عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ألمانيا ما بعد هتلر ومصر ما بعد الإخوان.. الحرب لم تنتهِ بعد

ألمانيا ما بعد هتلر ومصر ما بعد الإخوان.. الحرب لم تنتهِ بعد

بقلم : أيمن عبد المجيد

شتان ما بين ما شاهدته من فيلم وثائقي بعنوان «ما بعد هتلر»، وما شاهدته في ألمانيا من تقدم وازدهار، بين برلين التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مايو ١٩٤٥، أي قبل ٧٣ سنة فقط، محطمة مثقلة الجراح، مهدمة البنيان، وبين ما هي عليه الآن، ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا، ثالث أكبر مُصدِّر في العالم بإجمالي صادرات عام ٢٠١٧، بلغت ١.٥٦ بليون يورو، نعم بليون يورو.



 

مشاهد الخراب التي وثقتها أفلام ما بعد هتلر، كانت تحيط ببوابة برلين «بوابة براندانبورغ»، التي استغرق بناؤها ثلاث سنوات من ١٧٨٨ وحتى ١٧٩١، لتنجو من دمار حربين عالميتين، تشاهدها الآن يحيط بها العمران والحدائق والمدنية، يقصدها الزوار وبالقرب منها بقايا جدار برلين، لتروي لهم عظمة الألمان وقدرتهم على إعادة الإعمار والانتصار على التحديات.

 

منذ ٧٣ سنة، كانت ألمانيا حقلًا من الأنقاض، فاقدة جيلًا كاملًا، فقد قُتل في الحرب العالمية، ٦ ملايين بينهم ١.٥ مليون مدني، القتلى من العسكريين ٤.٥ مليون بين سن السادسة عشرة والخامسة والأربعين، بخلاف الأسرى، تخيل وضعت الحرب أوزارها، وتركت الألمان أطفالًا ونساء وعجائز، تقاسم الحلفاء "أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا" ألمانيا والعاصمة برلين.

 

تركت سيدة عاصرت الأحداث الجسام شهادتها قائلة: «مجرد إدراكنا أننا نجونا شعور كافٍ لمنحنا العزيمة على البدء من جديد من نقطة الصفر»، ملايين المشردين، وأبناء يبحثون عن أسرهم بين الأنقاض، وعمال بالسخرة لدى المنتصرين مقابل لقمة العيش حتى التحرر.

 

إصلاح الجسور ورفع الأنقاض وإعادة الإعمار، والتئام جراح الأسر، معجزة تحققت، كلمة السر فيها بناء الإنسان والتعليم المرتبط بمتطلبات التنمية، فأول ما بدأت به نساء ألمانيا اللاتي تحملن العبء الأكبر في إعادة البناء، كان افتتاح فصول بين الأنقاض لتعليم الأبناء، وزراعة الحدائق العامة خضرًا لمستلزمات الغذاء الذي كان يقسم حصصًا محدودة، حتى شربة الماء، الجميع تحمل وشارك في البناء، ليصلوا وأبناؤهم لما هم فيه الآن.

 

الحرب لم تنتهِ بعد

 

أدرك الألمان ما بعد هتلر أن الحرب لم تنتهِ بعد، وأن حرب النازية دمار وخراب، بينما عليهم خوض الحرب الحقيقية في مجالات التنمية والبناء والصناعة، استبدال هدف النازية ببناء أقوى جيش في العالم، بقوة عسكرية تحمي الوطن، بينما الهدف الرئيسي بناء أقوى اقتصاد صناعي في العالم، ألمانيا المهزومة في الحرب، انتصرت في البناء والتنمية، والصناعة.

 

مصر في عهد الإخوان، كانت عرضة لما آلت إليه ألمانيا في عهد النازية، كانت عرضة لهدم الهوية، سيطرة فريق من عشاق الدم، لكن مع الفارق، هتلر استطاع بناء جيش ودمره بالحرب، بينما الإخوان سعوا لتدمير الجيش ومؤسسات الدولة لاستبدال ميليشيات إخوانية بها، وما شهدته سيناء من حرب ضروس في مواجهة الإرهاب خير دليل، النازيون والإخوان وإن اختلفت الأهداف والآليات، فإن النتيجة واحدة، بيد أن الله أنقذ مصر مبكرًا، رغم ما عانته وتعانيه في الحرب ضد الإرهاب.

 

يقظة الوعي كانت السبيل لبعث ألمانيا الحديثة، أدركوا مبكرا أن مجرد النجاة محفز لإعادة البناء من الصفر، والبداية التعليم والاقتصاد، وهي حرب أهم من تلك التي يسفك فيها الدماء، بل حرب تعمير وبناء.

 

وفِي مصر لم تنتهِ الحرب بعد

 

التشخيص الخاطئ يؤدي حتمًا إلى علاج خاطئ، رسالة دائمًا ما يؤكدها الرئيس عبد الفتاح السيسي، داعيًا إلى أن "يقول الإعلام للناس الحكاية"، إيقاظ الوعي، التحفيز على التحدي والصبر والعمل، اطلاعهم على حقيقة المرض، وما يستلزمه من علاج، وما يتطلبه ذلك من كلفة وصبر، لبلوغ مرحلة التعافي، ما دام التشخيص دقيقًا، وخطة العلاج واضحة وواثقة الخطى، هكذا تبني الشعوب أوطانًا قوية.

 

رؤية الرئيس، الذي أعلن أن بناء الإنسان المصري، المؤهل لمتطلبات- والقادر على مواجهة- تحديات العصر، هو عنوان فترته الرئاسية الثانية، هي رؤية واثقة ثابتة، تشعر مع كل زيارة رئاسية خارجية، أنها رؤية نابعة من استراتيجية، عناصرها متداخلة ومتكاملة، ذات أهداف واضحة، كل تحرك ولقاء رئاسي، أو اتفاقية تبرم، تقربنا خطوات من بلوغ أهدافها.

 

ففي تلك الزيارة الناجحة التي تمتد أربعة أيام في ألمانيا، جنت مصر ثمار التنسيق واللقاءات الثنائية، في قطاعات عدة خاصة منها التعليم، الذي حظي بأهمية بالغة في تلك الزيارة، خصوصًا التعليم الفني، ما قبل الجامعي، والعلوم التطبيقية الجامعية.

 

ففي تلك الزيارة، وبتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقع الدكتور خالد عبد الغفار- وزير التعليم العالي والبحث العلمي- بروتوكولًا بالغ الأهمية، يمثل حدثًا تاريخيًا، له ما بعده من طفرة ستشهدها مصر في مجال العلوم التطبيقية، والعلوم الحديثة.

 

البروتوكول وقعه وزير البحث العلمي مع تحالف الجامعات التطبيقية الألمانية، وعددها عشر جامعات، ويستهدف إنشاء أول جامعة ألمانية تطبيقية، خارج حدود ألمانيا، لتكون العاصمة الإدارية الجديدة في مصر مقرًا لها، وهو إنجاز لو تعلمون عظيم، خاصة أنه مقرر لها أن تفتح أبوابها لاستقبال الطلاب عام ٢٠٢٠.

 

مصر تسابق الزمن، لتطوير التعليم، واستيراد الخبرات والأنظمة التعليمية الناجحة، وألمانيا من الدول شديدة الحرص، بالغة الدقة في تأسيس مشاريعها داخليًّا وخارجيًا، المتحفظة في تصدير برامجها التعليمية، ومن ثم اختصاصها مصر بإنشاء ثاني جامعة لها في مصر، دون غيرها من بلدان العالم، بعد الجامعة الألمانية، لتنضم لها التطبيقية، فهو مؤشر تنامي الثقة، في استعادة مصر استقرارها وعافيتها، وما ينتظرها من نمو وتقدم، لتصبح بوابة وقاطرة التنمية في إفريقيا كلها.

 

كان لي الشرف أن أشرف على تنفيذ بروتوكول تعاون بين نقابة الصحفيين المصرية، ووزارة الصناعة، ممثلة في مشروع دعم وإصلاح التعليم الفني والتدريب المهني في مصر، بهدف تصحيح الصورة الذهنية، عن التعليم الفني والتدريب المهني.

 

حقيقة، إن الصورة المشوهة عن التعليم الفني، وليدة أمور عدة متداخلة ومتشابكة، لها ما يبررها، وما هي إلا عَرض لمرض، يتطلب دقة في التشخيص لبلوغ مرحلة العلاج الناجع والفعال، فالمرض ناتج عن ضعف مستوى التعليم الفني بوضعه الحالي، فالخريج ليس مؤهلاً تأهيلاً حقيقيًّا يفي بمتطلبات سوق العمل، غير ممتلك للكفاءة الكافية للعمل بقلاع الصناعات الحديثة، ومن ثم يخرج لينضم لصفوف العاطلين.

 

النقطة الثانية التي تم رصدها، تدني النظرة المجتمعية، لخريجي الدبلومات الفنية، ما دفع أولياء الأمور إلى العزوف عن إلحاق أبنائهم المتفوقين بها، فالطالب تنتهي درجته العلمية، بنهاية الدراسة في دبلوم الصنايع أو التجارة أو الزراعة، وقلة منهم من يحققون طموحهم باستكمال الدراسة الجامعية، لينضم أغلبهم في النهاية أيضًا لصفوف العاطلين.

 

مرجع ذلك إلى غياب الرؤية لدى الأنظمة الحاكمة السابقة، وافتقارها لعزيمة قهر التحديات للعبور للمستقبل، فثمة حقيقة لا بد من الاعتراف بها، وهي أن مخرجات التعليم، منتج يستوجب قبل إنتاجه دراسة جدوى لمتطلبات سوق العمل، ومستوى جودة المنتج التعليمي، الإيفاء بمتطلبات التخصصات العلمية والتطبيقية الحديثة.

 

ومن ثم الارتكان لدور الإعلام بمفرده لتصحيح الصورة الذهنية، دون إجراءات واقعية على الأرض، بمثابة الحرث في الماء، لا يثمر، بينما التكامل ما بين حكومة إصلاحية تقدم علاجات دقيقة، بعد تشخيص دقيق للمرض، وإعلام تنموي هادف وبناء، واعٍ بتحديات المرحلة، ومتطلبات بناء وطن بقيمة وعراقة تاريخه، يحقق الهدف ويصحح الصورة الذهنية عن كل ما يتحقق من إنجازات في مختلف المجالات، ويحفز المواطن على المشاركة في التنمية، التي تستهدفه بالأساس لرفع مستوى معيشته وبلوغ مستوى رفاهيته.

 

ما يجرى الآن من عمل ناجح- كنت أحد شهوده في برلين- يؤكد أن القيادة المصرية، تسير على طريق النهوض بمصر، منطلقة من دراسة عميقة للعرض، وتشخيص دقيق للمرض، وتحديد أدق للعلاج، بل والشروع فعلياً في تقديم علاج ناجز.

 

دليل ذلك ما كشفه الدكتور خالد عبد الغفار، أن هناك قانونًا للجامعات التكنولوجية ولائحته التنفيذية، يناقش داخل مجلس النواب المصري الآن، لإصداره قريباً، لتوفير بنية تشريعية، لما تسعى مصر لتحقيقه من إصلاحات في المنظومة الجامعية، حيث تقرر إنشاء ٨ جامعات تكنولوجية، في ربوع مصر، بدأ فعليًّا العمل على إنشاء ثلاث جامعات منها، في القاهرة الجديدة وقويسنا وبني سويف، وتستكمل باقي الجامعات.

 

الغرض من تلك الجامعات، تقديم علاج لمرض، يكمن في أن طلاب التعليم الفني، تتوقف حياتهم وطموحاتهم عند درجة الدبلوم الفني، بينما تلك الجامعات تفتح الفرصة أمامهم للحصول على درجة جامعية، يتبعها إمكانية الحصول على الماجستير والدكتوراه في مجال التخصص، كما تفتح أبوابها لخريجي الثانوية أيضًا.

 

يقول الدكتور خالد، إنها تخصص قرابة ٧٠٪ من مناهجها للشق العملي التطبيقي، الذي ينتج خريجًا مؤهلًا بشكل احترافي لسوق العمل يجمع بين الدرجة الجامعية، وما يستتبعها من قيمة معنوية، وكذلك القدرات الحرفية والفنية لممارسة العمل الفعلي في أحدث وأدق مجالات ومتطلبات سوق العمل.

 

تلك الجامعات التطبيقية، سيضاف إليها الكليات التطبيقية بالجامعات الحالية، بعد تحديث مناهجها، لتحقيق الهدف ذاته، كما سيتم تأسيس نقابة لخريجيها، واستحداث لجنة خاصة بها بالمجلس الأعلى للجامعات.

بالتوازي مع تلك العلاجات، تم توقيع بروتوكول تعاون مع اتحاد الجامعات التطبيقية الألمانية، لإنشاء الجامعة الألمانية الدولية بالعاصمة الإدارية الجديدة، وهي الجامعة الألمانية الأولى من نوعها، التي يتم تأسيسها خارج حدود ألمانيا، وهو توطين لأنظمة التعليم الألماني في مصر، وجعلها مركز تعليم حديث يجذب العرب والأفارقة، فضلًا عما يتحقق من نفع لشباب مصر والوطن.

 

هذا التحالف يضم ١٠ جامعات ألمانية، منها الجامعة الألمانية في آلم، وبرلين وميونخ وأقاليم ألمانية أخرى، وتشمل تخصصاتها مجالات الهندسة وتكنولوجيا العمارة، وتكنولوجيا الكمبيوتر، وتكنولوجيا صناعة الروبوت، والاقتصاد وإدارة الأعمال وتكنولوجيا الإنتاج، وتكنولوجيا صناعة الدواء، والإدارة العامة والتكنولوجيا الحيوية، التصميم والترميم وصناعة الغذاء والعلوم الزراعية والسياحة، بالإضافة إلى ما يمكن إضافته في المستقبل من تخصصات.

 

تلك الجامعة التي مقرر افتتاحها بعد أقل من عامين على أرض مصرية، ستدرس المناهج الألمانية، ورئيسها ألماني، وغالبية أعضاء هيئة التدريس ألمان، وكذلك ضوابط الالتحاق والقبول ذاتها الضوابط المعمول بها في ألمانيا، وتمنح الشهادات من ألمانيا، ومن ثم هو نظام تعليم متكامل يخرج منتجًا تعليميًا بذات كفاءة العاملين في قلاع الصناعة الألمانية التي تبهر العالم، ليكون الشاب المصري مؤهلًا للعمل بكبريات شركات العالم.

 

لكن هذا هو الحديث، فماذا عما هو قائم من جامعات ومدارس فنية هل هناك رؤية إصلاحية تسهم فيها الجهات الألمانية؟ الإجابة تكشف عن رؤية شاملة، فعصر الْيَوْمَ من المقرر توقيع مذكرة تفاهم بين وزيري التعليم العالي والبحث العلمي المصري ونظيرته الألمانية بمقر وزارة التعليم العالي في برلين، وتنص على خلق توءمة بين الجامعات المصرية والألمانية، لنقل الخبرات، وتبادل أعضاء هيئة التدريس من العلماء المصريين والألمان، وتوسيع قاعدة ابتعاث دارسين مصريين لجامعات ألمانيا، ودعم سبل التعاون في مجالات البحث العلمي، ودعم تحالف الجامعات التطبيقية بالعاصمة الإدارية الجديدة.

 

إذن هي مذكرة تفاهم لتبادل الخبرات، وتمكين دارسين مصريين من الابتعاث، وقد كشف وزير التعليم العالي، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وجه بطلب ابتعاث ١٥٠ طالبًا مصريًا، للتدريب في مجالات علمية حديثة، منها علوم الفضاء، والمعلوماتية، و"السيبر سكيورتي"، أي الأمن المعلوماتي، وعلوم الكمبيوتر، فهناك رؤى واضحة، لبناء كادر مصري مؤهل بدرجة عالية من الكفاءة.

 

مصر ولادة وبها أذكى شباب العالم، ينبغون، ما توافرت لهم الفرصة، ففي قطاع التعليم الفني، يسعى الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، إلى زيادة عدد المدارس الألمانية المدعومة من الحكومة الألمانية في مصر من ٧ إلى ١٥ مدرسة، ومن ٢٥ مدرسة فنية ألمانية إلى ٥٠ مدرسة، وعن إصلاح ما هو قائم فعليًا من مدارس فنية مصرية؟ أجابني الدكتور طارق: نبحث مع الأصدقاء الألمان إنشاء أكاديمية وطنية لتأهيل معلمي المدارس الفنية في مصر، وكذلك تطوير نظم التعليم بما هو قائم.

 

إذن هناك استراتيجية ورؤية شاملة، تشمل المعلم والمنهج، تستهدف توطين نظام تعليم ناجح، والبناء على ما هو قائم، التوسع في الابتعاث، وبالتوازي توءمة لتبادل الخبرات والكفاءات، وبالتوازي لقاءات للرئيس مع كبار المستثمرين لجذب استثمارات للسوق المصرية، تنطلق من تعريف بما تحقق من إنجازات في البنية التحتية والتشريعية.

 

ما كان هذا ليتحقق لولا الإرادة السياسية، والمصداقية، والواقع الذي يبرهن على صدق مصر وقيادتها، وقدرتها بحكم تاريخها وحضارتها وجغرافيتها، ودورها الإقليمي على تقديم الكثير لشركائها بقدر ما يمكن أن يقدموه لها، شتان بين مستوى العلاقات المصرية- الألمانية من ٢٠١٣ وحتى ٢٠١٥، وما شهدته العلاقات من نمو كبير ثماره واضحة في الزيارة الحالية، نجاح حقيقي للدبلوماسية المصرية بقيادة الرئيس السيسي، دبلوماسية عمق الرؤية، ووضوح الهدف والصدق والإنجاز.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز