عاجل
الإثنين 23 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
الخبراء.. والتنفيذيون!
بقلم
محمد نجم

الخبراء.. والتنفيذيون!

بقلم : محمد نجم

احترت.. واحتار دليلي في فهم العلاقة بين الاقتصاديين والتنفيذيين، فعندما تستمع للمجموعة الأولى في الندوات والمؤتمرات تجد أفكارًا قيمة وفهمًا واضحًا للتجارب الدولية، ودروسًا مستخلصة صالحة للتطبيق.



وعندما نتابع ما يقوم به التنفيذيون.. نلاحظ أنهم يفعلون شيئًا آخر! سواء فيما يصدرونه من قرارات أو ما يتخذونه من إجراءات.

والطريف في الموضوع.. أنه أحيانًا كثيرة يتم اختيار التنفيذيين (وزراء أو رؤساء مؤسسات وشركات) من بين الاقتصاديين، الأطرف من ذلك.. أنه عندما تنتهي مهمة التنفيذي في المنصب الذي تولاه.. يتحول إلى «خبير» اقتصادي، وأحيانًا استراتيجي، ويشنف آذاننا بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان!

ولست أعلم السبب الرئيسي في فشل الاقتصاديين في تنفيذ ما يعتقدونه صحيحًا عندما يتولون مناصب تنفيذية؟

والأمر في رأيي قد يعود إلى أن الاقتصادي قد لا يجيد العمل التنفيذي، أو أنه يفتقد حسن الإدارة والعمل في مجموعات، أو أنه يجيد «تخصصه» فقط، أي فهم النظريات الاقتصادية والتجارب الدولية وإعادة شرحها للطلاب والمستمعين.. ولا أكثر من ذلك!

أو أن المناخ العام «السيستم» قد لا يسمح للاقتصادي بتنفيذ أفكاره التي أقنع الجميع بها من قبل، أي تكون الظروف السياسية أو الاجتماعية غير مناسبة لتطبيق تلك الأفكار في هذا التوقيت.

أما السبب الأخير.. فقد يكون راجعًا لسوء الاختيار من البداية (تجربة محافظ المنوفية السابق)، أو لأسباب أخرى، وكما يحدث دائمًا في دول العالم الثالث أو دولنا العربية، حيث نؤمن جميعًا بمبدأ (الأقربون أولى بالمعروف) و(اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش)!

نخلص مما تقدم.. إلى أننا في حاجة إلى اقتصادي خبير وجريء يحولنا من مجرد مستهلكين نبحث عن الدعم وننتظر المقررات التموينية.. إلى منتجين.. نأكل ما تصنعه أيدينا.. ونحقق قيمة مضافة إلى اقتصادنا القومي.

أقول ذلك بعد أن حضرت المؤتمر السنوي لمنتدى البحوث الاقتصادية، الذي عقد تحت عنوان (الواقع الاقتصادي بين التحديات والآفاق) وحُشد فيه مجموعة من الخبراء الدوليين كل منهم «قمة» في مجال تخصصه.

فقد أجمع هؤلاء على أن التغييرات الدولية متسارعة، وأن هناك نزاعات تجارية بين أمريكا والصين، وبين الأخيرة والاتحاد الأوروبي، وهناك تغييرات في أسعار البترول، ثم النزاعات الإقليمية والحروب الأهلية.. وغيرها.

كل ذلك سوف ينعكس على معدلات النمو والتجارة البينية، ومن ثم لا بد أن ينتبه القائمون على إدارة الاقتصاد لذلك، ويتكيفوا مع هذه المتغيرات، ويتحولوا من الإدارة التقليدية إلى ما يسمى "الإدارة بالأهداف".. والبحث عن أفكار جديدة مع تطبيقات مرنة.

فمثلًا.. اقترح د. إبراهيم البدوي، مدير المنتدى، السعي نحو تأسيس ما يسمى "الصناديق السيادية"، وكما فعلت دولة شيلي في أمريكا اللاتينية، حيث أسست صندوقًا لاستثمار فوائض تصدير النحاس، واستخدمت عوائده في تمويل الخزانة العامة وقت العجز، وفي التنمية وقت الفائض.

ومن حسن الحظ أن مصر على وشك الدخول في هذا المجال، حيث يجرى حاليًا تأسيس صندوق استثمار سيادي برأس مال 200 مليار جنيه، وجارٍ البحث عن مدير أو مؤسسة أجنبية متخصصة لإدارته، مع العلم أن أغلب الدول العربية سبقتنا في ذلك، خاصة الكويت والإمارات والسعودية.

خبير آخر من المشاركين في المؤتمر أوضح أنه إذا كان لا بد من إعادة النظر في المبالغ المخصصة للدعم لتخفيف العبء عن الموازنات المالية، فلا بد من إعادة تخصيص هذه المبالغ المرشدة لسلع أخرى ضرورية للمواطنين لتخفيف العبء عنهم، ومن رأيه إذا كنا سنرفع الدعم عن المحروقات، فلماذا لا يخصص جزء من هذه الأموال لدعم السلع الغذائية مثل الأرز والخبز والزيت والسكر.. وهكذا، بحيث يذهب الدعم إلى مستحقيه، وهم هنا الفقراء ومحدودو الدخل الأكثر استخداما لتلك السلع.

والحمد لله أن هذا ما تفعله مصر.. ومستمرة فيه إن شاء الله.

مشارك آخر تساءل: لماذا لا تستفيد الدول من أبنائها في الخارج.. وهم أعضاء الجاليات الخارجية الذين أطلق عليهم (سلاسل القيمة)، وضرب مثلا بالصينيين، واللبنانيين، حيث إنهم في مدينة سان باولو بالبرازيل يشكلون ثلث المستثمرين هناك.

على أي حال.. الأفكار كانت غزيرة.. والرؤى كانت جيدة، والمؤتمر كان علنيا واستغرق ثلاثة أيام وشارك فيه العديد من المصريين خبراء ومسؤولين ومنهم د. رانيا المشاط وزيرة السياحة ود. جودة عبد الخالق وزير التموين الأسبق، ود. هبة حندوسة الاقتصادية الشهيرة، ود. عبلة عبد اللطيف مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية والتي عرضت تجربة التعاون بين مركزها ومركز بصيرة الذي يديره د. ماجد عثمان في وضع مؤشر جديد لقياس العدالة الاجتماعية في مصر.

وهذا المؤشر يقيس ما يسمى رأس المال البشرى (التعليم والصحة والثقافة)، ورأس المال الاجتماعي (الرضا والمشاركة، والإحساس بالعدالة.. إلخ)، ومن خلاله نستطيع قياس مدى توافر العدالة الاجتماعية بين المواطنين وما الفجوات الموجودة، وكيفية العمل عليها؟

والخلاصة.. أننا لا نعيش في جزيرة منعزلة، وإنما في وسط عالم مليء بالأفكار والتجارب الناجحة، والمطلوب أن نستفيد من كل ذلك.. وأن نحسن تطبيق ما يتناسب مع ظروفنا وطبيعة مجتمعنا.

وأولى خطوات النجاح في هذا المجال أن نحسن اختيار من يتولون الإدارة والتنفيذ.

حفظ الله مصر.. وألهم أهلها الرشد والصواب.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز