عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الحفاوة الاستثنائية الثانية ودلالاتها

الحفاوة الاستثنائية الثانية ودلالاتها

بقلم : أيمن عبد المجيد

الدول كما البشر، في حياتها لحظات عظمة وفخر، ولحظات معاناة وضعف، لكن الدولة القوية الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، تستطيع النهوض، واستعادة العافية والقوة، إذا ما توافرت بها القيادة الحكيمة، الواعية التي تمتلك إرادة سياسية، ورؤية استراتيجية.



مصر العظيمة، من تلك الدول النادرة في العالم، والأقدم في تاريخ الإنسانية، حضارة وتاريخًا، وقوة قهر التحديات، وفرض احترام العالم لها، بما تحققه من إنجاز يصل حد الإعجاز.

في يوم الأحد 28 أكتوبر الماضي، وحتى الثاني من نوفمبر، زار الرئيس عبد الفتاح السيسي، العاصمة الألمانية برلين، للمشاركة في قمة الشراكة الألمانية- الإفريقية الثانية، بيد أنه كان الرئيس الوحيد من بين رؤساء الدول المشاركة ورؤساء الحكومات، الذي حرصت ألمانيا على الحفاوة الاستثنائية به، عبر عقد قمه رئاسية مصرية- ألمانية، بلقاء الرئيس الألماني، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ولقاءات برئيس البرلمان الألماني البوندستاج، ولفيف من الوزراء وقيادات كبريات الشركات الألمانية.

حل الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمس الأحد 16 ديسمبر، ضيفًا على دولة النمسا، للمشاركة في فعاليات "منتدىالأعمال الأوروبي- الإفريقي"، وليست مصادفة، أن يستقبل رئيس مصر بحفاوة استثنائية، للمرة الثانية في أوروبا، في أقل من شهرين، ففي ظل مشاركة نحو 50 من رؤساء وزعماء الدول ورؤساء وزرائها، بالمنتدى العالمي، فإن الرئيس السيسي، هو الوحيد الذي عقدت معه لقاءات قمة، رئاسية، على مستوى رئيس الدولة، والمستشار النمساوي، فضلًا على لقاء رئيس البرلمان، وممثلي كبريات الشركات، لبحث تعزيز الشراكات في مجالات التعاون والاستثمار.

تلك الحفاوة الاستثنائية برئيس مصر، تحمل دلالات بليغة، فتلك الدول الأوروبية المتقدمة، تدرك حجم ما يتحقق في مصر من إنجازات، على كل المستويات الأمنية، بدحر الإرهاب، والقضاء على الهجرة غير الشرعية، والاقتصادية، بما تشهده مصر من تنمية غير مسبوقة في البنية التحتية، وإصلاحات البنية التشريعية، والنهضة الصناعية والاستثمارية، بما خلقه محورا قناة السويس من فرص كبيرة جاذبة للاستثمار، فضلًا على التجربة العالمية الأولى في التعاطي مع الشباب، من خلال مؤتمر شباب العالم، وسياسيًا، من خلال رؤية مصر الثاقبة والثابتة، بما تطرحه من حلول جذرية، قابلة للتنفيذ، لإنهاء التوتر والصراعات بعدد من بلدان المنطقة.

الحفاوة الاستثنائية، تعني إدراك تلك الدول الأوروبية، الناجحة، مدى إمكانية الشراكة مع مصر، كنموذج عربي وإفريقي ناجح، يمكن أن يكون بوابة الشراكة الأوروبية- الإفريقية، ففي مصر بيئة جاذبة للاستثمار، ومنها عبر قناة السويس يمكن الوصول بالمنتجات لإفريقيا والعالم.

زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لفيينا، هي الأولى لرئيس مصري، منذ 11 عامًا، وما ينتظر أن تشهده من توقيع لاتفاقيات اقتصادية، وبروتوكولات تعاون، وفق ما هو مرتب له من قبل الجانبين، يعد إنجازًا حقيقيًا، في تنمية العلاقات وتعميقها، خاصة إذا علم القارئ أنها هي الاتفاقيات والبروتوكولات الأولى، التي توّقع بين البلدين، منذ 10 سنوات.

 

سياسة مصر التكاملية

المدقق في التحركات المصرية الخارجية، يكتشف أن الدولة المصرية، تعمل وفق استراتيجية، والانفتاح على العالم، لتحقيق ما يمكن أن نسميه "استراتيجية التكامل"، فمصر حددت أهدافها التنموية، وتسعى لشراكات استراتيجية مع حلفاء حول العالم، تنطلق من المزايا النوعية لكل دولة، لتكون تلك الشراكة بمثابة حجر يُكمل بناء التنمية المصرية.

على سبيل المثال، كان التركيز في الزيارة الرئاسية لألمانيا، على بناء شراكات مصرية- ألمانية، تسهم في نقل خبرات ألمانيا في مجالات التعليم الفني، والدراسات التطبيقية، لمصر، مع توطين تكنولوجيا الصناعات الثقيلة، والتعليم الفني حجر مهم في بناء التنمية، تمتاز به ألمانيا، لتحتل المركز الثالث عالميًا في الصادرات.

بينما تمتاز فيينا، بالتجربة الناجحة، في مجال الصناعات الصغيرة، والمتوسطة، فعبر تأسيس شركات مساهمة، مملوكة لرجال أعمال وشباب المستثمرين في مجالات ريادة الأعمال، استطاعت تلك الدولة، أن تحقق 368 مليار دولار، ناتجًا محليًا للعام الماضي، بفائض بلغ نحو 800 مليون دولار، على رأس تلك الاستثمارات، استخدامات التكنولوجيا، التي جعلت من تلك الدولة الصغيرة، تحتل المركز الأول في الاتحاد الأوروبي، والعاشر عالميًا في هذا المجال.

ومصر، تمتلك خطة طموح، للتحديث والتوسع في استخدامات التكنولوجيا، وريادة الأعمال، والإدارة الحكومية الإلكترونية، ومن ثم توقيع بروتوكولات واتفاقيات مع النمسا في هذا المجال، يضع حجرًا متخصصًا في بناء التنمية، ويوّطن في مصر تكنولوجيا وخبرات، نحتاج إليها، بما يتبعها من خلق فرص عمل وتنمية في حجم الصادرات المصرية.

الاتفاقيات التي من المرتقب توقيعها مع الجانب النمساوي، تشمل، اتفاقيات شراكة لتوريد مستلزمات تشغيل مصانع أغذية الوجبات المدرسية، والإدارة الذكية والتكنولوجية، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والطاقة المستدامة، والتكنولوجيا والابتكار.

وبالنظر إلى مجال الاهتمام بنقل تكنولوجيا صناعة أغذية طلاب المدارس، ومستلزماتها، تكتشف سياسة البناء التكاملي، للدولة المصرية، تلك الدولة التي تنتهج في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، استراتيجية علمية، فهو الذي أعلن فترة رئاسته الثانية، ولاية بناء الإنسان المصري، فسعى من خلال حملة 100 مليون صحة للقضاء على فيروس "سي"، والمسح الشامل للأمراض غير السارية، لمواجهة الأخطار الصحية لبناء إنسان معافى، وفي هذا السياق كانت تصريحاته، أمس الأول، خلال افتتاح مشروعات قومية بالجبل الأصفر حول ضرورة الاهتمام بالرياضة، والبناء الجسماني المتناسق.

تحرك الرئيس، اليوم لتنمية صناعة التغذية المدرسية، يعكس عقلية علمية، تعالج من أصابه المرض، بـ"100 مليون صحة"، وتنتهج مبدأ "الوقاية خيرٌ من العلاج"، عبر المسح الشامل، ثم يشرع في تغذية الأجيال القادمة، عبر وجبات مدرسية صحية، توفر للطلاب الفيتامينات، لبناء جسد صحيح قوي، يسهم في خلق جيل مصري قادر على تحمل أعباء وتحديات المستقبل، ويعزز تلك الرؤية البروتوكولات الخاصة بتطوير التعليم، وما تسعى إليه الدولة المصرية من تطوير بالمنظومة التعليمية، لبناء العقل المبدع المبتكر، والجسد الصحيح القويم.

 

أربعة سياح مقابل مواطن

حجر آخر تمتاز به النمسا، وتجربة ناجحة، تحتاج مصر للوقوف عليها، وهو النجاح في جذب 35 مليون سائح سنويًا، بمتوسط أربعة سياح، مقابل كل مواطن نمساوي، فمن العجيب أن النمسا، عدد سكانها لا يتجاوز 8.7 مليون مواطن، ومساحتها 83.8 ألف كيلومتر فقط، وتستطيع جذب 35 مليون سائح أجنبي لزيارتها، ومصر دولة عظيمة بتاريخها، ومقاصدها السياحية، ما بين ثقافية ودينية وشاطئية، بما يمكنها من تحقيق نمو كبير في مجال السياحة، وهي بالفعل عبرت عثرات السنوات الماضية، وتحقق إنجازات كبيرة، الآن، عبر سياحة المؤتمرات، ففي خلال شهر نظمت مؤتمر شباب العالم، والتنوع البيولوجي، ومعرض السلاح العالمي، وقمة البروكسيل، ومن ثم التعاون مع التجربة النمساوية، يُسهم في الإضافة لمصر في مجال قابل للنمو.

بين زيارة ألمانيا وزيارة النمسا، مشترك آخر، يكمن في اهتمام البلدين، بالشراكة مع إفريقيا، وإصرار البلدين على مواصلة البناء، فيما تحقق خلال رئاستهما للاتحاد الأوروبي، فألمانيا خلال رئاستها السابقة للاتحاد، أسست منتدى الشراكة الألماني- الإفريقي، الذي واصل انعقاده للعام الثاني في برلين بداية نوفمبر، بحضور مصري فاعل، والنمسا تسعى مع نهاية رئاستها للاتحاد الأوروبي، الذي يضم 28 دولة أوروبية في شراكة سياسة واقتصادية، لمواصلة التعاون الأوروبي- الإفريقي، ومصر مقبلة الآن على رئاسة الاتحاد الإفريقي، برؤية طموحة لتحقيق إنجازات تنموية بالقارة العذراء، عبر خطط إصلاح وشراكات مع مختلف دول قارات العالم، فمصر هنا شريك واعٍ وبوابة للشراكة الأوروبية- الإفريقية، بما يحقق مصالح متبادلة.

وليس أدل على ذلك من أن المنتدى الأوروبي- الإفريقي، يشارك به 100 شركة عالمية، ونحو ألف من رجال الأعمال الشباب، الناجحين في مجال ريادة الأعمال في مجال الاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يُعد فرصة ذهبية، لشراكات استثمارية في إفريقيا، بما يحقق طموح مصر، والدول الإفريقية، وقطعًا بحسابات رأس المال، فإن النسبة الأكبر من استثمارات العالم تتجه لمصر، ومنها لدول إفريقية أخرى.

 

نجحت مصر في حماية ضيوفها وأوروبا

عامل مشترك، آخر يمنح مصر ميزة نوعية، وهو الاهتمام البالغ في الاتحاد الأوروبي، بقضية الهجرة غير الشرعية، فيكفي أن تعلم أن النمسا، رفعت شعارًا خلال توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي 30 يونيو الماضي، "أوروبا تؤمن الحماية"، وهو الشعار الذي رفعه المستشار الألماني الشاب، "سيباستيان كورتز"، ليعبّر عن اهتمامه بتأمين الاتحاد ضد أخطار الهجرة غير الشرعية المقلق لهم.

ومصر تقدم نموذجًا، يعكس قوتها، وقدرتها، في القضاء التام على عمليات الهجرة غير الشرعية عبر سواحلها، وهي بذلك وفرت- كما ذكر الرئيس عبد الفتاح السيسي- الحماية لآلاف المهاجرين أنفسهم، من أخطار الموت غرقًا، وتحملت في سبيل ذلك أعباء اقتصادية، وفتحت أبوابها للملايين من ضيوفها العرب والأفارقة، يعيشون على أرضها آمنين مكرمين، بلا مخيمات ولا بطاقات لجوء، بيد أن تلك السياسة الحكيمة لحماية الضيوف، حققت مصلحة مشتركة للاتحاد الأوروبي، يدركها هؤلاء، ويدركون حجم ما تتكبده مصر من كُلفة لتأمين ما يزيد على 5 آلاف كيلومتر حدودًا برية وبحرية، لم يعبرها مهاجر غير شرعي واحد منذ سبتمبر 2016، وهو ما أشاد به الاتحاد الأوروبي، بما يستوجب تعزيز تعاون أوروبي مع مصر، بإمدادها بالتكنولوجيا، التي تعزز قدرات تأمين الحدود.

وهنا يتضح للقارئ أن الحفاوة الاستثنائية بمصر، ليست وليد صدفة، أو شعارات حنجورية، بل وليد إنجازات حققتها مصر على أرض الواقع، في كل المجالات، السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والرؤية الثاقبة، لمعالجة قضايا تؤلم العالم، دفعت العقلاء في قارات العالم، للانتباه، لمصر 30 يونيو، التي تخطو بثبات نحو مستقبل أكثر إشراقًا، فكانت الحفاوة المنطلقة من سعي لشراكات استراتيجية، تحمل الخير المشترك، لمصر وشعبها، ومحيطها العربي والإفريقي، وشركائها في أوروبا ومختلف قارات العالم.

مصر الأقوى قادمة، فلشبابها، أن يتشبث بالأمل، ويتحلى بالعلم والعمل، فالقادم أفضل إن شاء الله.

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز