عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مصر الحال قبل المقال.. قراءة في خطاب قائد دفة إفريقيا

مصر الحال قبل المقال.. قراءة في خطاب قائد دفة إفريقيا

بقلم : أيمن عبد المجيد

مصر الحال قبل المقال، عزم لا يلين، إلهام لا ينضب، رصد للعرض، تشخيص دقيق للمرض، روشتة واقعية للعلاج، حلول إفريقية، بآليات تنفيذية للتحديات القارية.



مصر الواعية بخصائص قارتها، وخصوصية كل دولة، تسعى جاهدة مخلصةً، لخلق آليات تكاملية، قارية وإقليمية، بلا تقاطعات، بادرت ببناء جسر عبور الهوة بين تحقيق السلم والأمن، وجني ثمار التنمية المنشودة.

لم تكن مجرد كلمة بروتوكولية، ولا خطاب عابر، ذلك الذي ألقاه الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس، في الجلسة الافتتاحية لقمة الاتحاد الإفريقي الثانية والثلاثين.

بل هي دستور عمل، خارطة طريق إفريقية، أعلنها رئيس الاتحاد الإفريقي الزعيم المصري عبد الفتاح السيسي، بعد دقائق من تسلمه رسميًا دفة قيادة العمل بالقارة السمراء الغراء، في اتحاد يضم ٥٥ دولة هي الأكثر ثروة في العالم، والأكثر معاناة.

 

 

 

 

دستور الـ1981 كلمة في 24 دقيقة

24 دقيقة هي زمن الخطاب التاريخي، 1981 هي عدد كلماته، التي شهدت عليها جنبات قاعة نيلسون مانديلا، وأنصت لها ٥٤ رئيس دولة وحكومة، تواجدوا داخل القاعة.

لم يكن خطابًا، بل دستور عمل، تشخيص دقيق لإنجازات وتحديات وطموحات القارة السمراء، مصحوبة بروشتة علاج واقعية، وآلياتها التنفيذية.

الخطاب احتوى على ١١ رسالة مباشرة من القائد عبد الفتاح السيسي، رئيس مصر والاتحاد الإفريقي، موجهة لرؤساء، وفئات اجتماعية، ومؤسسات عالمية، وشركاء تنمية من مختلف قارات العالم.

فضلًا على ١١ وعدًا وهدفًا ومبادرة مصحوبة بآليات تنفيذية، وحيثيات تؤكد أن مصر التي أوكل لها قيادة سفينتك هذا العام، تدرك جيدًا ما بالمحيط العالمي والإقليمي من أمواج وتحديات، وتعي ما تقول وتطرح من حلول.

 

 

ثلاثة زعماء مؤسسين في خطاب السيسي

في خطابه استدعى الرئيس عبد الفتاح السيسي، ثلاثة من الزعماء الأفارقة المؤسسين، لمنظمة الوحدة الإفريقية، التي تطورت إلى الاتحاد الإفريقي، الذي ترأسه مصر الآن ولمدة عام، مقتبسًا من مقولاتهم الحكيمة، ما يعزز رؤية مصر.

الزعماء الآباء، في مقدمتهم جاء الزعيم المصري جمال عبد الناصر، الذي قال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ١٩٦٣، خلال اجتماع وضع ميثاق التضامن الإفريقي: "ليكن ميثاقًا لكل إفريقيا، ولتُعقد اجتماعات على كل المُستويات الرسمية والشعبية ولنبدأ طريقنا في التعاون الاقتصادي نحو سوق إفريقية مُشتركة".

تلك الكلمات قال عنها الرئيس السيسي اليوم: "كلمات مضى عليها أكثر من نصف قرن لكن ما زال صداها ماثلًا أمامنا".

ومرورًا بالزعيم الغاني الراحل، كوامي نكروما الذي قال: "في انقسامنا ضعف، وفِي اتحادنا يمكن لإفريقيا أن تصبح واحدة من أعظم القوى في العالم"..

مصر السيسي، تؤمن بحتمية العمل التضامني، فالتحديات العالمية والإقليمية أكبر من أن تواجهها الدول فرادى.

وصولًا إلى الزعيم جنوب الإفريقي الراحل، نيلسون مانديلا الذي قال: "الشجاعة ليست غياب الخوف، وإنما القدرة على التغلب عليه"،

مصر تؤمن بقدرة إفريقيا، إذا ما نجح أعضاء الاتحاد في تذليل المعوقات التي تواجه العمل الإفريقي المشترك، طارحة ثلاث آليات تنفيذية: الأولى تعزيز التكامل الإقليمي والقاري، عبر ربط بلدان القارة بطرق برية، والربط الكهربائي والطرق البحرية.

 

 

مصر الأفعال قبل الأقوال.. الصدق نهج مصر

مصر الحال قبل المقال، أهم ما يميز الرئاسة المصرية لاتحاد دول القارة الإفريقية، إن تجارب مصر التاريخية والآنية، تؤكد أن هناك تطابقًا بين الأقوال والأفعال، إن ما تقوله هو نتاج إنجازات حقيقية، يعكسها واقع الحال، قبل المقال الداعي لتعميمها.

على سبيل المثال: قطعت مصر خطوات فعلية، على طريق التكامل الإقليمي عبر مشروع الربط البري، القاهرة- كيب تاون، والربط الكهربي بين مصر والسودان.

وتجربة مصر في المواجهة الشاملة للإرهاب، وما تحقق من نجاحات محلية، هو ما تنصح به في المواجهة الشاملة القارية والعالمية.

شخّص الرئيس السيسي آفة الإرهاب قائلًا: "الإرهاب سرطان خبيث يسعى للتغلغل في أجساد الأوطان الإفريقية، ويهاجم مفاصل الدولة الوطنية، ويختطف أحلام الشعوب وأبناءها"

 

 

ثم طرح روشتة العلاج التي تستند لأربعة محاور:

١- تحديد داعميه ومموليه.

٢- ضرورة المواجهة الجماعية من دول القارة الإفريقية، في إطار جماعي وكاشف.

٣- حتمية ضحد سموم التطرّف التي تفرز الإرهاب.

٤- ضرورة تعزيز مؤسسات الدولة الحامية والقوية.

إن الخطاب التاريخي، للرئيس عبد الفتاح السيسي، وثيقة، وبرنامج عمل الدولة المصرية، الذي تسعى لإنجاز ما يمكن منه، خلال رئاستها هذا العام للاتحاد الإفريقي، وخارطة طريق للعمل التضامني المستقبلي.

 

 

فلسفة المبادئ وواقعية الرؤية.. لا تهوين ولا عنترية

ما يحمله الخطاب من دلالات ثرية، يجعل من الصعب حصرها في مقال تحليلي واحد، فهو خطاب يجمع بين الخبرة التاريخية، والرؤية الفلسفية، والواقعية في الرصد والتحليل، والأهداف المتوقعة، والحلول، مصحوبة بآليات التنفيذ الآنية.

على سبيل المثال لا الحصر: تضمن الخطاب التاريخي، فلسفة مصر، لخصها الرئيس السيسي رئيس الاتحاد الإفريقي في عبارة موجزة هي:

"الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية"، هذا مبدأ مصر التي تسعى لترسيخه.

وأوضح الرئيس: "..إفريقيا أكثر قدرة على فهم تعقيدات مشاكلها وخصوصية أوضاعها ومن ثم أقدر على إيجاد حلول ومعالجات جادة وواقعية تُحقق مصالح شعوبها وتصونها من التدخل الخارجي والسقوط في براثن الأنماط المبتكرة والمُعاصرة من الاستغلال".

هذا هو مبدأ مصر وفلسفتها، حلول مشكلاتنا يجب أن تنبع من داخل القارة، فهي أدرى بشعابها، لا سماح لتدخل الخارج، كفى استغلالًا لقارتنا، ما يقدمه الخارج ليس حلولًا، بقدر ما هي محاولات استغلال، مغلفة بأنماط مبتكرة.

والواقعية تجلت في أكثر من موقع بالخطاب التاريخي: فعندما أشار الرئيس إلى مبادرة "إسكات البنادق"، التي يسعى الاتحاد من خلالها لقضاء على النزاعات المسلحة بالقارة بحلول عام ٢٠٢٠، بجهود حثيثة، قال: "..لا يخفى عليكم أن الطريق أمامنا لا يزال طويلًا لإنهاء الاقتتال في إفريقيا، وعلينا أن نستمر في السعي سويًا لطي تلك الصفحة الأليمة من تاريخ النزاعات في إفريقيا، والتي نالت من آمال التنمية بالقارة".

مصارحة وواقعية، الطريق ما زال طويلًا، بيد أن الحلول الجذرية ممكنة، تكمن بحسب الرؤية المصرية في "التحصن بدرع التنمية".

ولكون إلهام مصر لا ينضب، فهي تقدم الحلول والمبادرات، لا تركن للشعارات، وهو ما بدا جليًا عندما علقت بذهني كلمات الرئيس بقاعة مانديلا مستطردًا:

"من هنا أدعوكم أشقائي قادة إفريقيا للعمل معًا.. لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات، ولوضع خطط عمل تنفيذية تُحصن الدول الخارجة من النزاعات ضد أخطار الانتكاس، وتساعد على بناء قُدرات مؤسسات الدولة لتضطلع بمهامها في حماية أوطانها، وتساهم في التئام جروح مجتمعاتنا".

هنا الرئيس يتحدث عن رؤية مصر الواقعية، التي كثيرًا ما دعا إليها الرئيس في محافل دولية منها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثوابت في الرؤية، تسعى مصر لجعلها واقعًا معاشًا بقارتنا تحت قيادتها.

رؤية مصر، علاج الأزمات تبدأ بالتنمية الشاملة، وهذا لا يتحقق إلا بالحفاظ على الدولة الوطنية، ومؤسساتها قوية، وذلك يتطلب إعادة إعمار الدول التي دمرتها النزاعات، لحمايتها من انتكاسات تعيدها لنقطة الصفر، فتتحول لساحات لاحتضان الإرهاب وبيئات طاردة لأبنائها فتتفاقم أزمات اللجوء والنزوح والتهجير القسري.

ولأن مصر دولة تملك رؤية، فقد بادرت بتقديم حلول مصحوبة بآلية تنفيذية ممثلة في الدعوة لـ"إطلاق أنشطة مركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات، الذي تستضيفه القاهرة، في أقرب وقت ممكن".

هذا المركز، حدد الرئيس السيسي هدفه واختصاصاته، قائلًا: "ليكون بمثابة منصة تنسيق جامعة وعقل مفكر يعكف على إعداد برامج مُخصصة للدول الخارجة من النزاعات، تراعي خصوصية الدولة، وتحمي حقها في ملكية مسار إعادة الإعمار والتنمية".

 

 

 

شعار القمة

"المهاجرون والعائدون والنازحون، نحو حلول دائمة للنزوح القسري في إفريقيا"، هذا هو شعار قمة الاتحاد الإفريقي تحت الرئاسة المصرية.

كشف الرئيس السيسي، أن في إفريقيا ٨ ملايين لاجئ ٩٠٪؜ منهم لجوء داخل دول بالقارة، فضلًا على ١٨ مليون نازح.

مصر وحدها تستضيف ٥ ملايين لاجئ، معظمهم من دول إفريقية، تحتضنهم كأبناء شعبها، يعيشون حياة كريمة بلا مخيمات لجوء، يحصلون على الخدمات بذات الدعم المخصص لأبناء الشعب، نجحت مصر في القضاء على الهجرة غير الشرعية عبر سواحلها وحدودها، فحمت هؤلاء من مخاطر الغرق.

وبعيدًا عن تجربة مصر التي تؤكد أن الحال "الفعل"، قبل المقال "القول"، فإن عمق الرؤية يقول إن الهجرة والنزوح عَرَض، لأمراض عديدة، وأن الحلول الجذرية تبدأ بعلاج المرض ذاته.

يقول الرئيس السيسي: "الأمراض مُتعددة؛ فانتشار النزاعات، ووحشية الإرهاب، وهمجية التطرف، وتغير المناخ وقسوة الفقر وشح المياه وتفشي الجفاف، كلها عوامل تتضافر وتتداخل لتدفع البشر لفراق ديارهم، لا سيما أن آثار تلك الأزمات تنعكس على إفريقيا بالمقام الأول، حيثُ تصل أعداد اللاجئين إلى نحو 8 ملايين لاجئ 90% منهم لاجئون داخل القارة".

الحلول تكمن في التكاتف الإفريقي، لعلاج الأمراض، بحل النزاعات المسلحة، وإعادة الإعمار والتنمية، القضاء على الإرهاب بمواجهة شاملة، الاهتمام بالعلم والتكنولوجيا، لمواجهة آثار التغيرات المناخية، خلق فرص عمل للشباب وحياة كريمة ليواصلوا الإنتاج في بلدانهم.

وفِي سبيل تحقيق تلك الأهداف جاءت غالبية الرسائل المباشرة في خطاب الرئيس، التي بدأها بشكر رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد وشعبها على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مرورًا بتثمين ما تحقق من طفرة في ظل رئاسة بول كاجامي لدورة ٢٠١٨، والرسائل الموجهة للزعماء أعضاء الاتحاد أهمها حتمية العمل الجماعي لتعزيز الأمن والسلم والعبور لمرحلة جني ثمار التنمية.

ومرورًا بالرسائل الموجهة للمرأة الإفريقية وحقها في المساهمة في قيادة قارتها، لا سيما وأنها دفعت وما زالت صامدة في مواجهة ويلات الحروب.

وإلى الشباب قال الرئيس: "وإلى شباب إفريقيا، قلب القارة النابض وسواعدها الفتية أقول: إننا نبذل الجهود، ونُعد الخطط، آملين أن نترك لكم قارة أقوى مما ورثناها، وأن نفتح لكم آفاقًا أرحب مما وجدنا، وأن نخلق لكم أدوات تمكنكم من قيادة دفة إفريقيا الآمنة القوية".

ليأتي الرسائل الموجهة للأمم المتحدة، ممثلة في حق القارة الإفريقية في تمثيل أكبر وأقوى.

وإلى شرُكاء إفريقيا بدول العالم قال الرئيس: "إن الشراكة مع إفريقيا فُرصة حقيقية لتحقيق المصالح المشتركة، واستثمار رابح اقتصاديًا وتنمويًا."

وإلى مؤسسات التمويل الدولية والقارية والإقليمية قال الرئيس: وأذكرهم دومًا أن لكل قارة خصائصها، ولكل دولة خصوصيتها. وقد آن الأوان لكي تُفكر تلك المؤسسات بشكل مُختلف تجاه إفريقيا، وتقدم شروطًا ومعايير مرنة تسهم في تحقيق الدول الإفريقية أحلامها باللحاق بركب التقدُم والتحديث والتنمية المُستدامة".

للدول الصناعية الكبرى، وجه الرئيس رسالته بضرورة تحمل مسؤولياتهم في دعم جهود دول إفريقيا لمواجهة آثار التغيرات المناخية، كوّن تلك الدول الأكثر استفادة من ثروات الأرض والأكثر إضرارًا بها.

ودعا الرئيس مؤسسات القطاع الخاص العالمية والشركات الدولية مُتعددة الجنسيات للاستثمار في قارتنا، مضيفًا "فأسواق إفريقيا مفتوحة والظروف الاستثمارية مُهيأة وأيادينا ممدودة للتعاون وأراضينا غنية بالفرص والثروات، ولدينا الثروة البشرية، وعزمنا على بناء مُستقبل قارتنا في شتى المجالات لا يلين".

خطاب تاريخي، في محتواه، ووضوحه، وشموله، ورسائله، وواقعيته، وما يحمل من مبادرات، وآليات تنفيذها.

يبقى الأمل معقودًا في "الاستناد طواعيةً وتحمسًا على صخرة التضامن الإفريقي" لتحقيق الخير للقارة وشعوبها العظيمة التي تستحق حياة أفضل قياسًا على ما تملكه من ثروات.

عاشت مصر، داعمة وقائدة لعروبتها، وقارتها الإفريقية.. للحديث إن شاء الله بقية.


 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز