إذ جعل خيرات للبدن تتمثل في الصحة العامة، ومن قبله أحمد مسكوية فيلسوف الأخلاق في رسالته تهذيب الحدث والصبيان. إلا أن الأمر قد يبدو مختلفًا قليلاً عند ابن رشد في تأسيسه للمدن الفاصلة، إذ نجده قد ركز على قوة العقل ورجاحته، والتي ينبغي أن تتوافر في العقلاء، ويقصد بهم الحكماء الفلاسفة.

وإذا ما انتقلنا إلى فلاسفة العصر الحديث، فسنجد توماس هوبز الذي تحدث عن أخلاق القوة، وما أخذ من الملك شارل الثاني ملك إنجلترا، لابد أن يسترد بالقوة، وذلك عقب الثورة التي أطاحت به، ولذلك ألّف كتابه اللفياثان أو القوة أو التنين.

ثم فلسفة القوة السوبر مان عند نيتشه، الإنسان المفارق الذي يجمع بين دفتيه القوتين العقلية والبدنية.

نعم، ليس ثم فيلسوف إلا وتحدث عن فلسفة القوة، وحاول أن يقدم لها تعريفا وتحليلا، كلٌ حسب فكره الخاص به ومتطلباتها ومتغيرات العصر الذي وجد فيه.

أما موقفنا من فلسفة القوة، فإنه لن يختلف كثيرًا عما سبق ذكره، لكن سأقدم تعريفًا للقوة، فالقوة هي الدافع الذي يدفع الإنسان إلى تحقيق هدفه، هي الوقود الذي يحرك الكائن القابع بداخلنا نحو تحقيق ذاته.

القوة، هي اللطيفة الربانية التي يودعها الإله داخل مخلوقاته جميعًا؛ ليحفظوا من خلالها حياتهم، ويحافظوا على بقائهم وبقاء نوعهم.

القوة، هي الاستمرارية والحركية والديناميكية، التي تجعل من الإنسان شعلة نشاط لتحقيق وبناء شخصيته.

هذه هي تعريفاتي للقوة، فاختر لنفسك أيها وطبقه على نفسك، لعلك تجد ضالتك المنشودة.

أنواعالقوى

القوة البدنية، وتأتي بالتربية والتدريب؛ للحفاظ على لياقة وحيوية البدن وحفظ توازنه وحفظ نشاطه، حتى لا يصاب بالعلل والأمراض، والتي من خلالها يحفظ للبدن آلاته صحيحة سليمة، وذلك يكون عن طريق ممارسة الرياضة، دونما استخدامها في الشر، فليس معنى أنك قويٌ مفتول العضلات تفتري على خلق الله، فالذي أعطاكها يسلبك إياها في لمح البصر.

القوة العقلية، والمقصود بها رجاحة العقل وإعماله في كل صغيرة وكبيرة وإعماله في التمييز بين الخير والشر، الحق والباطل، الحسن والقبيح، الجميل والجليل.

نعم، قوة العقل المتمثلة في الاعتبار والتدبر والتفكر، فما دخل التعقل في شيء إلا زانه وما خرج من شيء إلا شانه.

القوة الخلقية، فالإنسان يجمع بداخله ثلاث قوى، قوة الشهوة وفضيتلها العفة، وقوة الغضب وفضيلتها الشجاعة، والقوة العاقلة الحكيمة التي تضبط القوتين السابقتين.

قوة الشخصية والإرادة، فالإنسان أودع الله بداخله هذه القوة التي يختار من خلالها، وقد كتبنا كثيرًا في هذه المسألة هل الإنسان حر أم مجبر أم مخير ومسير.

ثم قوة اليقين، وهذه أرقى القوى جميعًا، قوة اليقين التي يثبت من خلالها المعتقد في القلوب والعقول والأفئدة، فباليقين تهدأ النفوس وتطمئن القلوب، لماذا لأنه سيكون لدى الإنسان مثلاً يقين بحياة أخرى سيتحقق فيها، ومن خلالها الآمال التي لم تتحقق فى الدنيا، فاليقين أعلى درجات الإيمان، يقين يغرسه الإله بداخلنا أنه معنا، ولن يتخلى عنا، وهذا اليقين مركوز في الفطرة، فطرة الله التي فطر الناس عليها، اليقين وحسن الظن بالإله.

وأخيرًا، إن جاز لنا أن نقدم تعريفًا جامعًا مانعًا للقوة، نقول هي جماع لكل القوى السابقة.

ويمكننا أن نجمعها في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف"، فالمؤمن قوي البنيان يوظفه في الخير، المؤمن قوي بأخلاقه، فليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب، المؤمن القوي عقليًا بعقله ورزانة عقله وامتلاكه حجة الإقناع وملكة إدارة الحوار، الذي يتدبر ويعتبر ويبحث وينقب لا إنكارًا لوجود الإله، وإنما إقرارًا بوجوده.

المؤمن القوي، هو صاحب شخصية وإرادة فولاذية يصر على تحقيق هدفه ليس به استكانة، ليس به تراخٍ، لا يعرف طريقًا للفشل، بل كله عزم وإصرار على الوصول إلى غايته التي ينفع معها نفسه ومجتمعه ووطنه.

السيدات والسادة، فتشوا في أنفسكم وابحثوا عن مواطن القوة بداخلكم، وإن كان ثم خلل فسارعوا بعلاجه حتى تستقيم حياتكم، وتحيوا حياة كريمة صالحة لأنفسكم أولًا ولأوطانكم ثانيًا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز