عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الشيزوفيرينيا التربوية

الشيزوفيرينيا التربوية

بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

كثيرًا ما أتساءل عن سبب التناقض الإنساني الذي نعيش فيه، فعندما نُربي الأطفال والنشء الجديد، نُغذي فيهم قيم الصدق، والتسامح، والإخلاص، والإيثار، وكل المعاني الجميلة والنبيلة، بل ونُعاقبهم على مُخالفتها، فدائمًا ما نضع نُصب أعينهم الجنة والنار، وحب الله وخشيته، وعدم اتباع الشيطان ووساوسه، لكن بمجرد أن يكبر النشء، ويخرج إلى مُعترك الحياة، تختلف آراؤنا، فنُبدلها، ونُردد مقولات تُوحي بأن الحياة مصالح، ولا مكان للنبل على أرض الواقع، وأن المثالية نتيجتها دائمًا الخسائر والآلام، وأننا نعيش في غابة وسط الذئاب، ونسخر من كل شخص يتحدث عن الرومانسية والإحساس، ونقاء المشاعر، حتى نهدم كل المعاني التي زرعناها فيه، وهو طفل صغير، فكأننا نبني ونُعلي البناء؛ لكي نهدمه بأيدينا فيما بعد.



فما قيمة المُثل العليا، لو كان كل دورها أن يُقال إن هذا الطفل نجح والداه في تربيته وتقويمه، في حين أنه عندما يتحول إلى رجل، تنهار كل هذه المبادئ أمامه، وللأسف، غالبًا ما يتم هذا الانهيار بيد والديه أيضا، وحُجتهم في ذلك، أن المجتمع هو الذي فرض عليهم هذه الأوضاع والأفكار، وأن خشيتهم على أبنائهم هي التي تجعلهم يُحذرونهم، لدرجة تصل إلى حد تسفيه المبادئ، والتعلية من شأن قوانين المجتمع الحديث، أليس في كل هذا تناقض إنساني، فنحن هكذا نُؤسس جذور مرض الشيزوفيرينيا التربوية، فما أصعب أن ينشأ الإنسان على قيم ومبادئ، ثم يُلقي بها عرض الحائط في شبابه، فيظل حائرًا بين ما نشأ عليه، وما يُطبقه في حياته أثناء تعامله مع المجتمع.

فلو كنا نبتغي تحقيق التوازن بين المبادئ والحذر، فما علينا سوى أن نُؤمن بأن الحياة مزيج بين كل المتناقضات، وأننا لسنا ملائكة على أرض تتصارع فيها الشياطين، فقطعًا نحن في نظر غيرنا شياطين، ولكن دون أن نُدرك، فهم أيضا لا يظنون أننا نحكم عليهم بهذا الحكم.

فلو أردنا أن نعيش في سلام، ونُربي أبناءنا على التعايش في المجتمع بدون صراعات نفسية دفينة، فما علينا سوى أن نقضي على جذور مرض الشيزوفيرينيا التربوية.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز