عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
نشأة القصة وتطورها في الأدب العالمي

نشأة القصة وتطورها في الأدب العالمي

بقلم : د. الأمير صحصاح

حين نبحث عن جذور القصة الأدبية الحديثة نجد أن النقاد يرون أن هذا الشكل الحديث , ترجع جذوره الأولي إلي نوع أدبي قديم هو "الملحمة" EPIC التي ترتبط بالنظرة المقدسة أو البطولية للبشر .



واستجابة لطبيعة الموقف الملحمي رأينا الإنسان منذ عرف التعبير – بالكلمة" منطوقة أو مكتوبة – شرع يبدع أشكالاً مختلفة من القصص , يمكن أن نحصرها بإجمال بالنسبة للآداب العالمية كلهما فيما يلي :

الأسطورةMyth  – القصص الخرافية : الذي يقدم حكايات تدور في عالم العفاريت والأشباح والغيلان – القصص الديني : الذي يدور حول قصص الرسل والأنبياء والصالحين – ا6لسير بكافة أنواعها : الدينية والتاريخية والأدبية والشعبية والذاتية – قصص الأمثال : الذي تذكر الحكاية التي كانت سبباً في مورد مثل الأمثال – القصص الفلسفي : التي يتخذها المؤلف وسيلة لعرض أفكاره – الحكايات الشعبية Folktales : وهي تشمل أشكالاً متعددة من الحكايات الخرافية , وحكايات "ألف ليلة وليلة" ومغامرات الشطا8ر ونوادر الظرفاء والبخلاء.

وتتشابه المقامات العربية إلي حد ما مع قصص الشطار والمحتالين في الأدب الأوربي عامة , وهي التي تسمي (بكار سك) وهي تحكي نوادر ومغامرات لا يربط بينها سوي شخصية الراوي أو البطل المحتال –الرومانس Romanc : وهو قصة خيالية ظهرت في القرون الوسطي في أوروبا , وتدور حول موضوعات الفروسية المثالية , وقد مهد هذان النوعان الأخيران (الرومانس والبكارسك) لظهور الرواية الحديثة في أوروبا .

وقد ظهرت إرهاصات النشأة الأولي للقصة في عصر النهضة الأوروبية الذي شهد بعثاً جديداً للآداب والعلوم والفنون , وامتد خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر , ولما كانت إيطاليا أقرب الدول الأوروبية إلي اليونان وألصقها بتراث الرومان القدماء فقد ساعدها ذلك علي أن تصبح مهدا للنهوض بالأدب والفكر , ويذهب كثير من النقاد إلي أن "بوكاشيو" أول من نبغ بين الكتاب الإيطاليين في النثر القصصي , بل كثير من النقاد ليذهبون إلي أنه لا يزال حتى يومنا هذا رب القصة القصيرة وسيدها .

ويعد كتابه "ديكامرون" أو الأيام العشرة , من أكثر الآثار الادبية ميلاً إلي تصوير الواقع ,فأدبه موضوعي متطرف , إذ لا تلمس شخصية المؤلف في أي موضوع من الكتاب ولا هو يلون القصة بميوله الخلقية , وكتاب "ديكامرون" قال عنه أحد النقاد أن الأدب قد انتقل به من منطقة ما وراء الطبيعة والقصة الرمزية واللاهوت وأخذ يحيا حياة جديدة وفق الأصول الكلاسيكية القديمة التي تعمل علي تقليد الطبيعة تقليداً مباشراً .

وقد استطاع "بوكاشيو" إثراء لغته أكثر مما وصل إليه من كتب قبله في العصور الوسطي , وفي نفس الوقت حرر " بوكاشيو" الفن القصصي من اليد الثقيلة للهدف التعليمي , وقد وفق في ذلك عن طريق مزجة عناصر قصص البلاط الخيالية بعناصر من كتابات "الفابليو"  وكذلك في استعمال ما يسمي بالشاهد القصصي Exemplum وحكايات الديكامرون ل بوكاشيو حقق بها المؤلف تجديداً بلاغياً شمل الدقة في التراكيب الفنية وذكاء عبقريا  في روح النص.

وإذا كانت المحاولة الأولي للاقتراب من الشكل القصصي الحديث جاءت من إيطاليا علي يد "بوكاشيو" في القرن الرابع عشر فإن المحاولة الثانية كانت في أسبانيا في القرن السادس عشر حيث ظهر هناك جنس جديد من القصص كان بمثابة مقاومة لقصص الفروسية والرعاة , وهذا الجنس الجديد من القصص هو ما نسميه "قصص الشطار" وهي قصص العادات والتقاليد للطبقات الدنيا للمجتمع وهي ذلت صبغة هجائية للمجتمع ومن فيه , وبهذا كانت قصص الشطار أداة لتقريب القصة من واقع المجتمع .

وقد تجلت النهضة الأدبية الأسبانية في (سرفانتز) Cerviantes (1547 – 1616) وكان "سيرفانتز" لأسبانيا إذ ذاك لسانها الناطق , ولو استثنينا روايات شكسبير لكان كتاب "دون كيشوت" أجمل ما انتجه عصر النهضة في أوروبا علي الإطلاق .

ويري "برنار دي فوتو" أن قصة "دون كيشوت Don Quixote التي ألفها ميجيل دي سرفانتز عام 1605 ميلادية فيها هدف ساخر يجعل للقصة شكلاً خاصاً لكنها تفتقد الوحدة الفنية وشخصياتها ليست مجرد تصميمات استخدمت لتجعل للقصة حركة , ويري أيضاً أن الأحداث في القصة اضيفت ببساطة دون منطق أو ضرورة تنبع من داخل القصة بحيث يمكن نشرها بسهولة في أقسام مستقلة .

ومهما يكن من اختلاف النقاد حول قصة "دون كيشوت" – وهو أمر وارد فإن ما يعنينا هو "محاولة "سيرفانتز" لتطوير القصة نحو شكلها الحديث خلال النهضة الأدبية لأسبانيا في القرن السادس عشر.

أما المحاولة الثالثة فكانت علي يد الكاتبة الفرنسية "مدام دي لافيت" (1634 – 1693) بقصتها "أميرة كليف" , وتعد بهذه المحاولة من بين من أحدثوا ثورة وانقلاباً في فن القصة , وحددت بها المذهب الواقعي الجديد في القصة تحديداً واضحاً .

ورواية "أميرة كليف " المشهورة (1678) قد أدخلت إلي الرواية , مبدئياً "صحة الطبائع" وكانت بذلك تبشر بالرواية "السيكولوجية" التي ستظهر فيها بعد , ويري المؤرخ الأدبي "ر.م البريس" أن القصة في القرن السابع عشر قد استبدلت ألعاب النحو واللغة بالدراسة الحقيقية للعواطف , وقد رفض الكتاب  الولوج بصراحة إلي عالم الحواس , وخلقوا عالماً مزيفاً من العواطف المحللة الخاضعة للعقل وإن الرياء الأدبي المتأنق قد حاك معطفاً حول هذا القرن .

وظلت القصة بصفة عامة خلال القرن السابع عشر متخلفة عن الأجناس الأدبية الأخري , لأنها لم يكن اكثر الكتاب علي وعي بموضوعها الفني وغايتها الاجتماعية , فكانت القصة رياضة ذهنية هينة الشأن , تقتصر في قيمتها الفنية عن المسرحية بأنواعها , وعن الخطابة والشعر.

ومع بداية القرن الثامن عشر – القرن الذي ولدت فيه القصة بشكلها الحديث – كانت المحاولة الرابعة علي يد الكاتب الإنجليزي "دانيال ديفو" (1661 -1731) بقصته "روبنسون كروزو" التي كتبها في الحقبة الأخيرة من حياته حيث شهدت هذه الحقبة نشاطاً مدهشاً "لدنيال ديفو" وكأن وهن جسمه زاد من نشاط عقلة فصار خياله يشكل القصة بعد القصة فألف "ملك القراصنة " أو مغامرات "دنكان كامبل" و ذكريات فارس ," وكابتن سنجلتن" و "الكولونيل جاك" و "تاريخ الشيطان" , ولم تدرك غير قلة قليلة من معاصريه أن "دانيال ديفو" حين هان فألف "روبنسون كروزو" قد سما إلي المجد الخالد .

ولا يعرف تاريخ الصحافة كاتباً تطرف المترجمون والنقاد في الحكم علي شخصيته مثل دانيال ديفو , فبينما يقول عنه "لي" Leeأنه من أصدق الصحفيين الإنجليز وأشدهم ثباتاً علي المبدأ , إذا "بمنتو" Minto يقول عنه " لقد كان عظيماً – عظيماً حقاً في الكذب" .

ظهور القصة الأدبية الحديثة :

بعد أن جاهدت القصة  الأدبية في سبيل الظهور قروناً , وتدرجت إرهاصات نشأتها في المحاولات الأربعة التي أشرنا إليها وكانت خلالها تبدو القصة الأدبية الحديثة آنا بعد آن شائهة الخلق ناقصة التكوين , كتب لها أخر الأمر أن تولد في صورتها السوية علي يد "رتشارد سن" في قصة "باميلا" Pamela عام 1740 , والتي يعد ظهورها بالبداية الحقيقية لظهور القصة الأدبية الحديثة  والعجيب في نشأة القصة أنها – وإن تكن قد جاءت نتيجة جهود متصلة وخطوات متتابعة إلا أنها ظهرت وكأنها وليدة المصادفة.

هذا ما يؤكده الكاتب الكبير "تشارلتن" ويقول " سيبدو لك ما زعمه مؤرخو الأدب أمراً عجيباً , لأنك في أغلب الظن ستخلط بين الحكاية والقصة , وسترجع بخيالك إلي أعمق أعماق الماضي السحيق لتري الناس يروون الحكايات كلما كان فراغ ودار في حلقات السمر حديث, ثم تقول وهذه قصص العرب , وألف ليلة وليلة , وهي كلها أسبق من هذا التاريخ الذي زعمه مؤرخو الآداب بداية للقصة , لكنك انسيت خصائص القصة بمعناها الصحيح , فليست كل تلك الحكايات الأولي قصصاً , لأنها تفقد أخص خصائص القصص , فما هي صادقة في تصوير الحياة , ولا هي تتعقب أجزاء الحادثة الواحدة تحليلاً حتى تبلغ أقصي مداها , وإنما هي حكايات ولا تنسي قط وأنت تطالعها انك في عالم من الخيال .

ويذهب في نفس الاتجاه "إيفور أيفانز" في كتابة موجز تاريخ الأدب الإنجليزي ويقول " أن القصة كما نعرفها الآن نتاج متأخر ولون خاص من ألوان السرد القصصي , وأن القصة قد بدأت في القرن الثامن عشر عندما كتب "رتشارد سن"Rechardson قصة "باميلا" وقد تكون القصة آخر لون من أوان الأدب تمكن من إثبات وجوده , ومنذ القرن الثامن عشر والقصة في نجاح مضطرد يلفت الأنظار.

ويضيف "أيفور إيفانز" إذا نظرنا إلي "رتشارد سن" (1689 – 1761) علي انه كاتب قصصي , فإن منزلته لن تسمو سمواً كبيراً , لكن القصة عبارة عن حكاية تسرد بطريقة خاصة , وطريقة "رتشارد سن" هذه هي التي تشهد بعبقرتيه , فابتداعه شكل قصصي يعرض فيه القصص عن طريق رسائل قد أتي بمحض الصدفة.

ويؤيد هذا الرأي "برنار دي فوتو" ويقول "أن رتشارد سن , فليدنج (1754) , سملت (1771) , ستيرن (1768) خلقوا شكل القصة ويمكن أن نقول بغض النظر عن أسلافهم المباشرين أن القصة بجهود هؤلاء أصبحت شيئاً لم تكنه من قبل , وأصبحت كائناً له فروعه الخاصة به من علم الترشيح وعلم النفس وعلم الوظائف.

وقد تلقت القصة الأدبية في القرن التاسع عشر , التحول الكبير الذي سيؤكد نموها وقوتها ونجاحها : فقد غدت وثيقة محولة إلي رواية , وهذا التحول يعود أول ما يعود إلي ظروف نشرها , ولن نستطيع أن نفهم الرواية الواقعية الكبرى في القرن الماضي ما لم نلحظ قبل كل شيء أنها كانت موجهة أول الأمر للظهور في مجلة أو جريدة يومية " وأن أكبر الروايات  التي ظهرت في القرن التاسع عشر كانت أولاً روايات مسلسلة , ولم يصبح "ديكنز" روائياً إلا بواسطة الصحافة ودعوتها, و"دستويفسكي" نفسه لم يكن إلا كاتب روايات مسلسلة في الجرائد .

 

المصادر

طه وادي , صورة المرأة في الرواية المعاصرة ,

أحمد سيد محمد , الرواية الانسيابية .

طه وادي , دراسات في نقد الرواية .

أحمد أمين , زكي نجيب محمود , قصة الأدب في العالم , ج2 .

أيان رايد , القصة القصيرة , ترجمة مني مؤنس .

محمد غنيمي هلال , النقد الأدبي الحديث .

برنارد فوتو – عالم القصة , ترجمة  محمد مصطفي هداره .

ر.م.البيريس , تاريخ الرواية الحديثة , منشورات عويدات

هنري توماس ودانالي توماس , أعلام الفن القصصي , ترجمة عثمان نوية .

إبراهيم إمام , تطور الصحافة الإنجليزية .

هـ . ب . تشارلتن ، فنون الأدب ، ترجمة زكي نجيب محمود.

ايفور إيفانز ،موجز تاريخ الأدب الانجليزي، ترجمة شوقي السكري ، عبدالله عبد الحافظ.

محمود أمين العالم , ألوان من القصة المصرية .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز