عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
التجديد في سبيل الله

التجديد في سبيل الله

بقلم : أيمن عبد المجيد

المشكلة، تكمن في أن غالبيتنا العظمى، لا تحدد بدقة معاني المصطلحات، قبل أن تنطلق لبناء قناعات واتجاهات، بشأن الكثير من القضايا المثارة.



في الحقيقة، الكلمة مخزن للمعنى، كما العملة مخزن للقيمة، ركز معي، الكلام فكر منطوق، بينما الفكر هو لغة غير منطوقة، جرّب أن تفكر في أي شيء، دون أن تنطق، ستجد الأفكار تتدفق في ذهنك في صورة كلمات وعبارات، ذات معانٍ.

ببساطة، ستفهم الحقيقة، والمقصد، إذًا ابحث عن المفهوم ومعنى المصطلح، قبل أن تمسك بهاتفك، أو لوحة مفاتيح حاسبك، لتسجيل انفعالاتك، أو تدوين آرائك في القضية، عبر "تويتة" أو "بوست" على موقع لـ"التصادم" الاجتماعي!

من بين تلك القضايا المثارة "تجديد الخطاب الديني"، ومثل كل قضية خرج علينا، مفتون الفيس بوك، يحذرون من خطورة التجديد على ثوابت الدين!

حديث الإمام الأكبر شيخ الأزهر، حول إنكار بعض الأفراد للسنة، وخطورة ذلك خلال كلمته في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، اتخذه بعض الخبثاء، ذريعة لتضليل الناس، والربط بين دعوة التجديد، والحديث عن إنكار السنة، وهو ما لا علاقة له من قريب أو بعيد.

فقبل بناء قناعة، تعالوا معنا نبحث مصطلح "تجديد الخطاب الديني"، لغة واصطلاحًا.

التجديد لغة في لسان العرب: هو إعادة الشيء إلى سيرته الأولى، مثال: تجديد المنزل، يعني محاولة إصلاح ما أصابه من خلل، لمحاولة استعادة أصله الأول.

والتجديد، في المصطلح الشرعي، كما يراه عدد من العلماء، هو: اجتهاد لفهم فروع الدين المتغيرة، في ضوء فقه الواقع، بما يحقق مقاصد أصول الدين وثوابته.

والحديث هنا عن "تجديد الخطاب"، وليس الدين نفسه، والخطاب في اللغة من الفعل الثلاثي خطب، أي تكلم وتحدث للملأ، أي الكلام الموجه لمجموعة من الناس، بهدف نقل معانٍ ورسائل إليهم.

إذن التجديد، يعني محاولة استعادة أصل الشيء، وعندما يكون المستهدف بالتجديد هو الخطاب الديني، فهذا يعني أن المقصود هو محاولة، تجديد الخطاب الديني، بما يسهم في نقل صحيح الدين للناس، خاليًا من التفسيرات المشوهة لتعاليم الدين الحنيف.

التجديد، هنا في سبيل الله، والتعريف بصحيح دينه، ومقاصد الشريعة السمحة، في مواجهة دجل داعش وأخواتها من التنظيمات الإرهابية، التي أساء مفتوهم فهم نصوص القرآن والسنة، واتخذوا من تفسيراتهم الدموية، آلة لتجنيد واستقطاب ضعاف الثقافة، وتحويلهم لقنابل وأدوات للقتل.

الدين ثابت، والقرآن الكريم محفوظ، والأحاديث النبوية الشريفة، الصحاح، بيد أن المشكلة تكمن في التفسيرات المشوهة لها، وتحميلها معاني لا تحتملها، لغرسها عبر خطاب ديني متطرف في عقول ضعيفة، تعتلي أجسامًا بشرية، فتحركها عكس ما أمر الله، يقتلون ويخربون وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا.

يا سادة أليس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو من قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"، سنن أبي داود، كتاب الملاحم.

لكن هل ثمة تجديد بلا مجددين؟! لكن وفق منهجنا الساعي لتحديد دقيق للمصطلح، من هو المجدد؟

عرّف نفر من العلماء المجدد بأنه: "من له حنكة رد المتشابهات إلى المحكمات، وقوة استنباط الحقائق والدقائق والنظريات من نصوص الفرقان وإشاراته ودلالاته".

إذًا التجديد يحتاج إلى مجددين، علماء يمتطون جواد اللغة، ودلالاتها، ودرسوا النصوص ومناسبات نزولها، للوقوف على مقاصدها وأحكامها، قادرين على استخلاص فهم دقيق للنصوص ظنية الدلالة، يراعي واقعنا وتحديات مجتمعاتنا.

هذا الأمر يتطلب علماء، لديهم خبرة موسوعية، وأظن منهم من هو موجود في الأزهر الشريف، بيد أنهم تقيدهم مخاوف المواجهة، وضغوط الاتباع، وجهل الجهلاء.

إذًا، عندما يطلب الرئيس عبد الفتاح السيسي، من شيخ الأزهر وعلماء الأزهر، التصدي لضرورة تجديد الخطاب الديني، فهو يوكل الأمر لأهله، لما لهم من علم، وما يحملونه من أمانة.

عندما يطلب الرئيس تجديد الخطاب الديني، فهو يسعى إلى حماية الدين وتعاليمه السمحة، من هؤلاء الدواعش والمتخلفين، الذين قدموا تفسيرات مزيفة لآيات من القرآن والسنة، لإقناع الاتباع بشرعية القتل وسفك دماء الأبرياء، والإسلام من أولئك وهؤلاء براء.

التجديد، هو جهاد في سبيل الله، في مواجهة أولياء الشيطان، هو محاولة لاستعادة فهم صحيح الدين، وليس العكس، هو إزالة لما غلف التراث من صدأ، وتنقيته مما دس به من مفاهيم خاطئة.

تجديد الخطاب، ليس تجديدًا للدين، فالقرآن محفوظ برعاية الله، والسنة المؤكدة لا تتعارض مع القرآن، التجديد للخطاب الذي يقدم للبشر على أنه شرح وتفسير للدين، في الأجزاء المخالفة للمنطق وسنة النبي.

فليس من المعقول أن يقول الله عز وجل في قرآنه الكريم: "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ". صدق الله العظيم.

ليس من المنطقي أمام هذا النص القرآني، يقيني الورود، قطعي الدلالة، "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًاۚ"، ثم يأتي من يفتي بالقتل باسم الدين، إنهم المفسدون المسرفون.

ليس من المنطقي في دين الإسلام، الذي نظم كل شيء، أن يهتم الإمام الأكبر في كامل كلمته، بالحديث عن نفر معدودين على أصابع اليد، ينكرون السنة، وهي قضية قديمة، ويهمل التصدي لمن ينكرون وجود الله.

ليس من الأولويات، إشهار كلمة الحق في وجه القرآنيين، وهم نفر قليل، وإهمال توجيه الخطاب الديني، إلى ساحات الإرهابيين المتدثرين زورًا وبهتانًا بعباءة الدين.

بأي حق وبأي منطق، أئمة الأزهر الشريف وعلماؤه، يتكاسلون عن التصدي لمن يهدمون بنيان الله، أليس قتل الأبرياء هدمًا لبنيان الله، بأي حق تترك عقول البسطاء نهبًا لصيادي التكفيريين يعبثون ويجندون، ويدفعون بشباب لجحيم الدنيا والآخرة، فيقتلون الأبرياء وهم يكبرون، ظنًا منهم أن في دماء الأبرياء مسلمين أو مسيحيين، ما ينقلهم إلى حور العين!

كيف يصمت الأزهر الشريف، وفِي قرى مصر من ينكر على كتابيّ حقه في بناء كنيسة للتعبد؟ ورسول الله كان يلقي عليه اليهودي قاذورات يوميًا ويوم أن توقف، سأل عليه النبي صلى الله عليه وسلم خشية أن يكون أصابه مكروه.

كيف يصمت رجال الدين، على فتاوى إرضاع الكبير، وهي تخالف كل منطق، وكيف لا يحاسب من يقول بجواز خطبة الطفلة في بطن أمها، كيف تحمل كتب التراث ما يجيز أكل لحم الأسير، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أوصى المسلمين، بألا يقطعوا شجرة ولا يؤذوا طفلًا ولا امرأة، حتى الطير في عشها أوصانا الرسول بألا نخيفها.

كيف والله سبحانه وتعالى قال: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا". صدق الله العظيم.

الخطاب، له مرسل، وهو الإمام أو رجل الدين، ورسالة تحمل المضامين، وجمهور مستقبل، ومنطقيًا للجمهور اهتمامات، واحتياجات تفرضها ضرورات الحياة، فكيف نتجاهل في خطابنا الديني، رسائل رسول الله السمحة، التي ترسخ للتعايش السلمي، واحترام عقائد الآخرين، وخلق الضمير الذي يراقب الله في كل أفعاله.

كيف تركنا الجهلاء، يختصرون الدين في لحية، ونقاب، أو جلباب قصير، بينما تجاهلنا قيمة العمل: "إن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"، وتجاهلنا تعريف الناس بأن "الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل"، لا ما نتشدق به فلا يتجاوز ألسنتنا وتناقضه أفعالنا، فنتحايل على خداع أنفسنا بجلباب ولحية.

كيف أهملنا تعليم النشء أن القرآن دعانا للتفكر والتدبر في خلقه، وأن النبي دعانا للبحث عن العلم ولو في الصين، وأوصانا بالجار، الجار أيًا كانت عقيدته أو ديانته، علمنا حب الأوطان، علمنا "أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه".

يا سادة جددوا خطابكم، بما يعلّم الناس صحيح دينهم، الذي يبني دنياهم، ويضمن لهم حسن الخاتمة، علموهم أن نبيهم أوصاهم بالبناء والتنمية، حتى آخر نفس، حتى إن قامت الساعة وفِي يد أحدكم فسيلة فليغرسها.

هذا هو المقصود بتجديد الخطاب الديني، حدثوا الناس في أمور دنياهم، بصحيح الدين، طهروا التراث من تفسيرات العابثين، لعلكم تتفكرون، فيعقلون.

يا سادة التجديد في سبيل الله، التجديد في سبيل الله، التجديد في سبيل الله والوطن.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز