عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
هذه صديقتى.. «أم البطل»

هذه صديقتى.. «أم البطل»

بقلم : عبير صلاح الدين

رقيقة وهادئة وخلوقة، ولديها رؤية، وفنانة مرهفة الحس، خريجة الفنون الجميلة «حنان موسى».. عرفتها قبل سنوات خلال عملها مع الأطفال فى الشارع، أطفال الأسواق بالقليوبية، فى ورش الرسم، التى تنظمها فى الشوارع الفقيرة، حيث الأطفال الذين لم يعرفوا الفرشاة والألوان من قبل، تحول أحلامهم البسيطة إلى رسومات يعبرون بها عن أنفسهم، وتجعلهم يشاركون بها فى معارض هيئة قصور الثقافة.



الثلاثاء الماضى كانت فى مكتبها، بوزارة الثقافة تعد حملة قومية لترشيد المياه مع ممثلى 6 وزارات والشركة القابضة لمياه الشرب، باعتبارها رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث بالهيئة العامة لقصور الثقافة، بدرجة وكيل وزارة، وأرادت أن تنهى كل خطابات مهام الحملة لتتفرغ ليوم طويل فى الغد، فى مهام أخرى، وبالفعل عادت لبيتها مبكرًا بخلاف روتينها اليومى.

وعلى غير العادة تلقت مكالمة ظهراً من ابنها الملازم أول «محمد الدبيس» من هاتف غير هاتفه، قال فيها إنه بخير، وأن هاتفه فقد الشحن، ويريد رقم أخيه «محمود» الطالب فى حقوق عين شمس. كانت حنان قد اعتادت أن يكلمها محمد مساء كل يوم، منذ ذهب مع كتيبته قبل شهرين، مشاركًا فى العملية الشاملة «سيناء 2018»، ليطمئنها عليه، وتدعو له بدعائها اليومى ليحفظه الله من كل شر، ويكتب له ولزملائه النصر.

«كان قلبى واكلنى ومقبوض الأسبوع اللى فات، وتأتينى أحلام مزعجة» لكنى كنت أقول فى نفسى أنها من ضغط العمل، وأطمئن إلى أن الله سيحفظ ابنى، وأرفض التفكير فى هذا الطريق».

تكمل حنان: وعندما عدت إلى بيتنا فى القليوبية، وجدت حركة غير عادية، أبناء إخوة زوجى وشباب العائلة متجمعون، وأصدقاء ابنى محمد، فسألت زوجى، فقال إن العائلة تعد مؤتمرًا للانتخابات الرئاسية، مع النائب البرلمانى «محمود بدر» ابن أخت زوجى.

وفى الساعة الثانية عشرة مساءً، أعطانى زوجى هاتفه، وقال خدى كلمى محمد، هو كويس بس مصاب، وقال لى محمد: أنا كويس ياماما اطمنى، لكن صوته لم يكن يطمئن.

الساعات التسع الرهيبة

قضت حنان أصعب تسع ساعات يمكن أن تعيشها أم، منذ أن سمعت صوت محمد وعرفت أنه مصاب، فى مستشفى العريش، وحتى وجدته واقفًا على قدميه أمامها فى مستشفى الحلمية العسكرى، وعرفت أن إصابته فى رصاصة اخترقت إحدى كتفيه، وتسببت فى بتر أحد أصابعه، وتهتك الآخر، إضافة إلى إصابات أخرى.

وعندما علم بعض الأصدقاء عن إصابة محمد سألوا حنان، ألم يكن بإمكانكم أن تبحثوا عن واسطة حتى لايذهب محمد إلى سيناء، وكان ردها دائمًا «لو مش ولادنا اللى هيروحوا سيناء مين يروح» وهى نفس الإجابة التى يرد بها والده «لو مش رجالتنا همه اللى يروحوا سيناء دلوقت مين يروح، ابنى زى ابن غيرى».

الملازم «محمد الدبيس» من عائلة كلها ضباط بالجيش المصرى العظيم، خاله وعمه ووالده، فوالده العميد أحمد الدبيس، معلم فى مدرسة الصاعقة، وبدأ حياته بالمشاركة فى حرب الخليج الأولى 1991، فور تخرجه فى الكلية الحربية.

لم تتوقف حنان عن الدعاء خلال تلك الساعات بأن تكون إصابة محمد خفيفة، «شعرت أنى بحاجة إلى دعاء كل الناس، من يعرفون محمد ومن لا يعرفونه، فالدعاء بظهر الغيب يغير الأقدار، فكتبت على صفحتى على فيس بوك «ادعو لمحمد ربنا يشفيه ويطمنى عليه..سلامتك يابطل..ووضعت صورته بالبدلة العسكرية».

لم تكتب حنان أن ابنها مصاب، وتوالت التعليقات والدعوات على فيس بوك «لما اتطمنت عليه وشفته، حسيت إن دعاء الناس كان معنا، كنت محتاجة للمشاركة الإيجابية، مثلما أفعل دائما على صفحتى ولا أكتب سوى الإيجابيات لتكون طاقة نور».

الوحيدة التى لم يخبرها أحد عن إصابة محمد حتى الآن، هى جدته، لأن صحتها لا تقوى على تحمل الخبر.

محمود أخو محمد الصغير، كان أول من عرف بأمر الإصابة ظهرًا ولم يشأ أن يخبر أمه بالأمر، لكن أخبر أولاد عمه الشباب، استعدادا لأى موقف «أثق فى هذا الجيل من الشباب، فأنا أعمل معهم فى الوزارة وهم فى حاجة فقط إلى من يضع لهم الخطوط العريضة، ليتحملوا المسئولية».

عندما اكتشفت أن ابنى بطل

تذكرت حنان فى تلك اللحظات الرهيبة على كل أم، كيف كان محمد يرغب فى الالتحاق بمعهد السينما قسم الإخراج، بعد حصوله على الثانوية العامة 2011، لحبه للفن عمومًا وإلقاء الشعر، بالاضافة إلى بطولاته فى الكاراتيه وتفوقه فى مسابقات الرسم الدولية حين كان بالمدرسة، لكن والده الذى كان يرغب أن يسير محمد فى نفس طريقه، نصحه بالتقدم إلى الحربية، وإذا لم يوفق فى اختباراتها يقدم فى معهد السينما. وسمع محمد نصيحة والده، وعندما وجد نفسه يتقدم فى الاختبارات الكثيرة، بينما يقل عدد المجتازين شيئًا فشيئًا، شعر بقيمة وعظمة أن يلتحق بالكلية الحربية، وكبر بداخله هذا الإحساس مع قبوله بالكلية وطوال سنوات الدراسة.

فى المستشفى عرفت حنان قصص ابنها الملازم محمد، زميل الشهيد خالد المغربى قائد الدبابة، الشهير الذى اقتحم كمين الإرهابيين بدبابته ونقلته الكاميرات، زميل الشهيد منسى، وكان يحلم أن يأخذ حق زملائه، ويذهب لسيناء، وسمعت هناك «ابنك هو من طلب الذهاب لسيناء للمشاركة فى العملية الشاملة».

السير وسط العبوات الناسفة

سمعت حنان من زملاء ابنها الذين توافدوا لزيارته فى المستشفى عن بطولات كثيرة له، وأنه يفكر خارج الصندوق، من هذه القصص أنه بعد الإصابة وحضور سيارة الإسعاف إلى المكان الذى كانوا متواجدين فيه، كان أمامهم للوصول إلى مستشفى العريش طريقان، الأول طويل وآمن، والثانى مختصر لكن به عبوات ناسفة، فاختار أن يسيروا فى الطريق المختصر، لأن حالة باقى المصابين لا تتحمل، فسار على قدميه أمام سيارة الإسعاف بجهاز التمشيط حتى النقطة الآمنة، ليصلوا إلى المستشفى فى أقرب وقت. قصص أخرى كثيرة سمعتها حنان، لا تصلح للنشر، حفاظًا على سرية العمليات، فى كل مرة كان الملازم محمد يريد تكون النجاة والحماية للمجموعة كلها وليس له وحده، عملاً بمبدأ «نحن»، الذى تتحدث به حنان دائمًا أمام أولادها وفى العمل.

تنظر حنان بفخر لابنها محمد، حين سأله القائد خلال الزيارة «نجيبك المظلات؟» فرد بحماس: هرجع سيناء يافندم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز