عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
موعد مع الشمس

موعد مع الشمس

بقلم : طارق رضوان

أخيرًا. اليابان عادت. وأشرقت شمسها السياسية. جاء وقت دورها. وهو وقت الحقيقة بالنسبة لها. فلم يعد ممكنًا تأجيل تلك اللحظة أو تجاهلها. ذلك  أن  اليابان  يجب فى هذه اللحظة أن تخرج إلى ساحة السياسة الدولية بدور كبير متكامل بعيد النظر شامل الرؤية قوى التأثير. فلم يعد هناك مجال لقوة اقتصادية جبارة لا يعبر عنها تحرك سياسى ضخم وحيوى. لكن الدور جاء من خلال موافقة ومباركة أمريكية.  فقد أخرجوا المارد من القمقم. ليعود العدو القديم الشرس للصينيين إلى الساحة. تلويحًا بالاحتقانات القديمة. والثأر القديم. كى يتوقف التنين عن التمدد.



 

منذ صك الهزيمة والاستسلام الذى وقعته اليابان سنة 1945 على ظهر حاملة الطائرات الأمريكية «ميسورى» التى دخلت رافعة مدافعها فى خليج طوكيو. بعد أيام من إلقاء القنبلتين النوويتين نكازاجى وهيروشيما. أصبحت اليابان ممنوعة رسميًا من أن تتسلح ومن أن تتنفس.

استدعى الجنرال ماك أرثر قائد قوات الاحتلال الأمريكى الإمبراطور اليابانى هيروهيتو إلى مقره العسكرى فى مبنى داتيشى الذى أصبح الآن بنكًا كبيرًا لكى يبلغه بقرارات قوات الاحتلال طالبًا منه أن يكون مسئولًا شخصيًا عن تنفيذها. وطوال المقابلة مع الجنرال وإملائه الأوامر الأمريكية. لم يكن لدى الإمبراطور إلا أن يتلقى الأوامر وهو يردد طوال الوقت كلمته المأثورة «اسودسكا» ومعناها بالعربية «اهكذا؟» وراح الشعب يصرخ بالبكاء فى الشوارع لهذه الإهانة. منذ ذلك التاريخ. واليابان خارج الخريطة السياسية الدولية. فبسبب الضغوط الأمريكية امتنعت اليابان عن ممارسة أى دور سياسى دولى.

وتتردد فى اتخاذه وأحيانًا تبدو وكأنها لا تريده بل تتهرب منه. وإذا تورطت فى دور بالصدفة أو منعًا للإحراج. فإنها تتصرف وكأنها تريد أن تنسى وينسى الآخرون دورها. وكأنه شبح ظهر فجأة واختفى فجأة. انكمشت اليابان منذ الاستسلام على نفسها لتبنى دولتها. وخلال خمس سنوات من الاستسلام أى عام 1950 كان معدل النمو 10 % سنويًا وأصبح الإنتاج القومى عام 1970 هو 200 بليون دولار وسنة 1975 أصبح 400 بليون دولار وسنة 1980 كان الإنتاج القومى 800 مليون دولار. وهو حاليًا يوازى الإنتاج القومى لكل دول السوق الأوروبية المشتركة. وهو ثانى اقتصاد على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة. هذا ما فعلته اليابان عندما انكمشت على نفسها. وامتنعت عن أى دور سياسى. فهى الدولة الوحيدة فى العالم التى عرفت معنى ويلات الحرب النووية وذاقت عذابه على دفعتين.

كان السبب الرئيسى فى نجاح تلك التجربة المذهلة هو تركيب السلطة. فهو تركيب غريب ومذهل. تركيب ثلاثى يتكون من مجموعة رجال  الأعمال  والحزب الحاكم وجهاز الدولة. ويسمونها هناك مجموعة الصخرة والورقة والمقص. الصخرة هى رجال الأعمال  وهم صلب الحقيقة وقاطرة التطور. والورقة  هى  جهاز الدولة وهى تستطيع أن تغلف الصخرة وتحميها. والمقص هو الحزب الحاكم. والصخرة تستطيع أن تكسر الحزب الحاكم إذا ضربته. وفى نفس الوقت يستطيع المقص أن يقص أطراف الورقة  ويترك الصخرة عارية أمام الشعب. تلك التركيبة  السياسية  الداخلية  دفعت البلاد سريعًا نحو التقدم والنماء. وقد جرى فى النهر ماء كثير. فقد أصبحت الصين إمبراطورية  مقلقة تتمدد ويزداد نفوذها فى العالم ويقوى تأثيرها.

وأصبحت قوة سياسية ذات ثقل نابع من قوة اقتصادية هائلة. ودخلت فى تحالفات اقتصادية وبناء مؤسسات  دولية تماثل مؤسسة صندوق  النقد الدولى والبنك الدولى. بل وفى أغسطس القادم سيصبح اليوان عملة الصين الرسمية متاحًا للتداول فى البيع والشراء. وهو ما أزعج الإمبراطور الأمريكى. فبدأ فى سياسة الاحتواء. وأصبح لليابان دور لازم وضرورى وملح. وتلك الترتيبات لم تكن وليدة اللحظة. بل بدأت منذ عام 2006 عندما تولى شينزو آبى رئاسة الوزراء. فبمجرد توليه السلطة أعاد النظر فى السياسة العسكرية للبلاد بعد مباحثات مكثفة مع الأمريكان. وهو أول زائر للبيت الأبيض قام بمقابلة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعد نجاحه فى الانتخابات الرئاسية وقبل أن يتسلم السلطة رسميًا، بدأ آبى النظر للدستور. وكى لا يقوم بنقض الاتفاقيات والمعاهدات التى وقعت عليها بلاده وقت الاستسلام. اعتمد سياسة ماهرة وذكية وهى إعادة تفسير الدستور، فالمادة التاسعة من الدستور والتى تمنع التسلح، أو اقتناء سلاح نووى أو سلاح غير دفاعى،  أو المشاركة فى أعمال عسكرية خارج أراضى اليابان. والتى إذا طبقت حرفيًا تمنع امتلاك اليابان لأى جيش، وبسبب المعاهدات والاتفاقيات لا يمكن لآبى أن يغير هذه المادة أو  يعدل عليها بشكل مباشر، ولهذا لجأ إلى إعادة النظر فى معانى الدستور مفسرًا المادة التاسعة بطريقة أخرى، فقام  بإدخال العديد من التعديلات على النهج العسكرى، فشكّل قوات عسكرية قوية وقام ببناء جيش وأسطول يابانى بالتعاون مع الولايات المتحدة، كما قام بإعادة بناء جهاز مخابرات  يشبه جهاز المخابرات المركزية الأمريكية الـCIA، وبرر آبى سياسته العسكرية تلك بأنها من أجل مواجهة تهديدات الصين وكوريا الشمالية. وقامت بصناعة صواريخ نووية بشكل مباشر، فقد كانت تمتلك عام 2005 مواد مشعة يمكنها صنع 5475 رأسًا نوويًا، فكل رأس يحتاج إلى ثمانية كيلوجرامات من المواد المشعة، وهى تملك 43.8 طن من البلوتونيوم، منها 5.9 طن موجودة فى اليابان، و37.9 طن فى إنجلترا وفرنسا، وبفضل المفاعلات النووية الكثيرة والتكنولوجية الحديثة فإنها تستطيع بناء جيش بالسلاح النووى خلال 6 أسابيع فقط. بضغطة زر واحدة. وسمحت الولايات المتحدة لليابانيين بإعادة إنتاج طائرتهم الحربية الشهيرة «زيرو»  بعد تطويرها. وهى الطائرة ذات السمعة العالية التى أنتجتها شركة ميتسوبيشى فى أواخر أيام الحرب العالمية الثانية. ولكفاءتها العالية والمتطورة فى القتال. منع الأمريكان إعادة تصنيعها (منع وصل للتحريم). وخلال الشهور السابقة  وافقت الولايات المتحدة على إعادة إنتاج الطائرة بعد تطويرها والتى تعادل إمكانياتها القتالية الطائرة الأمريكية «f 32». لتصبح اليابان قوة عسكرية قوية جاهزة على الحدود الروسية والحدود الصينية. وفى أوائل عام 2018 بدأت بشكل علنى اعتماد التشريعات الجديدة بعد أن وافق عليها البرلمان اليابانى بشكل رسمى فى سبتمبر عام 2015، والتى تتضمن تعديلات على عشرة قوانين فى الدستور، إضافة إلى قانون جديد بشأن السلام والتعاون الدولى،  وبهذه التعديلات تستطيع استخدام القوة خارج البلاد.

ومن هنا أصبح هناك قوة جديدة فى العالم متحالفة مع الغرب لخوض الحرب الخفية الكبرى ما بين الإمبراطور الأمريكى المتسيد. والإمبراطور الصينى المتحفز. وبدخول اليابان فى اللعبة السياسية الدولية سيتم انقسام العالم إلى تحالفين مختلفين تمامًا عن تحالفات الحرب العالمية الثانية. فأعداء الأمس – ألمانيا واليابان – أصبحوا حلفاء اليوم المواجه للتحالف الشرقى. تحالف ممتد ومحاصر وملتف حول العدو الجديد. وهو ما يعنى أن دول الخليج والتى تشترى اليابان منها 85 % من نفطها أن تتأثر بالانحياز اليابانى. وهو رد على جُرح كبير قديم تسبب فيه شارل ديجول عندما قال تصريحه الشهير على اليابانيين عندما قال ماذا أفعل وهم يصرون على أنهم تجار «ترانزستور». وهو الأمر الذى سيجعل أحد وزراء النفط فى إحدى الدول الخليجية أن يغير قوله الذى أطلقه ذات يوم عندما قال إنك تستطيع أن تشترى من اليابان بضائع بملايين الدولارات وتشترى اليابان منك نفطًا بملايين الدولارات لكنك لن تأخذ منهم سوى عشر كلمات إذا تحاورت معهم! ستدخل دول الخليج فى تحالف جديد كالتحالف القديم ضد الاتحاد السوفيتى والمسمى وقتها بحلف بغداد.

وهو ما سيجعل المنطقة العربية مقبلة على تغيير كبير فى تركيبته السياسية يناسب المرحلة الجديدة. وقد بدأ بالفعل فى المملكة السعودية. وكالعادة وبحكم التاريخ تبقى مصر الشامخة محافظة على التوازنات الدولية ما بين الشرق والغرب. لأنها أرض سلام ومحبة وخير. سلامًا على مصر.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز