عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
شالوم.. يا عرب!

شالوم.. يا عرب!

بقلم : هاني عبدالله

فى خطابه، الذى أعلن خلاله الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» اعتراف الولايات المتحدة [رسميّا] بالقدس عاصمة لإسرائيل.. شكّلت الـ 30  ثانية الأخيرة من الخطاب (الممتد لنحو 11 دقيقة) أرضًا «خصبة» لاستفهامات [و«تهكمات»، أيضًا] عديدٍ من الأمريكيين على وسائل التواصل الاجتماعى (تويتر وفيسبوك).. إذ لاحظوا أنّ مخارج ألفاظ «ترامب»؛ خصوصًا فى عبارته الختامية التى قال فيها: [شُكرًا لله.. بارك الله فيكم.. بارك الله فى «إسرائيل».. بارك الله فى «الفلسطينيين».. وبارك فى الولايات المتحدة]، لم تكن منضبطة(!).



وفيما أبدى بعضهم جملة من الاستفسارات حول صحة «ترامب».. تساءل آخرون [بشكل ساخر]: هل يرتدى «ترامب» طاقم أسنان؟.. لم يخبرنا أحدٌ من قبل بهذا الأمر(؟!).

لكن.. سواء أكان «ترامب» يعانى خللاً صحيًا ما، أو أنّ ما حدث كان جراء انزلاق «طاقم الأسنان» الخاص به؛ يبقى هذا الأمر شأنًا أمريكيًا [داخليًا].. وما يعنينا بالمنطقة العربية -  على وجه الخصوص-  من عبارته الأخيرة تلك، هو دلالات الألفاظ المستخدمة.. إذ

عندما تحدَّث «ترامب» عن إسرائيل تحدَّث عنها [كدولة].. وعندما تحدَّث عن «فلسطين» تحدَّث عن [الفلسطينيين]، بوصفهم «أفراد»(!).

الدلالات، هنا، مهمة.. إذ لا مساحة -  على الإطلاق -  فى عقل القابع بالبيت الأبيض لدولة اسمها «فلسطين».. فإسرائيل هى الأصل.. أمَّا «الفلسطينيون» فقُل عنهم ما شئت(!).. قُل جماعة «إثنية».. أو قُل شعبٌ لا يملك سوى «الجنسية»(!).

صارت -  إذًا -  الآية معكوسة(!).. أصبح الغاصب [المُحتل]، هو صاحب الحق.. وأصبح «صاحب الحق»، هو الطريد(!).. أصبح «الفلسطينيون» شعبًا بلا أرض، يبحث عن أرضٍ بلا شعب(!).

صورة «ساخرة» قطعًا.. إذ أحيانًا ما يكون «الواقع» أكثر [سخرية] من الفانتازيا(!).



قَبل «كلمة ترامب»، التى ألقاها الأربعاء الماضى.. كان ثمة تنبيه ساقه المهتمون بشأن «قضايا الشرق الأوسط» (دينس روس نموذجًا) بضرورة أن يختار الرئيس الأمريكى ألفاظه بعناية فى هذا الخطاب [على وجه التحديد].. إذ لا توجد مسألة أكثر حساسية من «قضية القدس» بالنسبة للمنطقة العربية. (وأعتقد أنه فعل!).

وقالوا له: إن ما يجب عليه أن يوضحه؛ هو أنّ جُلّ ما يفعله [ببساطة] هو الاعتراف بواقعٍ يتقبّله المجتمع الدولى بغالبيته(!)، ألا وهو أن قسمًا من المدينة على الأقل سيبقى دائمًا عاصمةً لإسرائيل [مَهما تتضح حدود هذه المدينة ووضعها النهائيان!].. وأن «واشنطن»، وحكومات أخرى تجرى مباحثات فى «القدس» مع الحكومات الإسرائيلية منذ أن تمت تسمية المدينة العاصمة الجديدة للبلاد، بعد فترة وجيزة من حرب 1948م»(!).. وأنّ الرؤساء الأمريكيين (الديمقراطيين والجمهوريين؛ على السواء) ألقوا خطاباتهم فى مبنى البرلمان الواقع فى القدس.. كما اعتاد وزراء الخارجية الأمريكية عَقد لقاءاتهم مع رئيس الوزراء الإسرائيلى فى مكتبه الكائن هناك أيضًا(!).

ومن وجهة النظر الأمريكية، ذاتها: فمنذ حرب العام 1967م؛ استحوذت إسرائيل على «النصف الشرقى» من المدينة، ووسَّعت - بشكلٍ كبير - حدودها البلدية.. وبدءًا من اتفاقية «كامب ديفيد» فى سبتمبر من العام 1978م، وافقت «الحكومة الإسرائيلية» على التفاوض بشأن المكانة النهائية لمدينة القدس [فى إطار المفاوضات حول الوضع النهائي].. بَيد أن كل «إدارة أمريكية» تعاقبت على السلطة - منذ ذلك الحين - أعلنت أنها لن تتخذ أى موقف بشأن الوضع النهائى للمدينة إلى أن يتفاوض الإسرائيليون والفلسطينيون حول القضية بأنفسهم(!).

.. وحين أصدر «الكونجرس الأمريكى» فى العام 1995م قانونًا يقضى بنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى «القدس»؛ فاوضت «إدارة كليتنون» على إدراج بندٍ فى القانون يخوّل الإعفاء من تطبيقه لدواعٍ خاصة بـ«الأمن القومى الأمريكى».. ولم تهدف الإدارة الأمريكية من خلال هذه الخطوة الحفاظ على سياسة قديمة وطويلة الأمد لدى السلطة التنفيذية فحسب، بل إلى السماح للرئيس الأمريكى - أيضًا - بتحديد ما إذا كان من شأن مثل هذه الخطوة أن يخدم «مصلحة الولايات المتحدة» فى المنطقة.. وقد طلب الكونجرس من «الإدارات الأمريكية» كافة الالتزام بهذا البند كل ستة أشهر.. وأصبحت هذه المدة تجدَّد فى كل مَرَّة.. إذ كان كل رئيس [بما فى ذلك ترامب] يُقرر أنّ إسقاط هذا الإعفاء سيفتح المجال أمام استغلال اعتراف الولايات المتحدة الرسمى بالقدس، والتحريض على العنف بسبب هذه المسألة المثيرة للعواطف(!).

وذهب «الاتجاه» نفسه إلى أنّ الأمور تغيّرت بشكلٍ يستتبع تعديل هذه السياسة(!).. وأول تلك الأمور أنه لم تُجر أى محادثات جدية للسلام منذ عامىّ (2013م/ 2014م).. وثانيها أنّ منظمة «اليونسكو»، والجمعية العامة للأمم المتحدة أخذت تعتمد قرارات مُسيّسة إلى حد كبير تتجاهل الروابط اليهودية التاريخية بهذه المدينة (يقصدون قرار الجمعية العامة الذى دعا الحكومات إلى احترام «الوضع التاريخى» القائم فى الأماكن المقدسة، بمدينة القدس، بما فى ذلك الحرم القدسى الشريف، على صعيد القول والفعل)، وهو الأمر الذى يشكل تحديًا فعليًا للجوهر الأساسى للعقيدة اليهودية(!).



تحدث «ترامب» كثيرًا عن [السلام] بين إسرائيل، والعرب.. لكنه قالها -  هذه المرَّة -  بالعبرية: «شالوم»(!).. قالها [مطمئنًا]؛ لأنه يعرف تمامًا ما تفعله بعض «الأنظمة العربية» من مؤامرات على أشقائها فى العروبة (قطر نموذجًا).. ولأنه يعلم -  كذلك -  ما فعلوه هم (أى: الأمريكان) بنا -  أيضًا-  منذ العام 2011م.. وما قبله(!).

أنهكوا المنطقة بأثرها فى دومات من «الفوضى»، والانقسامات الداخلية.. أجهزوا على قوة الجيش العراقى، وأدخلوا «العراق» نفسه فى دوامة التقسيم.. ووضعوا «ليبيا» على فوهة من البارود [بدفع عناصر «تنظيم القاعدة فى العراق» بين دروبها!].. وسمحوا بتنامى ما يُعرف بتنظيم الدولة (داعش) فى المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا؛ ليلتهم التنظيم ما تبقى من قوة «الجيش السورى».. ودعموا «عناصر التطرف» فى اليمن.. ثم عادوا ليتحدثوا معنا عن «مكافحة الإرهاب»، و«ثقافة السلام»(!).

يصر البعضُ على أن يتعامى [عمدًا، أو جهلاً] عن أنّ الانتفاضات التى شهدها الشارع العربى، كانت جزءًا من مخطط أوسع لتفتيت «الدول العربية»؛ حتى يكون لإسرائيل فى النهاية «اليد العليا» (Upper Hand)  فى المنطقة.. لكن.. لا ينكر «الواقع» ذو عينين(!).. وواقعيًا، أيضًا.. لم ينجُ من المخطط سوى «مصر» بفضل رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. ولايزالون على العهد باقين.. إذ يبقى «الجيش المصرى» هو الجيش «الوحيد» الباقى فى المنطقة.

وبمزيد من الواقعية، كذلك.. فإنّ منظومة «الأمن القومى العربى»، شهدت خلال «السنوات العجاف» الماضية أكثر من «اختراق»، وعلى أكثر من مستوى.. إذ تنامت الأجندات الإقليمية على حساب المنظومة، نفسها، أكثر من مَرَّة (المشروعين: التركى، والإيرانى نموذجين).. وتصاعدت حدة الإرهاب (بدعم دولى، وعربى أيضًا)؛ لتغيير وإسقاط الأنظمة (ليبيا/ سوريا/ اليمن).. وتفتت القوى العسكرية [باستثناء القاهرة]، واضمحلت - كذلك - محاور الممانعة فى وجه المشروع الصهيونى «التوسعى».. وتراجعت «المواقف الموحدة» أمام أوهام «الزعامة الإقليمية».. وانجرفت المنطقة بأثرها فى تجاذبات [طائفية]، لم تضع أوزارها بعد(!).

وفوق كل هذا..  كانت «حالة الانقسام» والتشرذم؛ هى سيدة الموقف داخل الساحة الفلسطينية.. وأدى عدم إتمام المصالحة التى تقودها «القاهرة» (رُغم الفرص الكبيرة التى أتيحت، ولاتزال متاحة) إلى ما آلت إليه الأوضاع فى «قضية القدس».. إذ تحتاج المقاومة ضد إسرائيل [فى المقام الأول] لوحدة الصف الفلسطينى.

فانتبهوا يا سادة.. أو رددوا خلف «ترامب»: «شالوم»(!). 

رئيس تحرير مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز